الياس بجاني
في 28/6/2005 كتبنا مقالة تناولنا فيها مأساة أهلنا في السجون السورية التي هي بالواقع المعاش من أكثر القضايا ظلما وجوراً، وكانت تعليقاً على هرطقة ودجل تشكيل لجان لبنانية سورية مهمتها متابعة ملف هذه المأساة بين بيروت ودمشق، كما قيل في حينه، وكان ذلك في بداية عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وها نحن اليوم في سنة 2008، ومع بداية عهد الرئيس ميشال سليمان نشهد تكراراً رتيباً ومعيباً واستغبائياً لتلك المسرحية السورية القديمة الجديدة.
لم تجدي اللجان سنة 2005 وبقيت المأساة دون حل، وهي بالتأكيد لن تجدي ولن تثمر حلولاً اليوم لأن اللجان هذه، وكما يدرك الجميع هي مقابر ترمى فيها الملفات التي لا يراد التعاطي معها.
نعيد اليوم نشر المقالة بكاملها كونها تحاكي نفس المأساة بكل تفاصيلها وتشعباتها المؤلمة، ونفس الهرطقات، ونفس المخارج الاحتيالية الكاذبة التي يحاول حكام سوريا التذاكي من خلالها على اللبنانيين باللعب على الكلام "الفارغ" الذي لا يجيدون غيره.
نقول لمن يعنيهم الأمر من النواب والوزراء والرسميين والقادة في وطن الأرز بأنه لم يتغير أي شيء لا في عقلية، ولا في ممارسات، ولا في ضمائر حكام سوريا الشقيقة "الشقية"، والملف هذا لا بد وأن يسلك طريقه إلى الأمم المتحدة لتتولى أمره إن كان فعلاً المطلوب حله. نقول تنبهوا للأمر لأنه لا يجب أن يلدغ المؤمن من الجحر مرتين.
المقالة التي نشرناها في 28/6/2005 وحملت العنوان التالي: "إلى متى مأساة أهلنا في السجون السورية ؟
بعد تشكيلة الحكومة اللبنانية الحالية المستقيلة قام الرئيس نجيب ميقاتي بفك الحجر السوري – العضومي – اللحودي - الأصولي اللاإنساني عن ملف المعتقلين من أهلنا اعتباطاً في السجون السورية النازية. رئيس الوزارة قام باستقبال وفد من أهالي المعتقلين “ومنظمة سوليد" (لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين) في السرايا الحكومية، كما استقبلهم للغرض نفسه وزير العدل خالد قباني.
ثم حمل ميقاتي الملف إلى أول اجتماع له مع الرئيس السوري بعد تشكيلة الحكومة، فحصل على وعد رئاسي سوري بمتابعة رسمية للمأساة من خلال لجان مشتركة بين البلدين.
توقف الزخم عند هذا الحد دون أية مفاعيل عملية أو ملموسة للوعود في حين يتابع أهالي المعتقلين والمتعاطفين معهم من منظمات وأفراد اعتصامهم الاستنكاري المستمر منذ ثلاثة أشهر في خيمة نصبوها مقابل مقر الأمم المتحدة في بيروت.
في 22 حزيران الجاري أصدر ميقاتي قرارا حكومياً بتأليف لجنة لمعالجة الملف مهمتها جمع المعلومات المتوافرة عن المعتقلين في السجون السورية، وتأمين الاتصال بالسلطات القضائية والأمنية السورية المختصة لتحديد أمكنة تواجدهم والتهم المنسوبة إليهم أو الأحكام القضائية الصادرة في حقهم، والعمل على إطلاق سراحهم وتسليمهم إلى القضاء اللبناني لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حقهم وفق أحكام القوانين اللبنانية النافذة.
أناب القرار الأمين العام للمجلس اللبناني السوري الأعلى نصري خوري مهمة التنسيق بين البلدين وحدد مهلة ثلاثة أشهر، قابلة للتجديد، من أجل انجاز اللجنة المهمة الموكولة إليها، على أن ترفع إلى وزير العدل تقارير شهرية عن أعمالها المنجزة.
والجدير ذكره هنا أن هذه اللجنة هي الثالثة التي يشكلها أهل حكم "الطائف والطوائف" لهذه الغاية منذ احتلال جحافل تيمورلنك ومناضليهم المحليين من بعث واشتراكيين ومقاومين وأصوليين وعروبيين ويسار ونفعيين المناطق المحررة وإسقاط حكومة الرئيس عون العسكرية الانتقالية في 13 تشرين 1990.
الجماعة غزاة قصر بعبدا ووزارة الدفاع وأصحاب نظرية "وحدة المسار والمصير" "جسمهم لبِّيس" وهؤلاء هم أنفسهم بقدرة قادر، مستظلين حماية القرار الدولي 1559 وبركات العم سام والأم الحنونة معطُوفَّين على قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان أمسوا بين ليلة وضحاهاً في القاطع المعادي لسوريا خالعين على أنفسهم صفتي "المعارضة والمعارضين" بعد أن نكروا للمعارضين الأصليين جهادهم الطويل وتلطوا وراء العلم اللبناني وشعار البشير مستحضرين البترودولار والفتاوى والتكاليف الشرعية للهيمنة على مجلس النواب.
هؤلاء أنفسهم كانوا ابتكروا هرطقة اللجان الرسمية للنظر بقضايا وشؤون وطنية ومصيرية بقصد دفنها في أدراج التهميش والنسيان، ولنا في هذا السياق عشرات الأمثلة الفاجعة ومنها تقارير لجنتي التحقيق في قضية المعتقلين في السجون السورية التي لا تزال حبيسة الأدراج مهملة مرمية.
كل من شارك في الحكم منذ العام 1990 مباشرة أو بشكل غير مباشر ودون استثناء هو شريك في الجريمة، علماً أن بعض أبطال المعارضة الحاليين من المتاجرين برايات العروبة والمقاومة ومحاربة النظام الأمني، كانوا خطفوا العشرات من بني وطنهم وسلموهم للمخابرات السورية لينتهوا إما جثث مشوهة هامدة أو معتقلين في سجون البعث.
من هنا فإن اللجنة المستحدثة هي مقبرة جديدة لقضية المعتقلين ومحاولة خبيثة لتعطيل الجهود الآيلة لتسلم الأمم المتحدة مسؤولية الملف. إن النوايا الشيطانية من وراء هذه المبادرة الناقصة تُستشف من مغزى تكليف نصري خوري مهمة التنسيق بينها وبين سوريا، وهو الخادم الأمين لحكام البعث. خوري لا زال يتنكر بوقاحة وتخدر ضمير لاثنين من أقربائه هم من ضمن قائمة المعتقلين، كما أنه دأب باستمرار على نفي وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية.
في حال أراد الرئيسين ميقاتي ولحود فعلاً وبصدق المساعدة في إيجاد حل لقضية المعتقلين وهما اللذين تربطهما علاقات وثيقة بالرئيس السوري وعائلته، فما عليهما إلا التوجه فوراً إلى دمشق وعدم العودة منها إلا وبرفقتهما الأحياء من المعتقلين وجثث الذين قضوا، وإلا فلا مصداقية لأي عمل يقوم به الحكم هدفه كما دائماُ الاحتواء والتنكر للحقوق.
ارتكب حُكام الوصاية منذ سنة 1990 رزمة منتفخة من الخطايا والأخطاء والانتهاكات الفظيعة بحق اللبنانيين الأشراف في شتى المجالات وعلى الصعد كافة، خصوصاً الإنسانية والأخلاقية والحقوقية منها، وهي أصبحت بعهدة التاريخ والذاكرة، إلا أن الفرصة سانحة الآن أمامهم للتكفير ولو بنذر قليل، والكفارة المطلوبة من لحود وميقاتي زيارة فورية لسوريا ولقاء الرئيس الأسد لإسدال الستارة على مأساة المعتقلين، وفي حال تقاعسا عن هذه المبادرة لا يبقى أمام الأهالي ومنظمة سوليد إلا الاستمرار بقرع باب الأمم المتحدة وبقوة بعد أن سُدت في وجههم كل السبل وقتل حُكام لبنان وسوريا كل جهودهم.
لمن بيدهم قرار حل قضية المعتقلين وهم يكذبون متقاعسون ويناورون نقول، لا تكونوا ممن ينهون ولا ينتهون ويأمرون بما لا يأتي، ونختم مع الإمام علي: "الكذّاب والميت سواء. لأن فضيلة الحي على الميت الثقةُ به. فإذا لم يوثَقْ بكلامه فقد بطلتْ حياتُه".
*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
تورنتو/ كندا في 16 آب 2008
عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com
في 28/6/2005 كتبنا مقالة تناولنا فيها مأساة أهلنا في السجون السورية التي هي بالواقع المعاش من أكثر القضايا ظلما وجوراً، وكانت تعليقاً على هرطقة ودجل تشكيل لجان لبنانية سورية مهمتها متابعة ملف هذه المأساة بين بيروت ودمشق، كما قيل في حينه، وكان ذلك في بداية عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وها نحن اليوم في سنة 2008، ومع بداية عهد الرئيس ميشال سليمان نشهد تكراراً رتيباً ومعيباً واستغبائياً لتلك المسرحية السورية القديمة الجديدة.
لم تجدي اللجان سنة 2005 وبقيت المأساة دون حل، وهي بالتأكيد لن تجدي ولن تثمر حلولاً اليوم لأن اللجان هذه، وكما يدرك الجميع هي مقابر ترمى فيها الملفات التي لا يراد التعاطي معها.
نعيد اليوم نشر المقالة بكاملها كونها تحاكي نفس المأساة بكل تفاصيلها وتشعباتها المؤلمة، ونفس الهرطقات، ونفس المخارج الاحتيالية الكاذبة التي يحاول حكام سوريا التذاكي من خلالها على اللبنانيين باللعب على الكلام "الفارغ" الذي لا يجيدون غيره.
نقول لمن يعنيهم الأمر من النواب والوزراء والرسميين والقادة في وطن الأرز بأنه لم يتغير أي شيء لا في عقلية، ولا في ممارسات، ولا في ضمائر حكام سوريا الشقيقة "الشقية"، والملف هذا لا بد وأن يسلك طريقه إلى الأمم المتحدة لتتولى أمره إن كان فعلاً المطلوب حله. نقول تنبهوا للأمر لأنه لا يجب أن يلدغ المؤمن من الجحر مرتين.
المقالة التي نشرناها في 28/6/2005 وحملت العنوان التالي: "إلى متى مأساة أهلنا في السجون السورية ؟
بعد تشكيلة الحكومة اللبنانية الحالية المستقيلة قام الرئيس نجيب ميقاتي بفك الحجر السوري – العضومي – اللحودي - الأصولي اللاإنساني عن ملف المعتقلين من أهلنا اعتباطاً في السجون السورية النازية. رئيس الوزارة قام باستقبال وفد من أهالي المعتقلين “ومنظمة سوليد" (لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين) في السرايا الحكومية، كما استقبلهم للغرض نفسه وزير العدل خالد قباني.
ثم حمل ميقاتي الملف إلى أول اجتماع له مع الرئيس السوري بعد تشكيلة الحكومة، فحصل على وعد رئاسي سوري بمتابعة رسمية للمأساة من خلال لجان مشتركة بين البلدين.
توقف الزخم عند هذا الحد دون أية مفاعيل عملية أو ملموسة للوعود في حين يتابع أهالي المعتقلين والمتعاطفين معهم من منظمات وأفراد اعتصامهم الاستنكاري المستمر منذ ثلاثة أشهر في خيمة نصبوها مقابل مقر الأمم المتحدة في بيروت.
في 22 حزيران الجاري أصدر ميقاتي قرارا حكومياً بتأليف لجنة لمعالجة الملف مهمتها جمع المعلومات المتوافرة عن المعتقلين في السجون السورية، وتأمين الاتصال بالسلطات القضائية والأمنية السورية المختصة لتحديد أمكنة تواجدهم والتهم المنسوبة إليهم أو الأحكام القضائية الصادرة في حقهم، والعمل على إطلاق سراحهم وتسليمهم إلى القضاء اللبناني لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حقهم وفق أحكام القوانين اللبنانية النافذة.
أناب القرار الأمين العام للمجلس اللبناني السوري الأعلى نصري خوري مهمة التنسيق بين البلدين وحدد مهلة ثلاثة أشهر، قابلة للتجديد، من أجل انجاز اللجنة المهمة الموكولة إليها، على أن ترفع إلى وزير العدل تقارير شهرية عن أعمالها المنجزة.
والجدير ذكره هنا أن هذه اللجنة هي الثالثة التي يشكلها أهل حكم "الطائف والطوائف" لهذه الغاية منذ احتلال جحافل تيمورلنك ومناضليهم المحليين من بعث واشتراكيين ومقاومين وأصوليين وعروبيين ويسار ونفعيين المناطق المحررة وإسقاط حكومة الرئيس عون العسكرية الانتقالية في 13 تشرين 1990.
الجماعة غزاة قصر بعبدا ووزارة الدفاع وأصحاب نظرية "وحدة المسار والمصير" "جسمهم لبِّيس" وهؤلاء هم أنفسهم بقدرة قادر، مستظلين حماية القرار الدولي 1559 وبركات العم سام والأم الحنونة معطُوفَّين على قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان أمسوا بين ليلة وضحاهاً في القاطع المعادي لسوريا خالعين على أنفسهم صفتي "المعارضة والمعارضين" بعد أن نكروا للمعارضين الأصليين جهادهم الطويل وتلطوا وراء العلم اللبناني وشعار البشير مستحضرين البترودولار والفتاوى والتكاليف الشرعية للهيمنة على مجلس النواب.
هؤلاء أنفسهم كانوا ابتكروا هرطقة اللجان الرسمية للنظر بقضايا وشؤون وطنية ومصيرية بقصد دفنها في أدراج التهميش والنسيان، ولنا في هذا السياق عشرات الأمثلة الفاجعة ومنها تقارير لجنتي التحقيق في قضية المعتقلين في السجون السورية التي لا تزال حبيسة الأدراج مهملة مرمية.
كل من شارك في الحكم منذ العام 1990 مباشرة أو بشكل غير مباشر ودون استثناء هو شريك في الجريمة، علماً أن بعض أبطال المعارضة الحاليين من المتاجرين برايات العروبة والمقاومة ومحاربة النظام الأمني، كانوا خطفوا العشرات من بني وطنهم وسلموهم للمخابرات السورية لينتهوا إما جثث مشوهة هامدة أو معتقلين في سجون البعث.
من هنا فإن اللجنة المستحدثة هي مقبرة جديدة لقضية المعتقلين ومحاولة خبيثة لتعطيل الجهود الآيلة لتسلم الأمم المتحدة مسؤولية الملف. إن النوايا الشيطانية من وراء هذه المبادرة الناقصة تُستشف من مغزى تكليف نصري خوري مهمة التنسيق بينها وبين سوريا، وهو الخادم الأمين لحكام البعث. خوري لا زال يتنكر بوقاحة وتخدر ضمير لاثنين من أقربائه هم من ضمن قائمة المعتقلين، كما أنه دأب باستمرار على نفي وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية.
في حال أراد الرئيسين ميقاتي ولحود فعلاً وبصدق المساعدة في إيجاد حل لقضية المعتقلين وهما اللذين تربطهما علاقات وثيقة بالرئيس السوري وعائلته، فما عليهما إلا التوجه فوراً إلى دمشق وعدم العودة منها إلا وبرفقتهما الأحياء من المعتقلين وجثث الذين قضوا، وإلا فلا مصداقية لأي عمل يقوم به الحكم هدفه كما دائماُ الاحتواء والتنكر للحقوق.
ارتكب حُكام الوصاية منذ سنة 1990 رزمة منتفخة من الخطايا والأخطاء والانتهاكات الفظيعة بحق اللبنانيين الأشراف في شتى المجالات وعلى الصعد كافة، خصوصاً الإنسانية والأخلاقية والحقوقية منها، وهي أصبحت بعهدة التاريخ والذاكرة، إلا أن الفرصة سانحة الآن أمامهم للتكفير ولو بنذر قليل، والكفارة المطلوبة من لحود وميقاتي زيارة فورية لسوريا ولقاء الرئيس الأسد لإسدال الستارة على مأساة المعتقلين، وفي حال تقاعسا عن هذه المبادرة لا يبقى أمام الأهالي ومنظمة سوليد إلا الاستمرار بقرع باب الأمم المتحدة وبقوة بعد أن سُدت في وجههم كل السبل وقتل حُكام لبنان وسوريا كل جهودهم.
لمن بيدهم قرار حل قضية المعتقلين وهم يكذبون متقاعسون ويناورون نقول، لا تكونوا ممن ينهون ولا ينتهون ويأمرون بما لا يأتي، ونختم مع الإمام علي: "الكذّاب والميت سواء. لأن فضيلة الحي على الميت الثقةُ به. فإذا لم يوثَقْ بكلامه فقد بطلتْ حياتُه".
*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
تورنتو/ كندا في 16 آب 2008
عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق