الخميس، أغسطس 07، 2008

اغتيال جعارة محاولة فاشلة من الموساد

محمد داود
ما جعلني على عجالة أن أكتب هذه المقالة التي يغلب علبها الطابع التصحيحي للخبر الذي ورد مساء أمس في عدد من الوكالات والمواقع الإخبارية حول محاولة اغتيال المناضل المبعد " جهاد جعارة أحد مبعدي كنيسة المهد المتواجد في ايرلندا"، ربما سقط الخطأ الخبري سهواً في تحديد الفترة الزمنية التي أُبعد فيها المناضلين ولكن من المهم أن يكتب تاريخ الإبعاد بالشكل الدقيق والحسن، لما يحمل في طياته من معاني سياسية ومضمون تاريخي سجله المناضلين بأحرف من نار ونور، إذ يفترض عودة المبعدين بعد مرور عام من إبعادهم عن وطنهم الرئيس، ولكن إسرائيل ترفض فتح ملفهم الذي أصبح شائكاً رغم مطالبات الرئيس عباس بإنهاء القضية، ويبدو أن ساعات الخلاص قد بدأت بتصفيتهم كما جرى بالأمس من محاولة اغتيال فاشلة بحق جعارة.

إن ما جرى في أيار 2002م حيث ابعد جهاد جعارة بالإضافة إلى 12 آخرين إلى أوروبا، بعد أن شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية واسعة النطاق على الضفة الغربية عرفت باسم "السور الواقي " التي قادها المجرم ارئيل شارون، عقب سلسلة من العمليات الفدائية نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل العمق الصهيوني، وعلى إثرها بررت إسرائيلي عدوانها بأنه يهدف إلى الحفاظ على أمنها القومي والتصدي لسلسلة العمليات الاستشهادية، فاجتاحات قواتها مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية فاستشهد وجرح واعتقل الآلاف، فيما التهم الجدار العنصري الذي أقيم على أراضي المواطنين أكثر من نصف مساحة أراضي الضفة الغربية.

كان مخطط جيش الاحتلال باقتحام كل بيت وتصفية كل المناضلين ورجال المقاومة، الذين لجئوا إلى التحصن داخل المخيمات التي حاصرتها إسرائيل ودمرتها على ساكنيها مثل مخيم جنين الذي لقن جيش الاحتلال درساَ قاسياً، بعد أن تصدى رجاله مدافعين موحدين ببسالة، كما قامت قوات الاحتلال الصهيوني في الثاني من أبريل لعام 2002 بمحاصرة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، وحاصرت مبنى المقاطعة الكائن في مدينة رام الله بعد تحصن رجال المقاومة بجوار رئيسهم الذي قدم حياته قرباناً لهم من اجل المحافظة على الثوابت الوطنية وعلى كرامة الإنسان الفلسطيني وعزته، لتبقى ثورة المقاومة شعلة أمل مضيئة وقائمة حتى في زمن السلم وصولاً إلى التحرير. لذلك عمد الرئيس عرفات أن يكون لكل حدث مراسيم مشرفة تليق برجالها ويفتخر بها كل الأحرار في هذا الكون، فكان الخروج مزينين وملتفين بالكوفية والعلم الفلسطيني وهو ما يذكرنا عندما أصر الرئيس عرفات أن يكون الخروج من حصار بيروت عام 1982م بأن يكون باللباس العسكري والكوفية والعلم الفلسطيني ولو استطاع بالسلاح لخرج به ليكون عنوان العزة والشموخ والانتصار يمتدح به أمام إرادة التحدي.

وإسرائيل كيان قائم على القتل والاغتيالات والتوسع، لذلك كانت محاولات التصفية والغدر منذ البداية عندما تحصن المناضلين الــ 230 داخل الكنيسة، أخذت المقايضة الإسرائيلية بكمية الدواء والغذاء مقابل الرؤوس، الذي انتهى باستشهاد سبعة وإبعاد قصري لـ 13 خارج فلسطين و26 آخرين إلى قطاع غزة، فيما تم الاتفاق على أن يتم سجن المناضلين الذين تحصنوا بجوار الرئيس "الشهيد ياسر عرفات" في مبنى المقاطعة بعد حصار طويل بدون ماء ولا طعام ولا كهرباء، انتهي بسجنهم في سجن أريحا الفلسطيني، فيما أصرت إسرائيل على اعتقالهم، ولكن بعد تدخل جهات خارجية تم الاتفاق، لكن إسرائيل سرعان ما نقضت الاتفاق فاقتحمت السجن عقب دخول حماس المعترك السياسي واعتقلت الأمين سعادات والشوبكي وآخرين بعد مواجهة. ليتضح لنا اليوم أن هذا الأسلوب الغادر هو عنوان المرحلة الذي دعا إليه قادة أجهزة الأمن والتجسس الإسرائيلية " الموساد والشاباك والشين بيت " إلى تعزيزه، وما تصفية العديد من المناضلين سواء في أوربا أو في دول عربية وفي أراضي السلطة الفلسطينية هو جزء من نشاط هذه المنظومة التي تأتي تأكيداً على أهمية هذه الحرب السرية والدقيقة، وقد شهدنا سلسلة من التصفيات خلال هذا العام عبر تصفية المئات من رموز المقاومة في مدن الضفة والقطاع واغتيال الشهيد "عماد مغنية" في دمشق واغتيال الوزير السوري "محمد سليمان"، وتصفية مجموعة من القسام على شاطئ بحر غزة قبل أيام، والعديد من المحاولات الفاشلة التي تم التكتم عليها باعتبارها "اختراق امني فاضح" فجميعها تأتي في هذا السياق، لذلك محاولة الأمس بتصفية القائد في كتائب شهداء الأقصى المبعد جهاد جعارة والقبض على المنفذين وبحوزتهم صور لرفاق جعارة المبعدين يؤكد نيتهم اقتراف مزيد من التصفيات والاغتيالات وهذا يذكرنا عندما أقدم الموساد على اغتيال الشهيد الدكتور "فتحي الشقاقي" في أزقة مالطا بنفس الأسلوب.

وأخيراً نتوجه بالتحية كل التحية لهذا الصمود الأسطوري المتجسد في شخص الأخ جهاد جعارة الذي عرفته فلسطين والمقاومة منذ نعومة أظافره فكان أحد رموز العمل الوطني وأحد نشطاء حركة فتح وذراعها العسكري "كتائب شهداء الأقصى"، ورمز الحركة الأسيرة. وعنوان التحدي الفلسطيني، رغم جراحه الذي ندعو له بالشفاء العاجل، فقد فضل الموت بكرامة ولا الاستسلام في لحظة توعد الاحتلال وقتها بإنهاء العملية عسكرياً في الكنيسة وها هو اليوم يجدد العهد والبقاء التحدي.
كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: