الأربعاء، أغسطس 27، 2008

ثقافة الأرجيلة ومساواة الأنثى

سامي الأخرس
بالكاد قطعة قماش تستر جسدها أو المناطق المثيرة في جسدها والتي يعاقب القانون عليها تحت بند التعري ، وتجلس ساقاً على ساق وتتحدث بثقافة الأرجيلة ولسان معوج بلكنه عربية مشوهة وهي تتسامر بأحد المقاهي حتى ساعة متأخرة ، والسيجارة الأنيس الليلي الدائم وهي تمضي ما تبقي من سكون الليل أمام جهاز الحاسوب والانترنت .
لا تتوانِ لحظة واحدة بأن تنعت محدثها بكل الألفاظ والصفات المعيبة والمريبة انطلاقاً من مبدأ المساواة والحرية المطلقة التي لا قيد لها ، ومن ثم تغادر عالم مساواتها وحريتها لتتراخي على فراشها حتى ساعات الظهر أو المساء بعد يوم مُنهك خارت به قوي الصمود على ربط الليل بالنهار لتصحو على دقات منبه جهازها الخلوي مع موعد مسلسل سنوات الضياع المدبلج تنتظر هذه العجوز (الأم ) لتقدم لها طعامها وشرابها وتدللها بعد رحلة العناء والكد اليومية في السهر وقضاء الليل متسمرة أمام جهاز الحاسوب ، وما أن تنتهي من عملية تركيزها الدقيقة بأحد المسلسلات المدبلجة حتى تسارع لأخذ حمامها وارتداء قطعة القماش المنتقاة بدقة وتبدأ رحلة التسكع الثقافي المعهودة في شوارع العاصمة الصاخبة بالأضواء المبهرة والموسيقي الصاخبة على أنغام السمسمية وعيناها تتربصان يميناً وشمالاً ، إيماناً منها بالمساواة بالمجتمع الذكوري العنيف القاسي المغرور.
هذه صورة المساواة التي تفهمها الأنثى العربية في ظل الواقع الجديد الذي أصبح يفرض إملاءاته على كل مظاهر حياتنا ، المساواة التي لن ترحم أب أو أخ أخذته الغيرة على كرامته من تمرد أبنته أو أخته وربما يجد نفسه أمام القضاء وتقارعه في دهاليز الشرطة والمحاكم ، فهو حق أصيل كفلته لها ثقافة الأرجيلة والرقص في المهرجانات والاحتفالات العامة في الشوارع مع أي مناسبة ، فالكتف بالكتف ، والصدر بالصدر ، والمساواة بالمساواة .
لسنا عبيد للذكور ولسنا جواري للإنجاب وأعمال المنزل ، نحن شركاء لكم بكل شيء .
جميلة تلك العبارة شركاء لكم بكل شيء ، جميلة ورائعة عندما تدرك هذه الأنثى مضامينها ومراميها ، نعم نريدهن شركاء لنا بكل شيء ، بالقرار ، والمصير والهم ، شركاء بالعقل والاتزان وغرس الأخلاق والتربية ، شركاء بأعباء الحياة وويلاتها ، شركاء بالعلم وتربية الأجيال ، شركاء بالإبداع والتألق ، بالجهد والعرق والبناء ، أما شراكة الأرجيلة والسيجارة والرقص فهي شراكه شيطانية تحولنا لماخور عام نفقد به قيمنا وأخلاقنا وأدبياتنا ، ماخور يحمل الرذيلة لمعول هدم مجتمعاتنا المأزومة سياسياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً فهل تبقي لنا الأزمة الأخلاقية ؟
المساواة لا تتحقق بالجسد وإنما تتحقق بمفهوم الشراكة هذا المفهوم الذي علينا إعادة صياغته من جديد بعدما توغل لعقول فتياتنا وأبنائنا وأصبح شراكة هدامة فاسدة ، دفعت الأب لممارسة وحشية ، والأخ للاحتقان ، وأصبحنا نخشي عودة الطالبة الجامعية تحمل جنين غير شرعي بدلاً من الشهادة الجامعية ، وتحمل عازل جنسي في حقيبتها بدلاً من القلم والكتاب .
المساواة تبدأ بالاستقلال العلمي والثقافي والاقتصادي الذي تستطيع من خلاله الفتاة من تحقيق ما تصبو له من شراكة وحرية ، استقلالية القوة الأخلاقية التي تؤمنها وتحميها من السعار الجنسي الملتهب في واقعنا ، هذا العار الذي أصبح وحشاً هائجاً بيننا لا يرحم المحارم أو غير المحارم ، يفترس كل ما في طريقة لتعبير عن أزمته وأزمتنا وليدة ثقافات أسرية جديدة لم تعد تمتلك وسائل الرقابة التربوية ، هذه الثقافة التي تهمل من خلالها الفتاة والرجل كل شيء من حولهما لمواكبة التطور والعصرنة التكنولوجية في المفاهيم والثقافات وتحولنا لأدوات تتسمر خلف جهاز نمضي عشرات الساعات حوله .
" سي السيد " والمتخلف هذه الصورة التي يحملها الوجه القديم الذي كان يحمي بيته وعرضه بجبروته الذكوري وشواربه الكثيفة ، صورة توحي بالاشمئزاز لفتاة وتباغتك بها إ، حاولت أن تخوض حوار أخلاقي معها ، أو تدفعها للتخلص من أرجيلة السمر وسيجارة السهر .
فالمسؤولية جماعية لا يتحمل أعبائها جنس أو جيل بعينة ، بل مسؤولية تبدأ من البنيان الأسري الذي فقد قيمة وأركانه ووسائله الرقابية التربوية ، والمؤسسات العلمية والأكاديمية التي لم تعد تولي أهمية لثقافة الأخلاق سواء في مناهجها أو ضوابطها الأكاديمية الطلابية ، والمجتمع الذي أصبح يعيش في هوة كبيرة افتقد فيها لمعاني التضامن والتعاضد والتكاثف والتلاحم والانسجام ، نسيج اجتماعي ممزق تحكمه لغة المال والمصالح وأدوات ووسائل السوق والإنتاج .فالجميع أصبح سلعة تحتاج لقنوات ترويج وتوزيع وتسويق .
إنها المساواة التي تبحث عنها الأنثى في ثقافة الأرجيلة والسيجارة ، وقطعة القماش التي بالكاد تستر الجزء اليسير من العورة التي يُجرمها القانون ، والتي تدخل في دائرة العري والفعل الفاحش . فأين تسير أم المستقبل؟!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أستاذ سامي الأخرس والله كنت قد نويت أن أهجر هواية التعليق على المقالات في مجلة ليلى بسبب ما صرت ألاقي بين كتابها من أنصاف المثقفين وكبار الموتورين والحاقدين من أمثال السادة الياس بجاني وبوكاشوش يوسف ولاحظ حداد ..وما الى هنالك ...
أنا أتصفح هذه المجلة احتراما واعجابا بأدب وفكر الاستاذ الشاعر شربل بعيني ... ولكن الان وبعد قراءتي لمقالتك الرائعة أستطيع أن أجزم أن هناك أيضا من يستحق أن يقرأ له... لا أستطيع الا أن أقول شكرا لك