الاثنين، أغسطس 25، 2008

مشروع الدولة ... إلى أين ؟

د. عدنان بكريه

فلسطين الداخل

إن "مشروع الدولة" المطروح ...عمق الخلاف وقسم الشارع الفلسطيني ، فبدلا من أن يتشبث الفلسطيني "بالمشروع الوطني" الشامل كحق العودة والقدس... حصر حلمه وطموحه بمشروع الدولة الهزيل والمبتور .. ارتاحت إسرائيل، لأنها استطاعت أن تقبر المشروع الوطني الشامل تحت فتات الدولة ! الدولة هي التي خلقت مساحة واسعة من التباعد بين فصائل الشعب ! فهل ستعود القيادة وترفع المشروع الوطني الشامل... تعيد للقضية الفلسطينية هيبتها كقضية تحرر وطني وليس كقضية كيان ودولة ؟! "ما أعظم الثورة ... ما أصغر الدولة "!!

التباعد بين حركتي فتح وحماس واتساع الهوة سهل على إسرائيل اختراق الوضع الفلسطيني ومن ثم تهميش القضية ، وكلما ازداد هذا التباعد ، كلما سهلت مهمة إسرائيل في تفتيت الرؤية الفلسطينية وتمزيقها وبالتالي تحطيم المشروع الوطني الفلسطيني!

الحالة الفلسطينية الراهنة لم تنشأ من فراغ وليست وليدة الصدف والقدر ، بل هي نتاج لعوامل عديدة جلبناها بأنفسنا وقولبناها بأيادينا .. إذ ليس منصفا أن نتهم العالم وحده ونغطي عوراتنا بستائر من الاتهامات والشعارات لإخفاء دورنا الهدام .. لا يمكننا إنكار العهر السياسي الذي يلف العالم.. ولا يمكننا التغاضي عن تكالب العالم واستئثاره وتنكره لحقوقنا فنحن لا نتعامل مع عالم نظيف!! لكن قبل هذا وذاك علينا أن نطهر أنفسنا وإذا لم نتمكن فعلينا الاعتراف بأننا أخفقنا في قيادة المسيرة !أخفقنا ولم نعد قادرين على تحمل أعباء المرحلة ولنترك الخيار للشعب يقرر ماذا يريد !

تلفت أعصابنا ، ولم نعد نحتمل الاتهامات المتبادلة ، التي تذنب الآخر وتذنب القدر.. تذنب الظروف الدولية والعوامل الإقليمية ... وتبرئ الساحة الشخصية...ولم نعد نحتمل هذا العبث اللامبرر وهذا الجفاء الذي لا تقبله قضيتنا ولا مصلحة شعبنا ! وكيف لنا أن نطالب بدولة مستقلة وعودة اللاجئين؟! حيث يزداد يوميا عدد لاجئي الضفة في (إمارة غزة) ولاجئي غزة في (جمهورية الضفة) !! وحيث تنتهك الحقوق الحياتية والمدنية للفلسطيني وتحت علمه الوطني!! مضحك مؤلم ما وصلنا إليه !! من هنا، يجب أن ننتفض.. حتى تنصاع القيادة لخيارات الشعب فلا يعقل ان نغيب السياسة والمصلحة العليا لصالح لعبة التناحر!لقد أصبح التخلص من الاحتلال الإسرائيلي مسألة ثانوية مقارنة مع الحفاظ على الكرسي والسلطة والنفوذ ... فهم يمزقون الجسد الفلسطيني بإطلاق النار المتبادل بينهم.. وكل طلقة نعتبرها طلقة في رأس القضية الفلسطينية وبصقة في وجه التاريخ الفلسطيني !

***

لقد وقف الشعب الفلسطيني امام خيارات تبين بانه ليس لها رصيد من (مدريد) الى (اوسلو) الى (واي ريفر) الى (كامب ديفيد) الى (انابوليس) خيارات لم تمنح الشعب الا المزيد من التمزق والانقسام ! وبما أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل هذه الحالة التي تكرس وتعزز لانقسام.. يتوجب على الفصائل الفلسطينية التلاقي حول نقطة محددة ومشتركة تجنب شعبنا المزيد من التمزق والضياع وتعيد للقضية الفلسطينية هيبتها المفقودة ! ليس هناك صعوبة في ايجاد هذه النقطة ورسم تلك القواسم ، ما دام خيار الشعب واحد وهو التخلص من الاحتلال واقامة الدولة المستقلة تحت سقف المشروع الوطني الشامل !

اليوم نحن لسنا بصدد اختيار الهوية المدنية والسياسية للدولة! ولسنا بصدد انتقاء لون الطيف الذي سيحكم !! لأن الدولة أصلا غير قائمة... تتعدد الاجتهادات والافكار والمناهج ،لكننا في النهاية نبقى شعبا واحدا نحمل فكرة واحدة .. نحن لسنا في صراع كافر ضد مؤمن ومؤمن ضد ملحد !! لأننا جميعا نؤمن بقضيتنا وعدالتها ونؤمن بالله .

نحن اليوم أمام أولويات وطنية تتجسد بتوحيد كل الأطياف السياسية في مواجهة تحديات المرحلة والتخلص من الاحتلال والحديث في غير هذا السياق انما يكرس الانقسام وحالة الضياع .. أما الحقيقة الثانية والتي يجب ان نقر بها ونتعايش معها ..انه لا يمكن لفتح ان تلغي وتتجاهل حماس ولا يمكن لحماس ان تلغي وتتجاهل فتح واذا ما انطلق الحوار الداخلي من هذه النقطة فان الوحدة قابلة للتجسيد والاهم العمل وبالتوازي على محاسبة المسؤولين ممن عبثوا وتلاعبوا بمصير القضية وبغض النظر عن انتماءاتهم الفصائلية ! فقط عندما نطهر انفسنا من وباء الانتهازية والتلاعب والعبثية في التعاطي مع القضية يمكننا ان نستعيد هيبتنا وهيبة قضيتنا ... هناك حاجة ماسة لتجميع كل القوى الشريفة والمخلصة ومن كافة اطياف الشعب وتوحيدها تحت سقف نضالي وطني مشترك .

***

إن أهم مشروع مطروح اليوم هو مشروع (التلاقي ) والمصالحة الداخلية، فالاستمرار بالرهان على مشاريع ليس لها أي رصيد سياسي سيحطم المشروع الوطني الفلسطيني ويعيق المصالحة .. ويبقى الخيار الامثل امام القيادة هو الخيار الذي يحدده الشعب ويراه مناسبا للمرحلة الحالية ..اذ علينا الاعتماد على الشعب في التأسيس لمستقبل جديد .

لقد ادرك الفلسطيني وبعد تجربته بان خيارات التفاوض لم تكن الا خدعة واستنزافا للوقت ..ومحاولة اسرائيلية للقضاء على الخيارات النضالية الاخرى! محاولات لدق اسفين الخلاف في الشارع الفلسطيني .. وكان لها ما ارادت .. والاغرب من هذا كله عندما بلعت الفصائل الفلسطينية الطُعم .. فوضعت القيادة الفلسطينية حماس في نقطة ابعد إليها من إسرائيل ووضعت حماس حركة فتح في نفس الخانة مع إسرائيل !وبدأت حملة التشكيك والتخوين مما عقد الوضع الداخلي أكثر وأصبحت طريق العودة إلى الحوار مرصوفة بالأشواك، مقفلة بالحواجز ! تناسينا بأننا شعبا واحدا جبلنا من نفس التراب.. نحمل نفس الحلم ونفس الفكرة.

إن الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي المأزوم يتطلب وقف كل أشكال العبث وصياغة مشروع وطني وحدوي متكامل يحظى باجماع الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده والخروج من دائرة الشعارات إلى دائرة العمل.. من دائرة التسول إلى دائرة المطالبة وبحزم .. من دائرة التردد إلى دائرة الإصرار ... من دائرة العبث واللامبالاة إلى دائرة الجدية ..والاهم كنس رواسب الماضي وتداعياته وعدم التقوقع في أوحال الماضي يجب أن ننظر المستقبل ..يجب أن ننظر الى الأمام أثناء قيادة مسيرتنا وليس إلى الخلف لأننا سنصطدم وتتحطم الحافلة !! رغم أن الأمر يتطلب أحيانا النظر إلى الوراء من خلال المرآة حتى نستطيع كشف تجارب الماضي واستخلاص العبر .
Dr.adnanb@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: