صبحي غندور
ليس هناك من جالية عربية واحدة في أميركا. الجالية العربية في أميركا هي انعكاس تماماً لحالة المنطقة العربية، إذ ليس ما يغيّر من واقع حال إنسان عربي في الخارج فعل مغادرة الوطن فقط، وأنّه بالتالي سيصبح فوراً إنساناً مختلفاً كلياً عمّا كان عليه بموطنه العربي، كأن ينظر لنفسه من خلال هوية عربية واحدة فلا يتصرّف إلا على أساس الانتماء العربي المشترك مع مهاجرين عرب آخرين.
الإنسان العربي المهاجر من المنطقة العربية هو عملياً بحالة المهجّر لأسباب مختلفة اقتصادية أو سياسية أو أمنية، أو للبحث ربّما عن وضع وفرص أفضل للعيش أو الإبداع. هذه الأسباب لا تجعله، وهو المهاجر حديثاً، يعطي بالضرورة أولوية لما يسمّى بالعمل السياسي، فالمهاجر العربي يحتاج لفترة طويلة من التفاعل مع المجتمع الأميركي قبل أن ينغمس في الحياة السياسية الأميركية.
أيضاً، فإن معظم المهاجرين العرب لم يعيشوا التجربة الديمقراطية فعلاً في أوطانهم الأصلية، وهم إنْ عاشوها فبشكل مشوّه أحياناً مما يُضعف حماس هذا البعض لممارسة العمل السياسي بشكل عام. بعض العرب يخافون حتى من العمل السياسي بشكل عام، وحينما يذهبون إلى الخارج، يخافون الانخراط في العمل السياسي داخل أميركا. بعضهم بلا خبرة، والبعض الآخر بخبرة مشوّهة ويخاف ممّا مرّ به من تجارب سياسية في بلده.
المهاجر العربي الحديث إلى أميركا يجد نفسه منتمياً إلى "هويات" متصارعة أحياناً، قد تكون بين "أوطان" عربية، أو اتجاهات سياسية أو حتى دينية وطائفية، وذلك هو انعكاس لما هي عليه المنطقة العربية منذ حوالي ثلاثين سنة بعدما كانت الهوية العربية في السابق هي الأساس وراء تأسيس جمعيات ومراكز عربية تشجّع على الهوية الثقافية المشتركة بين العرب المهاجرين.
هنا أهمّية ما يقوم به الآن "مركز الحوار العربي" في واشنطن من حيث التركيز على الهوية العربية المشتركة ودعوة العرب في أميركا وفي كل مكان إلى التفاعل على أساس هذه الهوية ليكوّنوا فعلاً نواة لجالية عربية واحدة بالفعل، وليس بالتسمية فقط، كما يكونون أيضاً خميرة لمستقبل عربي أفضل منشود في المنطقة العربية.
عدد العرب في أميركا لا تتجاوز نسبته إلى عدد السكان الأميركيين واحد في المائة، هناك 300 مليون أميركي وهناك حوالي 3 ملايين عربي، فنسبة واحد بالمائة من السكان لا تغيّر كثيراً من واقع الحال الأميركي، وإن كان معظم المهاجرين العرب هم من أصحاب الكفاءات، لكنهم في غالبيتهم بحال "العمل الفردي" أكثر ممّا هو "عمل جماعي منظم".
هناك عدد من المرشحين العرب في الانتخابات الأميركية، لكن ترشيحهم لا يعني بالضرورة أنّهم من مؤيدي القضايا العربية. هناك مرشحون عرب بالأسماء، هناك جالية عربية بالمعنى الاسمي، لكنها موجودة في تصنيفات مختلفة وأحياناً متصارعة مع بعضها في أكثر من مكان. هناك تأثير عربي فاعل في ولاية ميتشغن التي تعيش فيها كثافة من العرب المهاجرين أدخلت عضواً في مجلس الشيوخ. هناك بعض المرشحين العرب على مستويات محلية داخل بعض الولايات، قد يشكلون بداية تأثير إلا أنّه ليس من النوع الذي يُحدث تغييراً الآن في المجتمع الأميركي، ولا هو أيضاً الآن بحالة التكامل مع بعضه البعض. فالمهاجرون العرب ينتمون إلى ثقافة واحدة، لكن أيضاً إلى دول متعددة. يأتون إلى أميركا التي هي دولة واحدة لكنّها مكونة من ثقافات متعددة ومن أصول عرقية متعددة.
وهناك مقارنة خاطئة تتكرّر أحياناً في الإعلام العربي وفي الفكر السياسي العربي، وهي مقارنة حالة العرب في أميركا بحالة اليهود الأمريكيين. فالواقع أنّ "العرب الأميركيين" هم حالة جديدة في أميركا مختلفة تماماً عن الحالة اليهودية. العرب جاءوا لأمريكا كمهاجرين حديثاً من أوطان متعددة إلى وطن جديد، بينما اليهود في أمريكا هم مواطنون أمريكيون ساهموا بإقامة وطن جديد (إسرائيل) في قلب المنطقة العربية، أي عكس الحالة العربية والإسلامية الأميركية وما فيها من مشكلة ضعف الاندماج مع المجتمع الأميركي. فالعرب الأمريكيون ينطلقون من واقع عربي مجزأ بينما يدافع اللوبي اليهودي عن كيان واحد هو إسرائيل.
إن نجاح "اللوبي اليهودي" لا يعود سببه فقط إلى أسبقية عمله السياسي في أمريكا أو إلى أنّ "الجالية اليهودية" هي أكثر عطاءً بالتطوع والمال. فالعنصر المرجح لكفّة "اللوبي اليهودي" إنّما سببه الأساس أنّ أمريكا نفسها ليست طرفاً محايداً يتنافس عليه العرب والمسلمون من جهة، واليهود من جهة أخرى. فأمريكا أسهمت منذ البداية في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وزوّدته وما تزال بكل إمكانات التفوّق النوعي على الدول العربية.
كذلك ليس هناك حالة تنافس موضوعي في داخل المجتمع الأمريكي. فليس هناك مؤسسات رسمية أو إعلامية أميركية محايدة تتنافس عليها الجالية العربية مع الجالية اليهودية. وهذا بذاته يجعل المقارنة غير عادلة.
إنّ "اللوبي اليهودي" في أميركا يتعامل مع علاقة واحدة خاصة هي علاقة إسرائيل بأمريكا بينما تتعامل المؤسسات العربية الأمريكية مع علاقات عربية متشعبة ومختلفة بين أكثر من عشرين دولة عربية وبين الولايات المتحدة.
العلاقة بين "العربي" في أمريكا وبين دول المنطقة العربية هي حالة مختلفة عن العلاقة بين اليهود الأميركيين وبين إسرائيل، فهي حالة من بنى هذه الدولة وليس الهارب أو المهاجر منها كما هي طبيعة هجرة العرب لأميركا.
من ناحية أخرى، فإنّ ما يعانيه العرب الأمريكيون من مشكلة تحديد الهوية وضعف التجربة السياسية، هي ليست بمشكلة لدى اليهود الأميركيين.
إضافة لذلك، علينا أن نلتفت إلى مميزات مختلفة: فهناك "أمريكيون عرب"، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول ومن هم الآن من مواليد أمريكا. وهناك "عرب أمريكيون"، وهم المهاجرون الذين ولدوا في أوطان عربية وحصلوا على الجنسية الأميركية لكن اندماجهم في المجتمع الأميركي ما زال محدوداً. وهناك "عرب" في الولايات المتحدة وهؤلاء لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد ولا قدرة لهم على التأثير الفعال بالحياة السياسية. وبينما نجد أغلب "الأمريكيين العرب" غير متواصلين مع البلاد العربية الأم ولا مع ثقافتها، نرى أن الفئة الأخيرة غير متواصلة تماماً مع المجتمع الأمريكي، ولكلٍّ من هذه الفئات حياة مختلفة داخل المجتمع الأمريكي.
ويُضاف إلى ذلك أيضاً، تعدّد الانتماءات الدينية والطائفية في الجالية العربية. البعض مثلا يندفعون نحو منظمات دينية وهو ما يستبعد نصف الجالية العربية. وبعض هؤلاء يتقوقعون سواء بسبب منطلقات خاصة بهم أو كردّ فعل على ما يحدث في الجانب الآخر.
وأشير هنا إلى أن أكثر من نصف الجالية العربية في أميركا هم من المسيحيين العرب، وهذه الجالية هاجر معظمها كما نعرف منذ مطلع القرن العشرين من لبنان وسوريا وفلسطين، ثم حصلت هجرات لاحقة من مصر والعراق، لكن يرافق وجود الجالية العربية في أميركا أيضاً ما يسمى بالجالية الإسلامية في أميركا. فالجالية الإسلامية في أميركا تضم عرباً وغير عرب من دول آسيا غير العربية ومن الأميركيين ذوي البشرة السوداء المعروفين باسم "الأميركيين الأفارقة". الشيء الذي يلاحظ هنا أن أكثر من نصف الجالية العربية هم من المسيحيين العرب، وأكثر من نصف الجالية الاسلامية هم من غير العرب. إذن، نتحدث عن دائرتين للتحرّك وليس عن دائرة واحدة في أميركا. الجالية الإسلامية في أميركا عددها حوالي 6 ملايين أي ما يوازي تقريباً عدد اليهود في أميركا، يعني 2 بالمائة من عدد السكان الأميركيين، ولا شك أنه إذا حصل- وهناك الآن بوادر مشجعة- نوع من التنسيق والتفاعل بين ما يسمّى بالمؤسسات والمراكز العربية وما بين ما يسمّى بالمؤسسات والمراكز الإسلامية في أميركا، وبأن يكون عمل هذه المؤسسات فيه نوع من التكامل بين الدائرتين، فسيكون هذا التكامل لمصلحة أبناء كل جالية من الجاليتين وأيضاً لدورهما المشترك في المجتمع الأميركي. هناك الآن مؤسسات في أميركا تعمل بطابع عربي أو إسلامي لما نسمّيه ب" تصحيح الصورة" أو تحسين الصورة العربية والاسلامية في أميركا، وهذا الموضوع مهم بغض النظر عن القضايا السياسية، وتدخل في نطاقه العلاقة مع الرأي العام الأميركي، مع الإعلام الأميركي، مع عدة مؤسسات تربوية وأكاديمية. أيضاً هناك مؤسسات كما هو حال "مركز الحوار العربي" في أميركا تعمل لتحسين "الأصل"، أي تحسين "الصورة "وتحسين "الأصل" معاً. فكما هو مهم تحسين الصورة عن العرب والمسلمين في أميركا، من المهم أيضاً تحسين"الأصل" الذي يظهر في هذه الصورة، فهذا الانسان العربي أو المسلم في أميركا يجب أن يكون إنساناً صالحاً بالمعنى الفكري والمعرفي والسلوكي، وأيضاً بأسلوبه في الحوار بالمجتمع الأميركي. وكل هذه الأمور لا يمكن أن تحدث من فراغ، ففاقد الشيء لا يعطيه. فإذا كان الانسان العربي لا يعرف قضاياه العربية وثقافته العربية ولا يعرف هموم أمّته العربية فكيف سيقنع المجتمع الأميركي بما لا يعرفه؟! من المهم أن تكون الأولوية والمسار الموازي لمسار مشاركة المهاجرين العرب بالحياة السياسية الأميركية، تصحيح وتحسين واقع وفكر وأسلوب الجالتين العربية والإسلامية، وبهذا يمكن لهذا الدور أن يكون فاعلاً أكثر في المجتمع الأميركي عموماً.
ليس هناك من جالية عربية واحدة في أميركا. الجالية العربية في أميركا هي انعكاس تماماً لحالة المنطقة العربية، إذ ليس ما يغيّر من واقع حال إنسان عربي في الخارج فعل مغادرة الوطن فقط، وأنّه بالتالي سيصبح فوراً إنساناً مختلفاً كلياً عمّا كان عليه بموطنه العربي، كأن ينظر لنفسه من خلال هوية عربية واحدة فلا يتصرّف إلا على أساس الانتماء العربي المشترك مع مهاجرين عرب آخرين.
الإنسان العربي المهاجر من المنطقة العربية هو عملياً بحالة المهجّر لأسباب مختلفة اقتصادية أو سياسية أو أمنية، أو للبحث ربّما عن وضع وفرص أفضل للعيش أو الإبداع. هذه الأسباب لا تجعله، وهو المهاجر حديثاً، يعطي بالضرورة أولوية لما يسمّى بالعمل السياسي، فالمهاجر العربي يحتاج لفترة طويلة من التفاعل مع المجتمع الأميركي قبل أن ينغمس في الحياة السياسية الأميركية.
أيضاً، فإن معظم المهاجرين العرب لم يعيشوا التجربة الديمقراطية فعلاً في أوطانهم الأصلية، وهم إنْ عاشوها فبشكل مشوّه أحياناً مما يُضعف حماس هذا البعض لممارسة العمل السياسي بشكل عام. بعض العرب يخافون حتى من العمل السياسي بشكل عام، وحينما يذهبون إلى الخارج، يخافون الانخراط في العمل السياسي داخل أميركا. بعضهم بلا خبرة، والبعض الآخر بخبرة مشوّهة ويخاف ممّا مرّ به من تجارب سياسية في بلده.
المهاجر العربي الحديث إلى أميركا يجد نفسه منتمياً إلى "هويات" متصارعة أحياناً، قد تكون بين "أوطان" عربية، أو اتجاهات سياسية أو حتى دينية وطائفية، وذلك هو انعكاس لما هي عليه المنطقة العربية منذ حوالي ثلاثين سنة بعدما كانت الهوية العربية في السابق هي الأساس وراء تأسيس جمعيات ومراكز عربية تشجّع على الهوية الثقافية المشتركة بين العرب المهاجرين.
هنا أهمّية ما يقوم به الآن "مركز الحوار العربي" في واشنطن من حيث التركيز على الهوية العربية المشتركة ودعوة العرب في أميركا وفي كل مكان إلى التفاعل على أساس هذه الهوية ليكوّنوا فعلاً نواة لجالية عربية واحدة بالفعل، وليس بالتسمية فقط، كما يكونون أيضاً خميرة لمستقبل عربي أفضل منشود في المنطقة العربية.
عدد العرب في أميركا لا تتجاوز نسبته إلى عدد السكان الأميركيين واحد في المائة، هناك 300 مليون أميركي وهناك حوالي 3 ملايين عربي، فنسبة واحد بالمائة من السكان لا تغيّر كثيراً من واقع الحال الأميركي، وإن كان معظم المهاجرين العرب هم من أصحاب الكفاءات، لكنهم في غالبيتهم بحال "العمل الفردي" أكثر ممّا هو "عمل جماعي منظم".
هناك عدد من المرشحين العرب في الانتخابات الأميركية، لكن ترشيحهم لا يعني بالضرورة أنّهم من مؤيدي القضايا العربية. هناك مرشحون عرب بالأسماء، هناك جالية عربية بالمعنى الاسمي، لكنها موجودة في تصنيفات مختلفة وأحياناً متصارعة مع بعضها في أكثر من مكان. هناك تأثير عربي فاعل في ولاية ميتشغن التي تعيش فيها كثافة من العرب المهاجرين أدخلت عضواً في مجلس الشيوخ. هناك بعض المرشحين العرب على مستويات محلية داخل بعض الولايات، قد يشكلون بداية تأثير إلا أنّه ليس من النوع الذي يُحدث تغييراً الآن في المجتمع الأميركي، ولا هو أيضاً الآن بحالة التكامل مع بعضه البعض. فالمهاجرون العرب ينتمون إلى ثقافة واحدة، لكن أيضاً إلى دول متعددة. يأتون إلى أميركا التي هي دولة واحدة لكنّها مكونة من ثقافات متعددة ومن أصول عرقية متعددة.
وهناك مقارنة خاطئة تتكرّر أحياناً في الإعلام العربي وفي الفكر السياسي العربي، وهي مقارنة حالة العرب في أميركا بحالة اليهود الأمريكيين. فالواقع أنّ "العرب الأميركيين" هم حالة جديدة في أميركا مختلفة تماماً عن الحالة اليهودية. العرب جاءوا لأمريكا كمهاجرين حديثاً من أوطان متعددة إلى وطن جديد، بينما اليهود في أمريكا هم مواطنون أمريكيون ساهموا بإقامة وطن جديد (إسرائيل) في قلب المنطقة العربية، أي عكس الحالة العربية والإسلامية الأميركية وما فيها من مشكلة ضعف الاندماج مع المجتمع الأميركي. فالعرب الأمريكيون ينطلقون من واقع عربي مجزأ بينما يدافع اللوبي اليهودي عن كيان واحد هو إسرائيل.
إن نجاح "اللوبي اليهودي" لا يعود سببه فقط إلى أسبقية عمله السياسي في أمريكا أو إلى أنّ "الجالية اليهودية" هي أكثر عطاءً بالتطوع والمال. فالعنصر المرجح لكفّة "اللوبي اليهودي" إنّما سببه الأساس أنّ أمريكا نفسها ليست طرفاً محايداً يتنافس عليه العرب والمسلمون من جهة، واليهود من جهة أخرى. فأمريكا أسهمت منذ البداية في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وزوّدته وما تزال بكل إمكانات التفوّق النوعي على الدول العربية.
كذلك ليس هناك حالة تنافس موضوعي في داخل المجتمع الأمريكي. فليس هناك مؤسسات رسمية أو إعلامية أميركية محايدة تتنافس عليها الجالية العربية مع الجالية اليهودية. وهذا بذاته يجعل المقارنة غير عادلة.
إنّ "اللوبي اليهودي" في أميركا يتعامل مع علاقة واحدة خاصة هي علاقة إسرائيل بأمريكا بينما تتعامل المؤسسات العربية الأمريكية مع علاقات عربية متشعبة ومختلفة بين أكثر من عشرين دولة عربية وبين الولايات المتحدة.
العلاقة بين "العربي" في أمريكا وبين دول المنطقة العربية هي حالة مختلفة عن العلاقة بين اليهود الأميركيين وبين إسرائيل، فهي حالة من بنى هذه الدولة وليس الهارب أو المهاجر منها كما هي طبيعة هجرة العرب لأميركا.
من ناحية أخرى، فإنّ ما يعانيه العرب الأمريكيون من مشكلة تحديد الهوية وضعف التجربة السياسية، هي ليست بمشكلة لدى اليهود الأميركيين.
إضافة لذلك، علينا أن نلتفت إلى مميزات مختلفة: فهناك "أمريكيون عرب"، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول ومن هم الآن من مواليد أمريكا. وهناك "عرب أمريكيون"، وهم المهاجرون الذين ولدوا في أوطان عربية وحصلوا على الجنسية الأميركية لكن اندماجهم في المجتمع الأميركي ما زال محدوداً. وهناك "عرب" في الولايات المتحدة وهؤلاء لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد ولا قدرة لهم على التأثير الفعال بالحياة السياسية. وبينما نجد أغلب "الأمريكيين العرب" غير متواصلين مع البلاد العربية الأم ولا مع ثقافتها، نرى أن الفئة الأخيرة غير متواصلة تماماً مع المجتمع الأمريكي، ولكلٍّ من هذه الفئات حياة مختلفة داخل المجتمع الأمريكي.
ويُضاف إلى ذلك أيضاً، تعدّد الانتماءات الدينية والطائفية في الجالية العربية. البعض مثلا يندفعون نحو منظمات دينية وهو ما يستبعد نصف الجالية العربية. وبعض هؤلاء يتقوقعون سواء بسبب منطلقات خاصة بهم أو كردّ فعل على ما يحدث في الجانب الآخر.
وأشير هنا إلى أن أكثر من نصف الجالية العربية في أميركا هم من المسيحيين العرب، وهذه الجالية هاجر معظمها كما نعرف منذ مطلع القرن العشرين من لبنان وسوريا وفلسطين، ثم حصلت هجرات لاحقة من مصر والعراق، لكن يرافق وجود الجالية العربية في أميركا أيضاً ما يسمى بالجالية الإسلامية في أميركا. فالجالية الإسلامية في أميركا تضم عرباً وغير عرب من دول آسيا غير العربية ومن الأميركيين ذوي البشرة السوداء المعروفين باسم "الأميركيين الأفارقة". الشيء الذي يلاحظ هنا أن أكثر من نصف الجالية العربية هم من المسيحيين العرب، وأكثر من نصف الجالية الاسلامية هم من غير العرب. إذن، نتحدث عن دائرتين للتحرّك وليس عن دائرة واحدة في أميركا. الجالية الإسلامية في أميركا عددها حوالي 6 ملايين أي ما يوازي تقريباً عدد اليهود في أميركا، يعني 2 بالمائة من عدد السكان الأميركيين، ولا شك أنه إذا حصل- وهناك الآن بوادر مشجعة- نوع من التنسيق والتفاعل بين ما يسمّى بالمؤسسات والمراكز العربية وما بين ما يسمّى بالمؤسسات والمراكز الإسلامية في أميركا، وبأن يكون عمل هذه المؤسسات فيه نوع من التكامل بين الدائرتين، فسيكون هذا التكامل لمصلحة أبناء كل جالية من الجاليتين وأيضاً لدورهما المشترك في المجتمع الأميركي. هناك الآن مؤسسات في أميركا تعمل بطابع عربي أو إسلامي لما نسمّيه ب" تصحيح الصورة" أو تحسين الصورة العربية والاسلامية في أميركا، وهذا الموضوع مهم بغض النظر عن القضايا السياسية، وتدخل في نطاقه العلاقة مع الرأي العام الأميركي، مع الإعلام الأميركي، مع عدة مؤسسات تربوية وأكاديمية. أيضاً هناك مؤسسات كما هو حال "مركز الحوار العربي" في أميركا تعمل لتحسين "الأصل"، أي تحسين "الصورة "وتحسين "الأصل" معاً. فكما هو مهم تحسين الصورة عن العرب والمسلمين في أميركا، من المهم أيضاً تحسين"الأصل" الذي يظهر في هذه الصورة، فهذا الانسان العربي أو المسلم في أميركا يجب أن يكون إنساناً صالحاً بالمعنى الفكري والمعرفي والسلوكي، وأيضاً بأسلوبه في الحوار بالمجتمع الأميركي. وكل هذه الأمور لا يمكن أن تحدث من فراغ، ففاقد الشيء لا يعطيه. فإذا كان الانسان العربي لا يعرف قضاياه العربية وثقافته العربية ولا يعرف هموم أمّته العربية فكيف سيقنع المجتمع الأميركي بما لا يعرفه؟! من المهم أن تكون الأولوية والمسار الموازي لمسار مشاركة المهاجرين العرب بالحياة السياسية الأميركية، تصحيح وتحسين واقع وفكر وأسلوب الجالتين العربية والإسلامية، وبهذا يمكن لهذا الدور أن يكون فاعلاً أكثر في المجتمع الأميركي عموماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق