د. صلاح عودة الله
تمر علينا الذكرى السادسة والخمسون لذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة "ثورة الضباط الأحرار" وامتنا العربية من المحيط الى الخليج تعيش حالة من التشرذم لم يسبق لها مثيلا.. حالة من التمزق وانحسار الحس الوطني.. حالة انقسامات عربية-عربية وكذلك داخلية، وخير دليل على ذلك ما حدث في وطننا الغالي"فلسطين"..فلسطين التي احبها ودافع عنها القائد العملاق عبد الناصربالجسد والروح ورحل وهو يدافع عنها. في ذكرى ثورة 23 يوليو تحية لقائدها لزعيم الامة ، لباني نهضة مصر الحديثة، لنصير الامة من المحيط الى الخليج..ولا شك ان عبد الناصر الذي كان اول زعيم مصري يحكم مصر على مر عصور التاريخ منذ العهد الاول للفراعنة، خلق من المقومات ما سيمكن مصر من ولادة الف ناصر. لكن تبعاً لخلاصات التجربة الناصرية فإن الطريق إلى التكامل العربي أو الاتحاد بين البلدان العربية لا يتحقّق من خلال الفرض أو القوّة بل (كما قال ناصر) "إنّ اشتراط الدعوة السلمية واشتراط الإجماع الشعبي ليس مجرّد تمسّك بأسلوبٍ مثالي في العمل الوطني، وإنّما هو فوق ذلك، ومعه، ضرورة لازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية للشعوب العربية.
كذلك، وضع جمال عبد الناصر منهاجاً واضحاً على صعيد مواجهة التحدّي الصهيوني، خاصّةً بعد حرب عام 1967، يقوم على بناء جبهةٍ داخليةٍ متينة لا تستنزفها صراعات طائفية أو عرقية ولا تلهيها معارك فئوية ثانوية، ويقوم أيضاً على وقف الصراعات العربية/العربية، وبناء تضامنٍ عربي فعّال يضع الخطوط الحمراء لمنع انزلاق أيّ طرفٍ عربي في تسويةٍ ناقصة ومنفردة، كما يؤمّن هذا التضامن العربي الدعم السياسي والمالي والعسكري اللازم في معارك المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي.
هذه الخلاصات الفكرية والسياسية هي ما تحتاجه الأمّة العربية في مواجهة تحدياتها الراهنة، ومن أجل مستقبل أفضل لأوطانها وشعوبها. وهي أفكار وسياسات سارت عليها تجربة "ثورة يوليو" ونجحت في تأصيلها، لكن المسيرة توقفت، وانحرفت أحياناً، بعدما غاب قائدها.
"لا يمكن أن نقبل السلام بمعنى الاستسلام. نحن نسعى للسلام من أجل السلام ونحن لا نريد الحرب لمجرد الحرب ولكن السلام له طريق واحد هو طريق انتصار المبادئ مهما تنوعت الوسائل ومهما زادت الأعباء والتضحيات نحن نريد السلام والسلام بعيد ونحن لا نريد الحرب و لكن الحرب من حولنا وسوف نخوض المخاطر مهما تنوعت دفاعاً عن الحق و العدل"..."جمال عبد الناصر". في هذه الذكرى سأتطرق الى موقف عبد الناصر من القضية الفلسطينية: لقد زاد من حدة التناقص بين الأمة العربية والاستعمار ظهور الحركة التقدمية العربية الأمر الذي دفع الاستعمار إلى مغامرات عنيفة ومخيفة عبرت عن نفسها عام1967 والتي عرفت بحرب الأيام الستة والتي هي مقدمة لحرب ما تنته بعد.
ومن هذا يتضح لنا كيف أن عبد الناصر أدرك طبيعة الصراع العربي- الصهيوني وهي أن هذا الصراع صراع مصيري وقومي وحضاري ومن هذه القناعة تعامل عبد الناصر من هذا الصراع وتفاعل مع أحداثه.
بعد عام 1948 حاول الاستعمار أن يستغل المأساة التي حلت بالأمة العربية في حرب فلسطين ليبث في قلوب العرب روح الضعف والهزيمة ولكن القومية العربية النابضة في قلب كل عربي كانت لهم بالمرصاد. وان كان الأعداء قد انتصروا في حرب 1948 على شعب فلسطين فان القومية العربية أيضاً انتصرت لأن كل عربي أخذ يشعر في قرارة نفسه أنه لا بد من أن يتحد مع أخيه العربي حتى يحافظ على أمته من الزوال والتفتت والضياع. كانت مأساة فلسطين نصراً للعرب لأنها أشعلن نار القومية العربية في الصدور.
كان جمال عبد الناصر يرى أن الاستعمار قد أقان في قلب الوطن العربي للقضاء على القومية العربي ولضرب هذه الأمة ومنعها من بناء نفسها اجتماعيا واقتصاديا ودبلوماسيا. ولكن هل نجحوا؟ إن إصرار شعبنا على إزالة الاحتلال من جزء من الوطن العربي وهو فلسطين هو تعميم على تصفية جيب من أخطر جيوب العدوان الانتقادي ضد نضال الشعوب.
كان جمال عبد الناصر يرى أن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي تتمثل في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ثم في استعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وفي تجميد الخطر الإسرائيلي في حدود قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 باعتبار أن مواجهة الوجود الإسرائيلي هي عملية الأجل الطويل.
وكان بعد نكسة حزيران خرج الشعب الفلسطيني ليأخذ بنفسه زمام المبادرة ويدافع عن قضيته بنفسه. وانطلق حركة المقاومة الفلسطينية واستطاعت بنضالها أن تحول الشعب الفلسطيني من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين واستطاع العمل الفلسطيني أن يفرض نفسه على العالم.
كان لعبد الناصر دوره في دعم المقاومة الفلسطينية فهو يقول: "لا يستطيع أحد أن ينكر دور جماهير الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويضيف ليس هناك معيار أو في أدق من الموقف الذي يتخذه أي فرد أو أي جماعة أو حكومة من قضية المقاومة الفلسطينية وأنباء الشعب الفلسطيني. ونرى الآن محاولات العدو وعدوانه للوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة الشركاء في الواقع الواحد والمصير الواحد، ونرى ضرورة هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات الموقف أعمق وأشمل مما نتصور، ولهم القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها".
إن واجب الأمانة يتطلب منا أن نحدد موقفنا على النحو التالي: ولقد كان ذلك موقفنا دائماً إن المقاومة الفلسطينية تعتبر من أهم الظواهر الصحية في نضالنا العربي، وهي التجسيد العملي للتحول الكبير الذي طرأ على الشعب الفلسطيني تحت ضغوط القهر وحوله من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين". كان جمال عبد الناصر يرى أن ليس أمامنا جميعاً بديل عن القتال من أجل الحق الذي نطلبه والسلام الذي نسعى إليه. كان دائماً يفرق بين القتال وبيت الاقتتال فيقول: "الاقتتال رصاص طائش يعرض الأخ لسلاح أخيه والقتال شرف.. الاقتتال جريمة...! تختلف وتتباين وجهات النظر حول جمال عبد الناصر، وأفكاره وسلوكه، وتأثيره على التاريخ العربي المعاصر، إذ يعتقد العديد أن العرب بحاجة الآن لقائد مثل جمال عبد الناصر لقربه من تطلعات الجماهير وآمالها في قراراته، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الأولى في العالم العربي، وهي القضية الفلسطينية. بينما يعتقد آخرون أن من أسباب التخلف والفشل العربي الفكر الناصري والقومي، وأن آثار أفكار جمال عبد الناصر لا تزال موجودة لليوم، وتؤثر بشكل سلبي، ويستند المناهضون لجمال عبد الناصر لأسباب هزيمة 1967، ولسياسة جمال عبد الناصر بالتعامل مع الأحزاب والجماعات الإسلامية في مصر أثناء حكمه، وسياسة التأميم للممتلكات التي تبناها.
مما لا شك فيه أن جمال عبد الناصر كان وسيبقى شخصية محورية في التاريخ العربي المعاصر، ودوره في صنع تاريخ المنطقة وأجزاء أخرى من العالم خلال سنوات حكمه، والأثر والأفكار التي تركها، لا يمكن نكرانها. ولكن القدر لم يمهل الرئيس جمال عبد الناصر ليشهد تحرير الأرض ففي 28 ايلول عام 1970 رحل جمال عبد الناصر عن اثنين وخمسين عاماً. رحل وهو يحاول إيقاف نزيف الدم بين الأشقاء في الأردن، وكانت هذه آخر إنجازات الزعيم جمال عبد الناصر على الصعيد العربي.
وفي هذا الصدد خصص نزار قباني احد مقاطع قصيدته في رثاء عبد الناصر لمحاولة تعقيل الحدث الصدمي. وهذا التعقيل يتم عادة باسترجاع الملابسات والظروف التي تسببت بالصدمة في محاولة للإقتناع بأنها كانت النتيجة الطبيعية لهذه الملابسات والظروف. وهذا التعقيل يهدف في الغالب لمواجهة الميل إلى عدم تصديق الحدث. ومن هذا المقطع: رميناك في نار عمان... حتى احترقت/ أريناك غدر العروبة حتى كفرت..! رحل عبد الناصرتاركاً خلفه قضايا وصراعات وإنجازات لم تحسم بعد. وفي جنازته سار عدة ملايين من أبناء الشعب المصري والعربي وقد أذهلت الجنازة الأعداء والأصدقاء على حد سواء. خرج الشعب المصري بالملايين لينعى نفسه قبل نعي عبد الناصر فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر بكل ما له وما عليه حلماً لم يكتمل ومشروعاً قومياً عظيماً لم يكتمل أيضاً. كانت جنازته تعبيراً جياشاً عن حجم الكارثة التي ستحدث في الأيام المقبلة.
بكى الشعب المصري جمال عبد الناصر بمرارة وبكاه العرب والعالم المتحضر أجمع. بكاه العالم وسنظل نبكيه كلما عظمت الخطوب واشتدت المحن وبلغت القلوب الحناجر.لم تفقد مصر وحدها بل فقدت الامه العربيه بأكملها زعيما من الصعب بل من المستحيل ان يأتي مثله.
معارك قاصمة خاضها هذا العملاق الأسمر المنحوت من طمي النيل حتي وجد نفسه حزينا.. فمات بالسكتة السياسية قبل أن يموت بالسكتة القلبية.. ولم يهدأ الأعداء بموته.. فقد راحوا يمثلون بسمعته.. وبدأت عملية الاغتيال الثاني له.. الاغتيال المعنوي لإزالة كل ما آمن به.. وما سعي جاهدا لتحقيقه.. ومنذ أن توفي وحتي الآن ومحاولات تحطيم شخصته مستمرة.. فالزهور التي تنبت في الصخور يجب أن تسحق كاملة.
كم نحن بحاجة اليك يا ابا خالد، لقد كنت خالدا في حياتك، وستبقى خالدا في قلب كل عربي حر وشريف الى يوم يبعثون..في ذكرى ثورة الضباط الأحرار..ثورة عبد الناصر, لن ننثني يا سنوات الجمر, وانا حتما لمنتصرون..!
القدس المحتلة
السبت، أغسطس 02، 2008
عبد الناصر..وفلسطين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق