الكولونيل شربل بركات
أتحفتنا السيدة مي الشدياق أمس بجرأتها لتناول موضوع نعتبره من المقدسات بينما يخافه أكثرية الإعلاميين ألا وهو "الجنوب المعذب بكل أهله الحاضرين كما الغائبين".
لقد رأينا أمس وبعد غياب طويل عن الساحة الإعلامية أن بذرة العنفوان لا تموت مهما تعرضت للظلم والاضطهاد.
ذكرتنا مي "بغربة بنت مدلج" و"بجبال الصوان" وهي تعمدت الوقوف في ساحة كنيسة تلك القلعة الصغيرة الصامدة بالرغم من كل شيء فرأينا معها عمق الإيمان بالله والوطن.
لقد رأينا العيون الدامعة، نعم، ولكننا لمسنا أيضا أن القهر وتعمّد الإذلال لن يجديهم نفعا وأولى بهم أن يسارعوا إلى لملمة ملفاتهم وضبضبة شعاراتهم وتهمهم الفارغة لأبناء الأرض المنزرعين فيها بالرغم من الحقد الذي يحاصرهم وبالرغم من القلة التي يريدونها أن تنسيهم العز والافتخار.
نحن نعرف بأن أبناءنا هم سياج لبنان الحقيقي ونعلم أن الأعداء كلهم يخافون هذا السياج وهم يريدون هدمه، وأن الذين كانوا يخططون لتهجير الجنوب هالهم صمودهم وقدرتهم على الاستمرار فأرادوا إذلالهم، ولكننا بإيماننا العميق بحقنا في الحياة، وبتعلق أهلنا بتراب هذا البلد، واثقون بأننا باقون حتما وأن المستقون بكل غريب، المتاجرون بكل شعار، الحاقدون على كل الناس، والذين لا حلم لهم بالمشاركة في بناء هذا الكون، هم العابرون وهم الخاسرون مهما طال الزمن.
ليس المهم ما قيل فالقصة تحكيها القلوب وترويها العيون وتشعر بها كل الجباه المرفوعة، وهي ليست بحاجة لتفسير ولا لحجج أو تبرير.
مصطلحات اللغة التي تستعملون لا تعبر عن واقعنا ولا نريدها أن تفعل، ونحن يوم وقفنا ندافع عن الأرض لم نطلب الأذن من أحد، ولكننا لم نعتدِ على أحد ولم نسمح لأحد أن يعتدي علينا. ويوم خلنا أن الجار قد يكون أرحم من الساكنين بيننا لم نخف من يده الممدودة ولا نحن قابلناها بالجحود، ولكننا حافظنا على الوطن أرضا وأهلا ومؤسسات وبقي هو "جرحنا وشفانا" ولم نتقاسمه مع الغير ولا قبلنا بأن يستبدل علمه أو يدنس ترابه.
في حلقة الأمس الجريئة رحل بنا الحنين إلى تلك النواحي، وعاد الشوق إلى رفاق ما بخلوا يوما بالدم ليصونوا تراب لبنان، ولا باعوه بالفضة كغيرهم، ولا هم تخلوا عن الأهل. هم حضنوا الكل يوم تخاصم الآخرون، وتعاونوا معا يوم بدأ القتل على الهوية، فحافظوا على الود وعلى الكرامة وعلى مثال مصغر للبنان الذي عرفوه وتظللوا أرزه.
اليوم يعاتبهم الوطن الذي لا يزال مجروحا بكرامته، وبسيادته، وحزينا لأنه لا يقدر أن يتعافى ولا يجرؤ بعد أن يستقبل الأبطال ويهلل للصامدين.
الوطن المعذب الممزق؛ بين فارس من جهة والعرب من جهة أخرى، بين أحلام الخلافة وديمقراطية التغيير، بين قبضة التوتاليتارية الحديدية وتزمت الأصوليين والتكفيريين الانتحاري، بين عصرنة تريده أن يسابق الأمم تقدما وعمرانا ورجعية تريده أن يعادي الكل فينغلق حتى ضمن نفس المذهب. فأين يجد الجنوبي الأصيل نفسه في تلك المعمعة وهل يندم على خروجه من هذا الخضم؟
"من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" ومن منكم لم يتعاون مع الغير ضد أبناء أمته وأحيانا قريته؟ من منكم لم يعتدي على الدولة وعلى سيادتها وعلى موظفيها وعلى القانون الذي يفترض فيه حماية الجميع؟ أين ذهبت أموال ليبيا ومتطوعوها أو السودان والصومال؟ وماذا نسمي الذين تعاونوا مع أبو عمار ودولته وقبضوا الأموال وأهدروا دماء السيد الصدر ورفاقه؟ أين هو الاتحاد السوفياتي وثورته العالمية؟ أين هي منظمة العمل الشيوعي ولمن تتبع؟ للصين أم لكوبا؟ أين هي منظمات العراق ونظام صدام؟ ومتى خرجت سوريا وماذا عن أتباعها؟ من يقرر بأن السلفيين اليوم الذين قد تديرهم أجهزة وتدفع لهم دول هم أحق أو أسوأ من أتباع الحرس الثوري الإيراني الذين منهم أعضاء في مجلس النواب والحكومة؟ وما هي حاجة لبنان لكل هؤلاء؟ ومن منهم أحق من أبناء المنطقة الحدودية باتخاذ القرار للتعاون مع أية جهة من أجل الصمود في أرضه والدفاع عن وطنه ومنع تفريغه واحتلاله من أية جهة كانت؟
لا نريد فتح الجراح أو نشر الغسيل ولكننا نهيب بالأهل أن يحافظوا على كرامتهم وأن يصلحوا الغلط الذي صدر بأمر من المحتل فينهوا موضوع الجنوبيين وغيرهم من الملاحقين لأسباب سياسية بشكل لائق حضاري ومقبول، ويبدأوا بالنظر إلى الأمور بجدية وتعقل، وليفهم المغرورون بأن الويلات التي يجرّونها على البلد لن تغفر لهم إذا ما استمر الغي والتجبّر، وليأخذوا بالحسبان أن الأيام تدور والتاريخ سيحاكم وأن الظلم لا بد أن ينقلب على الظالم.
إن لبنان الذي استمر لستة آلاف سنة لن ترهبه فترة من التزلّم والتسرّع ولن تكون أبدا عنوانا له لأن لشعبه ذاكرة عميقة وتجارب في معاني التحرر والتنوع والانفتاح.
فيا أهلنا أينما كنتم لقد أظهرتم بالأمس عن رقي وحضارة وحافظتم على الكرامة التي يحاول أعداء الوطن تجريدكم منها. ابقوا على إيمانكم بلبنان وانغرسوا في تراب قراكم وإذا كان هناك من قادة يستحقون التقدير ويعرفون اتخاذ القرارات فلا بد لهم أن ينصفوكم وإلا فلستم الخاسرون لأن لبنان يكبر بأمثالكم والعالم يعرف مقدار تضحياتكم.
تورونتو – كندا
أتحفتنا السيدة مي الشدياق أمس بجرأتها لتناول موضوع نعتبره من المقدسات بينما يخافه أكثرية الإعلاميين ألا وهو "الجنوب المعذب بكل أهله الحاضرين كما الغائبين".
لقد رأينا أمس وبعد غياب طويل عن الساحة الإعلامية أن بذرة العنفوان لا تموت مهما تعرضت للظلم والاضطهاد.
ذكرتنا مي "بغربة بنت مدلج" و"بجبال الصوان" وهي تعمدت الوقوف في ساحة كنيسة تلك القلعة الصغيرة الصامدة بالرغم من كل شيء فرأينا معها عمق الإيمان بالله والوطن.
لقد رأينا العيون الدامعة، نعم، ولكننا لمسنا أيضا أن القهر وتعمّد الإذلال لن يجديهم نفعا وأولى بهم أن يسارعوا إلى لملمة ملفاتهم وضبضبة شعاراتهم وتهمهم الفارغة لأبناء الأرض المنزرعين فيها بالرغم من الحقد الذي يحاصرهم وبالرغم من القلة التي يريدونها أن تنسيهم العز والافتخار.
نحن نعرف بأن أبناءنا هم سياج لبنان الحقيقي ونعلم أن الأعداء كلهم يخافون هذا السياج وهم يريدون هدمه، وأن الذين كانوا يخططون لتهجير الجنوب هالهم صمودهم وقدرتهم على الاستمرار فأرادوا إذلالهم، ولكننا بإيماننا العميق بحقنا في الحياة، وبتعلق أهلنا بتراب هذا البلد، واثقون بأننا باقون حتما وأن المستقون بكل غريب، المتاجرون بكل شعار، الحاقدون على كل الناس، والذين لا حلم لهم بالمشاركة في بناء هذا الكون، هم العابرون وهم الخاسرون مهما طال الزمن.
ليس المهم ما قيل فالقصة تحكيها القلوب وترويها العيون وتشعر بها كل الجباه المرفوعة، وهي ليست بحاجة لتفسير ولا لحجج أو تبرير.
مصطلحات اللغة التي تستعملون لا تعبر عن واقعنا ولا نريدها أن تفعل، ونحن يوم وقفنا ندافع عن الأرض لم نطلب الأذن من أحد، ولكننا لم نعتدِ على أحد ولم نسمح لأحد أن يعتدي علينا. ويوم خلنا أن الجار قد يكون أرحم من الساكنين بيننا لم نخف من يده الممدودة ولا نحن قابلناها بالجحود، ولكننا حافظنا على الوطن أرضا وأهلا ومؤسسات وبقي هو "جرحنا وشفانا" ولم نتقاسمه مع الغير ولا قبلنا بأن يستبدل علمه أو يدنس ترابه.
في حلقة الأمس الجريئة رحل بنا الحنين إلى تلك النواحي، وعاد الشوق إلى رفاق ما بخلوا يوما بالدم ليصونوا تراب لبنان، ولا باعوه بالفضة كغيرهم، ولا هم تخلوا عن الأهل. هم حضنوا الكل يوم تخاصم الآخرون، وتعاونوا معا يوم بدأ القتل على الهوية، فحافظوا على الود وعلى الكرامة وعلى مثال مصغر للبنان الذي عرفوه وتظللوا أرزه.
اليوم يعاتبهم الوطن الذي لا يزال مجروحا بكرامته، وبسيادته، وحزينا لأنه لا يقدر أن يتعافى ولا يجرؤ بعد أن يستقبل الأبطال ويهلل للصامدين.
الوطن المعذب الممزق؛ بين فارس من جهة والعرب من جهة أخرى، بين أحلام الخلافة وديمقراطية التغيير، بين قبضة التوتاليتارية الحديدية وتزمت الأصوليين والتكفيريين الانتحاري، بين عصرنة تريده أن يسابق الأمم تقدما وعمرانا ورجعية تريده أن يعادي الكل فينغلق حتى ضمن نفس المذهب. فأين يجد الجنوبي الأصيل نفسه في تلك المعمعة وهل يندم على خروجه من هذا الخضم؟
"من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" ومن منكم لم يتعاون مع الغير ضد أبناء أمته وأحيانا قريته؟ من منكم لم يعتدي على الدولة وعلى سيادتها وعلى موظفيها وعلى القانون الذي يفترض فيه حماية الجميع؟ أين ذهبت أموال ليبيا ومتطوعوها أو السودان والصومال؟ وماذا نسمي الذين تعاونوا مع أبو عمار ودولته وقبضوا الأموال وأهدروا دماء السيد الصدر ورفاقه؟ أين هو الاتحاد السوفياتي وثورته العالمية؟ أين هي منظمة العمل الشيوعي ولمن تتبع؟ للصين أم لكوبا؟ أين هي منظمات العراق ونظام صدام؟ ومتى خرجت سوريا وماذا عن أتباعها؟ من يقرر بأن السلفيين اليوم الذين قد تديرهم أجهزة وتدفع لهم دول هم أحق أو أسوأ من أتباع الحرس الثوري الإيراني الذين منهم أعضاء في مجلس النواب والحكومة؟ وما هي حاجة لبنان لكل هؤلاء؟ ومن منهم أحق من أبناء المنطقة الحدودية باتخاذ القرار للتعاون مع أية جهة من أجل الصمود في أرضه والدفاع عن وطنه ومنع تفريغه واحتلاله من أية جهة كانت؟
لا نريد فتح الجراح أو نشر الغسيل ولكننا نهيب بالأهل أن يحافظوا على كرامتهم وأن يصلحوا الغلط الذي صدر بأمر من المحتل فينهوا موضوع الجنوبيين وغيرهم من الملاحقين لأسباب سياسية بشكل لائق حضاري ومقبول، ويبدأوا بالنظر إلى الأمور بجدية وتعقل، وليفهم المغرورون بأن الويلات التي يجرّونها على البلد لن تغفر لهم إذا ما استمر الغي والتجبّر، وليأخذوا بالحسبان أن الأيام تدور والتاريخ سيحاكم وأن الظلم لا بد أن ينقلب على الظالم.
إن لبنان الذي استمر لستة آلاف سنة لن ترهبه فترة من التزلّم والتسرّع ولن تكون أبدا عنوانا له لأن لشعبه ذاكرة عميقة وتجارب في معاني التحرر والتنوع والانفتاح.
فيا أهلنا أينما كنتم لقد أظهرتم بالأمس عن رقي وحضارة وحافظتم على الكرامة التي يحاول أعداء الوطن تجريدكم منها. ابقوا على إيمانكم بلبنان وانغرسوا في تراب قراكم وإذا كان هناك من قادة يستحقون التقدير ويعرفون اتخاذ القرارات فلا بد لهم أن ينصفوكم وإلا فلستم الخاسرون لأن لبنان يكبر بأمثالكم والعالم يعرف مقدار تضحياتكم.
تورونتو – كندا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق