السبت، أغسطس 23، 2008

في الوطن. على أعتاب الشهر الفضيل: بضائع فاسده ....تجار جشعون ....جياع وفقراء.. وغياب أحبة..

راسم عبيدات

.....في ظل حالة الانفلات بأشكالها وتعبيراتها المختلفة،وعلى كل الصعد وفي مختلف الميادين وفي ظل غياب المحاسبة والمساءلة وفرض السيادة والقانون،وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني،بسبب الحصار الظالم وسياسة القمع الاسرائيلية، وفي حالة انتفاء واختفاء وغياب الضمير والوازع الاخلاقي والديني والوطني عند فئة من التجار ممن تركوا العنان لجشعهم وطمعهم والبحث عن طرق الاثراء غير المشروع،حتى لو كان ثمنه قتل الاخرين،او اصابتهم بأمراض خطيرة ومزمنة،نرى ان هذه الفئة من التجار،تستغل تلك الظروف الصعبة والقاسية وحاجة الناس وجوعهم وفقرهم، لكي تعمل على تسويق الكثير من البضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية،والتي أغلبها يكون قادم من المستوطنات والمناطق الاسرائيلية،وتعمل على طرحها في الأسواق مع بداية الشهر الفضيل باسعار منخفضة ،تغري الفقراء والمحتاجين بشرائها وسد رمق جوع أطفالهم وعائلاتهم ،وخاصة بعد يوم طويل من الصيام،حيث أن ظروفهم الاقتصادية الصعبة،وعدم توفر الأموال الكافية لا تمكنهم من شراء سلع وبضائع بأسعار مرتفعة ،ونحن نسمع ونقرأ يومياً عن الكثير من السلع الفاسدة المضبوطة ،والتي يحاول هؤلاء العابثين بأمن وصحة المواطن من تجار الموت وممن لهم الكثير من الارتباطات المشبوهة مع الاحتلال،طرحها وترويجها في الأسواق،ونحن نعتبر هذه الحرب على صحة المواطن لا تقل خطورة عن الحرب الشاملة،التي يشنها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني في المجالات الأخرى، ومن هنا يجب التعامل مع هذه المسائل،والتي ترتقي الى حد الخيانة والجرائم الكبرى،بالكثير من التشدد والاجراءات العقابية الرادعة،لكي تمنع وتحد من النشاط والمخاطر الاجرامية واللا أخلاقية لمثل هذه الفئات الجشعة والنهمة والفاقدة لانتمائها الوطني والمتجردة من أخلاقها وقيمها الانسانية.

والشهر الفضيل يجب أن تكون قيم التعاضد والتكافل والتضامن حاضرة فيه بقوة، وبالتالي الكثير من العائلات المستورة والفقيرة،سواءاً كانت حاجتها لظروف وأوضاع اجتماعية او بفعل سياسات الاحتلال واجراءاته،من منع للعمل أو اعتقال لرب الأسرة أو حصار واغلاق وتجويع وغير ذلك،فيجب العمل على توفير حياة كريمة لهم وتقديم العون المساعدة لهم،بعيداً عن لغة تحميل الجمائل أو أن ما يقدم لهم هو صدقة ومنّة من هذا الطرف أو ذاك أو هذه الفئة أو تلك،أو اشعارهم بعجزهم وحاجتهم،وبمعنى آخر أن لا نكون نحن والزمن والظروف عليهم،وأن لا تكون قيم التعاضد والتكافل مجرد شعارات مرفوعة أو عبارات"وكليشهات" يجري ترديدها والتغني بها في المناسبات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات..الخ،وليس لها أية ترجمات وتطبيقات عملية.

وفي هذا الشهر الفضيل الكثير من الأمهات والزوجات والأبناء والأخوة والوالدين،ينتظرون أن يعود غيابهم من السجون والمعتقلات الاسرائيلية،وهم في كل وجبة افطار تدمع عيونهم وتخفق قلوبهم،على أحبتهم في السجون،ما يعانونه ويقاسونه من ظروف صعبة،والمسألة أن الكثير من الأهالي طال انتظارهم،بحيث أن الكثيرممن تركهم أبائهم أطفال كبروا وتزوجوا وأنجبوا،وما زالوا هم في السجون،وكذلك هناك الكثير من الأباء والأمهات،من غادروا هذه الدنيا،وهم يمنون النفس أن تكتحل عيونهم برؤية أبنائهم،وآخرين ممن لم تسمح سلطات السجون الاسرائيلية وأجهزة مخابراتها بزيارة أبنائهم في السجون منذ سنوات،ما زالوا يحلمون بأن تتاح لهم فرصة رؤية أبنائهم أو احتضانهم .

هؤلاء الأهالي الذين قدموا أبنائهم زهرات شبابهم،وضحوا وناضلوا ودفعوا وما زالوا يدفعون ثمناً باهظاً على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والوطني، من أجل تحقيق حلم شعبنا في الحرية والاستقلال،هم أيضاً بحاجة للرعاية والتضامن معهم،على كل المستويات المادية والمعنوية والتواصل معهم ومشاركتهم كل مناشطاتهم وفعالياتهم المنددة والمستنكرة للممارسات الاسرائيلية وادارات سجونها بحقهم من قمع وتنكيل وعزل وغيرها.

والعائلات التي تنظر عودة غيابها من والد وزوج وأخ وابن منذ ما يزيد على عشرين عاماً،لا أبالغ ان قلت أنها هي وأبنائها،من يستحقون الأوسمة والنياشين عن جدارة واستحقاق،وليس الكثير من المنتفعين والمتسلقين والمتاجرين بدماء ونضالات شعبنا العظيم،وأنا أجزم أنه مع قدوم الشهر الفضيل تتزاحم الكثير من الذكريات في رؤوس أبناء الحركة الأسيرة،وهم يمنون النفس أن يكون هذا آخر رمضان لهم في السجون،والعديد منهم أكثر من مرة تحطمت أحلامهم وخابت آمالهم بالتحرر من الأسر،فبعد أن تركهم أوسلو رهناً وفريسة للتصنيفات والتقسيمات والاشتراطات الاسرائيلية،وبعد أن تسرب اليأس والاحباط وخيبة الأمل الى قلوبهم وصدورهم،عاودهم الأمل والانتعاش واستعادوا عافيتهم ومعنوياتهم،بعد عمليات أسر الجنود التي قام بها حزب الله في تشرين أول /2000 وتموز/2006،ولكن هذه الآمال عادت للتبدد من جديد،وهنا ليس بسبب خذلان حزب الله لهم وتخليه عنهم،ولكن كون الحنود الاسرائيليين المأسورين كانوا أمواتاً،مما أضعف وحد من قدرة الحزب على فرض شروطه،فيما يتعلق بأعداد وأسماء الأسرى في صفقات التبادل،وان كان قد سجل انتصاراً هاماً في تحرير عميد الأسرى العرب سمير القنطار من الأسر الاسرائيلي،والذي طالما رفضت اسرائيل اطلاق سراحه.

صحيح أن جذر وأساس البلاء والمصائب لنا هو الاحتلال،ولكن يجب أن لا يكون المشجب الذي نعلق عليه كل شرورنا وأخطائنا ومسلكياتنا الخاطئة،فلا يكفي على سبيل المثال لا الحصر،القول بأن التاجر الفلاني يوزع أو يبيع بضائع فاسدة،ويجد له الحماية والحضانة والرعاية من أصحاب النفوذ،بل يجب مجابهته ومحاربته بكل الطرق والوسائل،والعمل على جلبه الى المحاكم وايقاع أقصى العقويات به،وليس ايداعه سجن خمس نجوم لعدة أيام أو شهور،حيث تنشط الواسطات والرشاوي،والتي سرعان ما تخرجه ليس فقط من السجن،بل وتبرأه من التهم والجرائم التي ارتكبها،والمقصود هنا أنه يجب أن يلاحق ويحاكم ليس صغار التجا،بل الحيتان الذين يغرقون البلد والوطن بكل أنواع وأصناف الفساد والموبقات،من بضائع فاسدة ومأسسة وهيكلة الفساد والرشاوي،والمتاجرة بكل شيء بدءاً من البضائع الفاسدة ومروراً بالإنسان وانتهاءاً بالوطن.

وفي الختام نقول ونحن على أعتاب الشهر الفضيل،ان استمرار الانقسام السياسي والجغرافي،والضعف الداخلي والتناحر على وهم سلطة غير موجودة،من شأنه أن يدفع بكل هذه العصابات والمافيات،أن توسع من دورها ونشاطها المشبوه والضار،بل وأن تفرض سلطتها وسطوتها على الكثير من الناس،مستفيدة من حالة الانقسام والضعف والتفكك والتحلل والتآكل والتراجع في دور القوى والأحزاب الوطنية والاسلامية.

ليست هناك تعليقات: