الأربعاء، مايو 13، 2009

النكبة ، اللجوء ، الانقسام.. في الذكرى الحادية والستين للنكبة

عبـد الكـريم عليـــان
عضو صالون القلم الفلسطيني

لا يوجد قسوة ومعاناة أكبر من أن يقتلع الإنسان من أرضه أو بيته الذي ولد وعاش فيه.. الهجرة لن تفضي بصاحبها إلا مزيدا من الألم والمعاناة مهما كان فيها من رخاء.. كثر هم الذين يعيشون وتجنسوا في دول هي بالأصل ليست دولهم، واكتسبوا حقوقا وواجبات في تلك الدول لكنهم ما زالوا لا يستطيعون العيش فيها لعدة عوامل وأسباب ليست مجال حديثنا هنا.. النكبة الفلسطينية التي بدأت في عام 1948 وتهجر الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض المختلفة ما زالت هي جوهر الصراع الصهيوني العربي، طال الزمن أم قصر لا يمكن فرض أي حلول إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وبيوتهم التي طردوا منها بالقوة حسب قرارات الأمم المتحدة، وأي حل يمكنه أن يمرر في المرحلة الحالية إذا ما فرض على الشعب الفلسطيني لا يأخذ بالحسبان قضية اللاجئين الأساسية يعتبر مغشوشا وسوف لا يعيش طويلا..! وكلما اعتقد البعض أن عامل الوقت سوف يلغي هذا الحق كلما زادت المطالبة به، وصار واضحا للجميع أن الذين هاجروا وتجنسوا في دول عديدة هم أكثر الفلسطينيين مطالبة بهذا الحق وشيدوا المؤسسات التي ترسخ وتدعم مطالبهم..

(اللاجئ) : من لاذ بغير وطنه فرارا من اضطهاد أو حرب أو مجاعة . وجمعها (لاجئون) . (الملجأ) : المعقل والملاذ . عرف الإنسان اللجوء منذ القدم ؛ ودائما كان يلجأ إلى مكان يحميه ويجد فيه قوته كي يستمر في البقاء.. ولجأ الإنسان في بداية التاريخ إلى المغر والكهوف الطبيعية في الجبال والوديان هربا من الحيوانات المفترسة، وقسوة الطبيعة أحيانا.. إلى أن استطاع أن يستقر ويبني له بيتا من الحجر أو الخشب، وكذلك ليس منفردا بل على شكل جماعات وأسر ومن ثم قبائل ومجتمعات إلى أن أصبحت بلدانا ودولا لها حدودا تحافظ عليها وتحميها من طمع الآخرين ..!

في العصر الحديث يمتلئ العالم باللاجئين من كل الأجناس والدول سواء للبحث عن عيش كريم أو هروبا وخوفا من ظلم قد يتعرض له الإنسان في وطنه فيتركه إلى وطن آخر يجد فيه أمنه وعيشه .. أو من أجل تحقيق ذاته في رغبة داخله لا يستطيع الوصول إليها في وطنه سواء كانت هذه الرغبة علميه وأدبية أو مادية أو عاطفية.. والدول التي تستقبل هؤلاء اللاجئين كثيرة منها ما هي مؤهلة للاستقبال في حدود ما.. ومنها ما هي غير مؤهلة لذلك أو خوفا من نوعية هؤلاء اللاجئين فتغلق حدودها في وجههم . لو نظرنا إلى دول أوروبا سنجد في جميعها تقريبا لاجئينا عربا وبالملايين.. لكن لو عكسنا الصورة فهل سنجد لاجئينا من أوروبا في الدول العربية؟؟ لا نعرف دولة عربية واحدة فيها لاجئين من أوروبا أو غيرها مع أن هناك دولا عربية غنية تستطيع أن تستقبل ملايين من اللاجئين ليصبحوا مواطنين صالحين يزيدوا من تطوير هذه الدول واغتنائها أكثر من قبل..! إذن العربي يشتاق للغرب المسيحي أو العلماني من أجل الحرية وتحقيق الذات وينبهر بالنظام والتكنولوجيا المتطورة وجمال الأنثى الأبيض (المهاجرون العرب ـ غالبيتهم من الذكور)، أما الغربيون ينظرون إلى الشرق بأنه ليس ببعيد عنهم فيأتون إليه سياحا لينعمون قليلا بسحره وشمسه ولذة طعامه الطازج، ليعودوا إلى أوطانهم حيث الصناعة والإنتاج.. لديهم من المال والقانون ما يجعلهم يزورن الشرق كل سنة على الأقل..! إضافة إلى نظرتهم للشرق المتخلف والمستبد من قبل أنظمة دكتاتورية تعتبر قطع شطرنج في أيديهم لتجعلهم مستهلكين لصناعاتهم الغالية الثمن، ويباتوا مطمئنين آمنين ...

كل اللاجئون في العالم مختلفون عن اللاجئين الفلسطينيين إذ بإمكان غالبيتهم العودة إلى أوطانهم وقتما شاءوا ما عدا من له مشكلة قد تكون فردية سواء مع النظام أو مع أفراد من المجتمع.. لكن اللاجئ الفلسطيني إلى أي وطن يعود..؟ اللاجئون الفلسطينيون طردوا من وطنهم المحتل على مراحل كانت الأولى عام 1948 والثانية عام 1956 والثالثة عام 1967 ، ويبدو أن مرحلة جديدة من اللجوء بدأت منذ الانقسام بين غزة والضفة... منهم من لجأ إلى دول عربية كلبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر أو في فلسطين نفسها سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو حتى إسرائيل.. أو إلى دول أوروبا أو الأمريكيتين! كلهم لجئوا نتيجة حروب مع إسرائيل، أو طردوا بالقوة بعد الاحتلال، أو بسبب نشاطهم السياسي أو الثوري، وكذلك منهم من كان خارج فلسطين واستقر في الدولة التي كان يعيش فيها أو سافر لدولة أخرى وجد فيها لقمة عيشه.. فمثلا في ظروف غزة الحالية حيث الحصار مطبق عليها منذ ما يقارب السنتين هناك أكثر من خمسة آلاف طالب أنهوا دراستهم العلمية هذا العام، ومثلها في العام السابق في دول عربية وغيرها.. ولم يجدوا وسيلة للعودة إلى غزة لأن المعابر مغلقة فلجأ غالبيتهم إلى دول غربية مثل كندا والسويد والنرويج وأمريكا وغيرها ، حتى من كان يتعلم في دولة عربية وأنهى تعليمة فتقدم بطلب هجرة إلى دول غربية؛ لأن العرب لن يسمحوا له بالمكوث في دولهم وإن تعاطفوا معه بالإقامة مؤقتا، إذن يمكن القول أن الآلاف من الفلسطينيين يهاجروا لسبب أو لآخر ليزيد عددهم سنويا.. ولو فحصنا حياة اللاجئ الفلسطيني في الدول العربية لوجدنا أنه يعيش حياة ضنكى، ملؤها العذاب والقسوة؛ فهو ممنوع من الحركة والتنقل، وممنوع من العمل والتعليم العالي في بعض الدول، تمارس عليه الدولة التي تأويه رقابة شديدة (انظروا إلى مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان والأردن ..) مثال صارخ على قسوة العيش.. بقيت هذه المخيمات كما هي منذ عام 1948 دون عناية أو تطوير.. بحجة عدم توطين هؤلاء وضياع قضيتهم ووطنهم المسلوب..!؟

في استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا في غزة، أكد أكثر من سبعين بالمائة من الشباب استعدادهم للهجرة واللجوء خارج غزة فيما لو أتيحت لهم فرصة ذلك.! السبب في ذلك واضحا لا لبس فيه نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها شعب غزة؟ ولمن لا يعرف جغرافية غزة السياسية، فهي عبارة عن جيب صغير في أقصى ساحل فلسطين الجنوبي بعرض تسعة كيلومترات وطول خمسة وأربعين كيلومترات يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، حيث تسيطر عليه القوة الإسرائيلية ومن الشمال والشرق والجنوب جدارا قويا بنته إسرائيل قبل خروجها من غزة حيث تسيطر عليه تماما ما عدا الشريط الذي يربط غزة بمصر من الجهة الجنوبية ويبلغ هذا الشريط عشرين كيلو مترا من البحر إلى الجنوب الشرقي، حيث كان يربط غزة بمصر معبرا يدار من قبل السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل بإشراف أوروبي من خلال اتفاقية رباعية أشرفت عليها الولايات المتحدة، لكن هذا المنفذ أغلق تماما بعد انقلاب حماس وسيطرتها على غزة؛ فبقي الفلسطينيون في غزة يعيشون في سجن كبير لا يسمح لهم إلا بالعيش بين الحياة والموت..!

إذن غزة التي قارب عدد سكانها المليونين يعيشون داخل سجن كبير تبلغ مساحته ثلاثمائة وستين كيلومترا مربعا تنعدم داخله مقومات الحياة الأساسية، وأبواب السجن الخارجية تتحكم به قوة ضخمة يقولون عنها : أنها رابع قوة في العالم.. ويحكمه من الداخل قوة ظلامية لا تهتم إلا بعناصرها ، وتلتقي سياستها أحيانا مع سياسة السجان الرئيسي وبعض الدول العربية..؟ جميعهم لا يريد كيانا فلسطينيا مستقلا في حدود معترف فيها يمارس فيها حياته مثل باقي شعوب الأرض..! أما حركة حماس التي تسيطر على غزة حاليا فهي لا تولي أي اهتمام لموضوع النكبة الذي ظلت منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها رافعة راية العودة وحقوق اللاجئين؛ لأنها جوهر الصراع وجوهر القضية التي دفع شعبنا ثمنها غاليا وما زال.. وها هي حماس كي ترضي جهات إقليمية تأخذ دعمها وتأييدها منها تعطل أي اتفاق للمصالحة يمكن أن ينهي الانقسام الذي يساوي في مأساته مأساة النكبة الأولى بحجة مشروعها الوهمي في الخلافة التي يمكن أن تبدأها أولا دولة مستقلة ومتطورة تعتمد على ذاتها قبل كل شيء، وإن كانت حركة حماس تعتمد على ذلك كدولة مثل إيران، لكننا لا نفهم كيف لحماس أن تتحالف مع دولة ضد أيدلوجيتها الدينية والفكرية وتحالفت دوما مع الصهيونية وأمريكا ضد أي تطور وتقدم لأي دولة عربية.. وشاركت أمريكا في عدوانها على العراق وأفغانستان، وها هي اليوم تشارك إسرائيل في تحقيقها للانقسام الفلسطيني الفلسطيني، واللبناني اللبناني أيضا لمصالح تخصها هي أولا.. لا بحجة الإسلام ولا بحجة معارضتها للاحتلال..! كل الذين شاركوا في حوارات القاهرة من كل الفصائل بما فيها حركة الجهاد الإسلامي أعلنوا في أكثر من مناسبة بأن الخلاف مع حماس لم يكن على الثوابت الفلسطينية، بقدر ما هو خلاف على شكل الحكومة والمحاصصة بين فتح وحماس.. يا ناس ! عودوا إلى رشدكم.. فلسطين أغلى بكثير، وأكبر بكثير من مصالحكم المحدودة، وإن حققتم التحرير والعودة؛ ففلسطين سوف تغنيكم جميعا وسترتقي بكم إلى الرقي والتقدم.. لكن ذلك لن يتحقق إلا بالوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام والتشرذم الذي نعيشه...!

Elkarim76@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: