الأربعاء، مايو 13، 2009

القرآنيون

محمود الزهيري

ليس بغريب أن يبزغ تيار ديني ينتسب للقرآن , ويعرف بأهل القرآن , فسابقاً وحالياً وجدت ومازالت تيارات دينية إنتسبت جميعها للسنة , وعرفت بأهل السنة , ومابين أهل القرآن وأهل السنة , دارت الصراعات الكلامية البعيدة عن الواقع المعاصر , والتجأت للتاريخ لتحتكم إليه في أحداثه , وكأن التاريخ بذاته بمكنته أن يعيد نفسه أو يعيد صناعة أحداثه من جديد , أو هكذا يزعمون .

الفارق بين أهل القرآن أو القرآنيون , وبين السنيون , أو أهل السنة والجماعة , تكمن الأقدار , وتتحدد المصائر , فالفريق الأول ينتمي لنصوص قرآنية محددة , ومعروفة العدد سلفاً , والفريق الثاني ينتسب إلي نصوص ذات النصوص , ويذيد عليها نصوص من الأحاديث اللانهائية في أعدادها , وتفسيراتها وتأويلاتها , لدرجة أن وجد تيار من المفسرين يلجأ إلي تفسير القرآن بالسنة , ويجعل من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أسانيد للتفسير والتأويل , بزعم أنها إذا كانت تفسر لصالح ماتم التعارف عليه بصالح الأعمال , فلا بأس , ولا حرج !!

أهل القرآن لهم مزعم رئيس يسعي إلي تحرير الفهم والتعامل مع النص بواقعية مرجعيتها النص ذاته , بعيداً عن تاريخيته الزمانية , وجغرافيته المكانية , محاولين فهم النصوص علي ضوء الواقع ومعطياته الحداثية , بما للواقع من إحدثيات علمية وحضارية وثقافية سائدة .

بالرغم من اعتقادي بأن المجتمعات الإنسانية ليست بحاجة إلي وصايات رجال الدين أو علماء الدين , وهذا بالنسبة لكل الأديان السماوية , وحتي الديانات الوثنية , في الوقت الذي أصبح الدين لايمثل حالة جمعية مفروضة فرضاً , أو قهراً وقسراً , وإنما يمثل حالة فردانية شديدة الخصوصية والتوحد بين الإنسان وإله هذا الإنسان .

الدعوة المسعورة التي يتم شنها علي التيار القرآني , وإلصاق التهم بهم ترجع إلي أن هذا التيار تخلو أدبياته الدينية من الوصاية وفرض سلطان المفاهيم الدينية علي المنتسبين لهذا التيار , لأن عماد هذا التيار هو العقل الملتحم بمرادات النص التي يتغياها من خلال الواقع دون إهدار لقدسية النص القرأني في نفوس المنتسبين لهذا التيار .

ولما كانت النصوص الدينية ماحقة للوصاية , ولاعنة للأوصياء , وفارضة للحرية العقلية أساس الإعتقاد ومناط التكليف الديني علي المستوي الفرداني والجمعي , إلا أن سلطة الإستبداد والفساد دائماً ماتبحث عن وصاية , حتي في أبسط صورها أو أعلاها , سواء وصاية المعتقد الذي تعتقد به الغالبية , أو وصاية المفاهيم .

وما جرائم توصيف المخالفين للرأي أو الفكرة , بالردة أو الكفر أو إذدراء الدين والمعتقد , إلا صدي للصوت الذي تنطق به سلطة الإستبداد , وتستنطق به أتباعها من رجال الدين في المؤسسات الدينية الرسمية التابعة وظيفياً لدولة الطغيان .

وليس بغريب أن تكون أنظمة الطغيان تحتمي بسياسة واحدية , ملتحمة بحاكم مستبد يحمل صفة الواحدية , ودين واحد , وثقافة أحادية , ومن ثم فإن من يخرج عن إطار هذه المنظومة فلابد أن يكون , مرتد , أو كافر , أو موصوف بالفسق والفجور والعصيان , وترمي عليه شباك الطرد من الرحمة والملكوت الإلهي الذي هو في السماء , بالرغم من أن المطرود هذا من عالم السماء , مازال يعيش في عالم الناس علي الأرض .

الفارق بين القرآنيين والسنيين , أن القرآنيين , لايكفروا من هو ليس معهم , والسنيين أو أهل السنة والجماعة وكأنهم هم أهل الحق الثابت , والحقيقة المطلقة , ومن ليس معهم فهو خارج عن نطاق السنة وخارج علي الجماعة , ومن ثم فهو هالك أو كافر .

فهل علمنا لماذ الحملة التكفيرية , وحملات الإتهام بالردة والإرتداد عن الدين وإلصاقها بالقرآنيين ؟!!
فهل من هو ليس من أهل السنة والجماعة , وليس من الشيعة , وبالتالي ليس من القرآنيين , أو من السنيين له خانة يمكن أن يتم وضعه فيها سواء خانة الكفر أو خانة الإيمان ؟!!

وهل من هو خارج عن نطاق التشيع لمذهب أو فرقة أو طائفة كافر أو مرتد ؟ وعند من يكون كذلك ؟

هل من إجابة ؟!

mahmoudelzohery@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: