الخميس، مايو 21، 2009

من وعد بوش الخماسي الى وعد أوباما الرباعي

راسم عبيدات

..........ها هي الخطوط العريضة لما يسمى بمبادرة "أوباما" للسلام في الشرق الأوسط تتضح،وجوهر هذه المبادرة يقوم على وعد جديد هو إقامة دولة فلسطينية خلال أربع سنوات،وعدا عن قضية أنها منزوعة السلاح ،فهي لا تشمل القدس ولا حق العودة للاجئين،ولا حتى التنازل عن الكتل الاستيطانية الكبرى،بل يتم الاحتفاظ بها في اطار تبادل أراضي بين السلطة الفلسطينية واسرائيل،ومسألة تحقيق الدولة الفلسطينية خاضع لسلسلة من الاشتراطات الاسرائيلية والأمريكية،والتي تجعل من تحقيقها أقرب الى الحلم والخيال بل وحتى المعجزة.

وجوهر المسألة هنا أن فريق الاعتدال العربي- الفلسطيني ،والذي لا يكف الحديث عن ضروروة استغلال وجود "أوباما" في الحكم،من أجل استعادة الحقوق العربية والفلسطينية،ومصورين الأمر على أن مجيء "أوباما" للحكم،هو بمثابة المسيح المنتظر،ولذلك يجب العمل على مساعدته في الوقوف أمام ما يتعرض له من ضغوطات من قبل اللوبي الصهيوني،وهذا لن يكون الا من خلال ابداء المزيد من"التنازلات" عفواً الواقعية والعقلاتية،والواقعية والعقلانية العربية،تعني اجراء تعديل على مبادرة النعش الطائر- مبادرة السلام العربية- بحيث يجري ازالة الغموض فيها،وتحديداً فيما يتعلق بحق العودة لللاجئين الفلسطينيين،بحيث ينص صراحة على شطب حق العودة للفلسطينيين،وفي أحسن الحالات تكون عودتهم الى الأراضي المحتلة عام 67 ،ومن لا يريد العودة الى مناطق السلطة يجري توطينه في البلد الموجود فيه،وطبعاً هذا التنازل والمقرون بسلسلة تنازلات واشتراطات سآتي على ذكرها في سياق المقالة،تأتي حتى نقنع الحكومة الاسرائيلية اليمينية بالموافقة على حل الدولتين.

وكأن ما يجري على الأرض وما ينفذ ليس بالكافي لإقناعنا عرب وفلسطينيين،أن ما يجري ليس أكثر من توزيع أدوار تتقاسمة الحكومتان الاسرائيلية والأمريكية وتشارك به حكومات أوروبا الغربية،وتسهم به مؤخراً الى حد كبير دول ما يسمى بمحور الاعتدال العربي،وقصة "بوش وأوباما"ووعد الدولة الفلسطينية المستقلة خلال فترة ولاية حكم الواحد منهما ،تأتي فقط في اطار المشاغلات السياسية وابقاء نوع من الحركة السياسية،يتلهى بها العرب والفلسطينيون،يتخاصمون ويتقاتلون ويردحون لبعضهم البعض،وتنبري أجهزتهم وطواقمهم وجاهبذتهم من سياسيون واعلاميون وباحثون ومفكرون في التحليل والتوصيف لما تقوم به الإدارة الأمريكية من تحركات،والتطبيل والتهليل والترويج بأن هذه الإدارة تختلف عن سابقتها،وأنها جادة في ايجاد حل لقضية الشرق الأوسط،ولنكتشف أن ادارة أمريكية بقيادة المحافظين الجدد من "بوش" الأب الى "بوش" الأبن أوضح وأكثر تعبير عن جوهر وحقيقة السياسة الأمريكية تجاهنا كعرب وفلسطينيين،من حكومة "أوباما" التي يحاول البعض فلسطينياً وعربياً أن يصورها بأنها حكومة المسيح المنتظر،تماماً كما هو حال الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة،والتي كان البعض عربياً وفلسطينياً،عندما تنجح حكومة اسرائيلية بقيادة حزب العمل الاسرائيلي ،يهللون ويطبلون ويزمرون بأن هذه حكومة سلام،وما تمارسه وتقوم به على الأرض يجعلها على يمين حكومة"نتنياهو" والجميع يذكر أنه عندما فازت الحكومة الاسرائيلية الحالية بزعامة "نتنياهو" أن من جاب العالم لتسويقها هو "بيرس" حمامة سلام العرب المعتدلين،وهو نفسه من برر الجرائم التي ارتكبها جيشه ضد أطفالنا ونساءنا في العدوان الأخير على قطاع غزة،وهو ما لم يستطع الرئيس التركي "أردغان" تحمله وانسحب من مؤتمردافوس الاقتصادي.

أما أمريكياً فوعد "بوش" بتحقيق الدولة الفلسطينية،خلال خمس سنوات،فنحن نعرف أنه فرية وكذبة كبيرة،وبدل الخمس سنوات انقضت عشر سنوات ولم يتحقق من هذا الوعد شيء،بل من ذلك الوعد وحتى الآن زاد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ب600 %،ولو استمر في الحكم لربما صارت الخمسة خمس خمسات.

والمشكلة هنا رغم ادراكنا ومعرفتنا كعرب وفلسطينيين أن هذه الإدارات الإسرائيلية والأمريكية تتقاسم الأدوار،الإ أننا نستمر في دفن روؤسنا كالنعام،والتعاطي مع الأمور على قاعدة"عنزة ولو طارت"،فرغم كل عبثية النهج والخيار التفاوضي،والذي حولنا الى شاهد زور ومشارك لما تقوم به اسرائيل من أعمال لخلق واقع ووقائع جديدة على الأرض،لم نحاول أن نبحث أو نلجأ لخيارات أخرى،أثبتت وثبت صحتها على أرض الواقع.

وأنا بالتحليل الملموس أقول بأن إدارة "أوباما" أخطر على الحقوق العربية والفلسطينية من ادارة المحافظين الجدد الراحلة،وما يطرحه "أوباما" ما يسمى بخطة سلام، هو ترجمة عملية لرؤية ونظرية "نتنياهو" السلام الاقتصادي، وقبل شرح ذلك سأسوق لكم المثال التالي:- انزعج المستوطنيين في مستوطنة " أرمون هنتسيف" المقامة على أراضي قريتي المكبر وصورباهرمن آذان الصباح في أحد جوامع البلدة وحضر الى البلدة السيد "يوسي ساريد" زعيم حركة " ميرتس" اليسارية الاسرائيلية،والذي كان نائباً لرئيس البلدية- بلدية القدس- والتقى بعدد من أهالي البلدة،ومن ضمن ما طرحه هذا "اليساري" أنتم تعرفون هؤلاء مستوطنين كفرة وملحدين،وما العيب لو قمتم بتعطيل سماعة الآذان الموجهة نحو هؤلاء المستوطنين؟،وهو يريد بطريقة لبقة وذكية منا أن نحقق طلب المستوطنيين،وفي نفس الوقت يظهر كرجل سلام.

وهذا حال السيد "أوباما" فأول الغيث قطرة" و" أول الرقص حنجلة" فهو يريد أن يطرح علينا مبادرة سلام عنوانها أن الحكومة الاسرائيلية القائمة في اسرائيل،حكومة يمينية ومتطرفة،وحتى نستطيع أمن نقنعها بالسلام،فالمطلوب من العرب والفلسطينيين،تقديم تنازلات تجاه تلك الحكومة، تنازلات يقف على رأسها إلغاء حق العودة للشعب الفلسطيني وفق القرار الأممي 194 ،وبمعنى آخر الإعتراف بالطابع اليهودي لدولة اسرائيل،وهذا ما وضعه"نتنياهو" كشرط في خطاب تنصيبه للموافقة على حل الدولتين،وبعد تحقيق هذا الشرط،عرب الداخل- عرب مناطق 48 – يتم التخلص منهم الجزء الأكبر عبر التبادل السكانيـ وما تبقى يطرد ويرحل قسراً.

هذا من جهة ومن جهة أخرى مبادرة"أوباما" لا تشترط انهاء الاحتلال،بل شرعنته من خلال عملية تطبيع واقامة علاقات ما بين اسرائيل وأكثر من 57 دولة عربية واسلامية،وبالقدرالذي يتقدم فيه التطبيع مع العرب،تصبح اسرائيل قادرة على القيام بخطوات أكثر جدية لوقف الاستيطان وتسليم أراضي للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها خلال أربع سنوات.

وطبعاً هذه المبادرة كما هو حال خارطة الطريق رهن بموافقة اسرائيل عليها،فهي لها الحق في الاضافة ووضع الشروط،وكما وضعت على خارطة الطريق 14 شرط وتعديل،ربما تضع 20 تعديل أو أكثر على مبادرة "أوباما" وننسى المبادرة الأصلية، ونبدأ في البحث ودراسة الاشتراطات الاسرائيلية عليها،والتي ربما لا تكون الفترة الرئاسية الأولى"لإوباما" كافية لوصول الى نتائج حولها.

وهنا تتحول سنوات"أوباما" الأربعة لإقامة الدولة الفلسطينية الى أربعات وهكذا دواليك.....الى أن لا تتبقى أرض ولا مناطق يقيم عليها الفسطينيون دولتهم،ولا يتبقى أمامهم سوى مشروع"نتنياهو" السلام الإقتصادي بعيداً عن الدولة الفلسطينية المستقلة،ولنكتشف أن خطة" أوباما" السلام هي نسخة طبق الأصل عن خطة ورؤية "نتنياهو"،ولكن فاقد الشيء والراهن والمسلم كل أوراقه وقراراته الى أمريكا،والخاصي للخيار العسكري والمقاوم عمداً وعن سابق اصرار ماذا يملك من الخيارات،سوى الخنوع والذل والإستجداء على أبواب المؤسسات الدولية والتشبث بأستار البيت الأبيض وقصر الأليزيه،واستدخال الهزائم وتصويرها على أنها انتصارات.

ليست هناك تعليقات: