الثلاثاء، مايو 19، 2009

حوار فلسطيني بيزنطي بلا نتيجة .. الم تخجلوا بعد؟

المهندس حاتم أبو شعبان
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
غزة

منذ أيام بدأت الجولة الخامسة لحوار المصالحة الفلسطيني الفلسطيني في القاهرة لإنهاء حالة الانقسام والاقتتال والتشرذم التي نشأت بعد 14/6/2007 عندما سيطرت حركة حماس على السلطة في قطاع غزة في حدث غير مسبوق في تاريخ الشعب الفلسطيني , حيث كانت تحدث الثورات والانقلابات في الدول العربية من اجل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني , وكان أول ما يصدر في البيان الأول لأي ثورة وتغيير الحكم في أي دولة عربيه إن الهدف الذي قامت من اجله الثورة أو الانقلاب هو تحرير فلسطين , إما أن يحدث هذا في فلسطين نفسها وهي مازالت ترزح تحت الاحتلال ولم تقام دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة الكاملة على أرضها , فهذا أمر غير مسبوق في أي مكان في العالم أن يحدث قبل التحرير والاستقلال سواء ما يسميه البعض حسما عسكريا وآخرون يسمونه انقلابا، فالنتيجة واحدة وهي استيلاء جهة على السلطة من جهة أخرى.

عند بدء جولة الحوار الخامسة أعلن عن الحوار سيبدأ ثنائيا بين فتح وحماس لمدة يومين , ثم يليها مباشرة اجتماع لكافة فصائل العمل الوطني المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد , وعليه بدأت وفود باقي الفصائل الأخرى بشد الرحال استعدادا لسفرهم إلى القاهرة , وكان متوقعا أن تكون هذه الجولة هي الأخيرة لانجاز الاتفاق سواء برضا المتحاورون أو بفرض الاتفاق عليهم من مصر الشقيقة بصفتها الجهة الراعية للحوار، بعد أن بلغ السيل الزبى , وأصبح الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة لا يحتمل هذا الانقسام والتشرذم والوضع المأساوي الذي تنعكس آثاره السلبية عليه مباشره نتيجة الحصار والإغلاق والدمار الشامل الذي لحق بقطاع غزة جراء الحرب الأخيرة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والتي أدت إلى تدمير كافة المرافق العسكرية والشرطية والأمنية في القطاع , ومعظم المرافق المدنية الرسمية والأهلية , والمئات من المباني السكنية على رؤوس أصحابها، وشرّد من بقوا أحياء من ساكنيها في خيام أقيمت على أنقاض هذه المباني دون مأوى لهم , إضافة إلى استشهاد ما يزيد عن 1500 فلسطيني من أبناء القطاع معظمهم من النساء والأطفال ، وجرح الآلاف معظمهم بإصابات خطيرة وبليغة .

فوجئنا جميعا بعد انتهاء اليومين للمفاوضات الثنائية إعلان تأجيل الحوار بين كافة فصائل العمل الوطني إلى بداية شهر تموز المقبل , أي بعد شهر ونصف بدلا من يومين وذلك بسبب تعثر المفاوضات الثنائية نتيجة تصلب أطراف الحوار الثنائي - فتح وحماس - في مواقفهما وعدم تعاطيهما بنية صادقة للتوصل إلى اتفاق بينهما , ومما لاشك فيه إن هذا التعثر ناتج بسبب المصالح الحزبية لكل طرف , دون أي اعتبار لمعاناة الشعب الفلسطيني التي مضى عليها ما يقارب السنتين , ووصلت المعاناة إلى ذروتها القاتلة بعد الحرب العدوانية الأخيرة على القطاع 0

توقعنا بعد هذه الحرب أن يتعظ المتحاورون ويتصالحوا فورا دون قيد أو شرط وخصوصا فتح وحماس اللتان لديهما أكثر من 90% من أعضاء المجلس التشريعي , إذا ما استخلصوا العبر مما جرى من الحرب , وكانوا حريصون على المصلحة الوطنية العليا لشعبهم الذي انتخبهم من اجل فلسطين , ضانا منه انه عندما انتخبهم فسيكونوا على قدر المسئولية الوطنية لشعبهم , ولكن خاب هذا الظن بعد أن تبين بصورة لا تقطع الشك إن كل فصيل همه الأكبر هو تحقيق مصالحه الحزبية والشخصية فقط , وان يبقى على سدة الحكم في المنطقة التي يسيطر عليها سواء بالانتخابات أو بالقوة العسكرية , وعلى استعداد للتضحية بشعبه , حتى لو أصبحت أمنية الموت هي مطلب كل فرد من أبناء الشعب الفلسطيني، من شدة المعاناة والمشاكل النفسية والاجتماعية والأسرية والمالية والمادية التي يتعرض لها , وأصبح الجميع بدون استثناء من كافة فئات الشعب يبحث عن الكوبونة , بل ويذل نفسه من اجل الحصول عليها، هذا ناهيك عن الانهيار التام للاقتصاد الفلسطيني وتوقف كافة قطاعات الأعمال المشغلة سواء للقطاع الخاص أو القطاع العام وما نتج عنها من مشاكل اجتماعية وقضايا بين الناس لعدم توفر الأموال لديهم، وعدم تمكن العديد من المقترضين من تسديد مديونياتهم للبنوك وغيرهم بسبب هذا الانهيار للاقتصاد وتوقف قطاعات الأعمال المشغلة.

والأمر الغريب في قطاع غزة أن أصبح المصدر الوحيد لتوفر المواد الغذائية وبعض المواد الأخرى والأجهزة الكهربائية وغيرها هو إدخالها مهربه عبر الأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة في رفح , وكلمة تهريب بحد ذاتها تعني عدم الشرعية والقانونية وعدم وجود رقابه صحية وأمنية على ما يتم تهريبه للقطاع , ولكن للأسف يتم ذلك تحت أعين وبصر أجهزة الأمن في كلا الجانبين تحت شعار حجج إنسانيه لأهالي القطاع لتوفير احتياجاتهم ، وأصبح ذلك مبطئا لتحقيق الاتفاق والتصالح والعمل الجاد لرفع الحصار وفتح المعابر, وكأن حاجة الشعب هي فقط للمواد الغذائية والتموين وكأن هذا كافيا ولو بالتهريب , لتزداد قيادات شعبنا تصلبا في المواقف وما يتبعه من زيادة المعاناة على الشعب في القطاع.

معبر رفح الدولي مغلقا ولا يفتح إلا نادرا للحالات الإنسانية والوساطات القوية لدى أجهزة الأمن على أي من الجانبين , بينما يتم فتح المعبر في أي لحظة لدخول وخروج قيادات الفصائل ووفود الحوار حتى المطلوبين منهم لإسرائيل من حماس وغيرها , فيسافرون ويتنقلون بحرية تامة بحجة الحوار واللقاءات بين قيادات الداخل والخارج , وفي حقيقة الأمر إن كل هذه القيادات بدون استثناء من كافة الفصائل هم المتسببون بفرض الحصار بسبب تعنتهم ولكن لا حصار عليهم , بينما بقي الحصار فقط مطبقا على أبناء الشعب المظلومين من تعنت قياداتهم .

نسمع في الآونة الأخيرة عن اقتراحات من هنا وهناك ومنها اقتراحا جهنميا – من جهنم – انه بسبب عدم التوصل لاتفاق , فلتبقى الحكومتان على حالهما , حكومة حماس المقالة مسيطرة على غزة , وحكومة تسيير الأعمال التابعة للسلطة مسيطرة على الضفة الغربية , ويتم إنشاء لجنة تنسيق عليا للتنسيق بين الحكومتين إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في يناير القادم – هذا إذا ما أجريت الانتخابات فعلا !!- على أن يبقى كل شيء على حاله , وعلى سبيل المثال فان حكومة تسيير الأعمال في رام الله ملتزمة بدفع رواتب موظفي السلطة في القطاع , وبإرسال الأدوية والمعدات الطبية لمستشفيات القطاع , وغيره من الأمور الأخرى التي لها علاقة بالعالم الخارجي ويحتاجها أبناء القطاع إنسانيا بصوره رسميه , والحكومة المقالة تقوم بدفع رواتب موظفي السلطة الذين قطعت رواتبهم من رام الله ومن قامت بتوظيفهم لديها , وكذلك توفير بعض الاحتياجات التي تستطيع توفيرها سواء عن طريق الأنفاق أو تصنيعها محليا أو بأي طرق أخرى

إن هذا الاقتراح يعني بكل تأكيد تكريس استمرار الانقسام ليصل الأمر في النهاية إلى القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني وحلم قيام الدولة الفلسطينية ، ومن المؤكد انه إذا بقي ذرة من الوطنية لدى قيادات الفصائل فان عليهم رفض هذا الاقتراح ويتفقوا فورا على تشكيل حكومة موحدة بصورة مؤقتة ومهمتها الأساسية الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية في يناير القادم , وعليها أن تلتزم بالاتفاقيات التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية لمدة الستة أشهر التي ستعمل بها حتى يناير القادم حتى يتم رفع الحصار عن قطاع غزة بإعلان هذا الالتزام المؤقت وهو الشرط العالمي لرفع الحصار, وبعد إجراء الانتخابات وما ستسفر عنه النتائج مهما كانت فان الحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي المنتخب في يناير والرئيس الجديد يحددان موقفهما من هذه الاتفاقيات سواء بالالتزام بها أو التبرؤ منها وتحمل مسئولية النتائج المترتبة على أي موقف يتم اتخاذه بشأن الالتزام من عدمه 0

وهنا نتساءل: ماذا لو فشل الحوار في تموز القادم ؟ وما هو مصير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومصير القضية الفلسطينية ؟ هل عند إذن سنحتاج إلى حرب جديدة على غزة لتدمير ما تبقى منها ؟ حتى تتعظ قيادات الفصائل , أم سيبقون متصلبين في مواقفهم حتى لو دمرت غزة كاملة ؟

إلا تدرك قيادات هذه الفصائل بدون استثناء وخصوصا فتح وحماس إن عناصرهم بدأت تلفظهم وان كثرة الظلم على الشعب يولد الانفجار , وإذا حدث هذا الانفجار سينهار كل شيء , إن لم يكن قد انهار كل شيء فعلا – القيم – الأخلاق – الوطنية – الانتماء – العروبة – الإسلام.

لقد أصبح كل فرد من أبناء شعبنا في كل مكان ينظر إلى قياداته بنظرة بؤس واحتقار, ويريد إجبارهم على الاتفاق, وهو لا يستطيع لا بيده ولا بلسانه, ولكن بقلبه فقط لأنه لا يستطيع أن يجهر برأيه علانية ويبقى في سره 0

نتمنى على هذه القيادات والمتحاورين في القاهرة أن يرتقوا إلى مستوى المسئولية الوطنية ويتفقوا ويتصالحوا قبل فوات الأوان وهم ليسوا أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما وفي لحظة معينه تتطلب ذلك وقع الاتفاقيات والمعاهدات مع اليهود وبشروط مذعنة من اجل مصلحة الإسلام , وعندما حانت الفرصة المناسبة , حصل على ما أراد وبالاتفاق معهم أيضا، فما بالكم أيها القيادات وانتم ترفضون أن تتنازلوا لإخوانكم وأبناء وطنكم وعروبتكم ودينكم , والله انه من العيب عليكم أن لا تتفقوا وشعبكم يموت بسبب تعنتكم 0

إذا اتفقتم فسينسى شعبكم ما تعرض له من معاناة بسببكم، وسيستقبلكم بالورود والزغاريد استقبال الأبطال , وإلا سيلفظكم نهائيا وسترون ذلك في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في يناير القادم – هذا إذا ما جرت هذه الانتخابات !!!– وعليكم أن تختاروا مصيركم بأنفسكم.

hatimabushabangaza@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: