الاثنين، مايو 18، 2009

لعبة توزيع الكراسي وتلبيس الطواقي

راسم عبيدات

.......يبدو أن لعبة توزيع الكراسي وتلبيس الطواقي في حكومة رام الله قد تأجلت بعض الشيء،والتأجيل هنا له علاقة باستئناف جولة الحوار الثنائي بين فتح وحماس في القاهرة،وبانتظار إهالة التراب على جثماني الحوار والمصالحة الفلسطينية،أو قبل ذلك سترى حكومة فياض النور،حيث أن بعض من عارضوا المشاركة من بعض الفصائل الفلسطينية ومن وضعوا اشتراطات عليها من فتح وغيرها،سيجدون الفرصة سانحة للمشاركة،وخصوصاً أن حكومة فياض تعتمد في وجودها وبقاءها على الدعم الخارجي أكثر من اعتمادها على القاعدة الشعبية والجماهيرية،بدلالات أنها استمرت في تصريف الأعمال ليس مدة شهر أو شهرين،بل ها هي جاوزت العام،وامتلاكها حنفية المال وحصر الجهات الداعمة أمريكياً وأوروبياً للمساعدات والتمويل من خلالها،يجعل هناك صعوبة في تجاوز رئيسها سلام فياض.

والشيء اللافت للنظر هنا وخلال المشاورات التي أجريت لعملية توزيع الكراسي وتلبيس الطواقي،هو موقف الجبهة الديمقراطية والتي يفترض أن تكون أحد الأركان الأساسية في جبهة اليسار الفلسطيني،هذه الجبهة التي يعول عليها أن تكون مركز استقطاب جماهيري لتشكيل تيار أو قطب ثالث يعيد التوازن إلى الحياة السياسية والمجتمعية الفلسطينية،وكذلك الوقوف ضد حالة الانقسام والانفصال بدلاً من العمل على تكريسها،وأنا أتفهم أن تشارك في مثل هذه الحكومة تشظيات الفصائل الصغيرة،ولكن ترفض المشاركة في هذه الحكومة الكثير من الشخصيات المستقلة وحتى المحسوبة على فياض نفسه من أمثال حنان عشراوي،بالإضافة إلى شركاء الديمقراطية في جبهة اليسار الشعبية وحزب الشعب والذين من المفترض على الأقل أن تكون مواقفهما منسجمة ولهما رؤيا موحدة في الجانب السياسي،وتشارك أو تعلن على الأقل عن نيتها في المشاركة الجبهة الديمقراطية،فهذا غير مفهوم ومستغرب،ويضع الكثير من علامات الاستفهام على مثل هكذا جبهة يسار،سقطت في امتحانها الأول في الاجتماع الأخير للمجلس المركزي،حيث لم تتفق تلك الأطراف على بيان مشترك يعبر عن وجهة نظرها ورؤيتها تجاه الحالة السياسية الفلسطينية.

ومع إهالة التراب على جثماني المصالحة والحوار الوطني قريباً،والذي تأجل إلى أوائل تموز،سنرى أن هناك الكثير من المستوزرين سيجدون ضالتهم في فشل هذا الحوار،وسيرفعون "الفيتو" عن المشاركة في حكومة فياض،وهناك بالأحرى من يعملون ويصلون ليل نهار من أجل فشل هذا الحوار،فنجاحه يخرجهم والى الأبد خارج إطار المعادلة السياسية الفلسطينية،وسيبررون ذلك أنه لا يجوز انتظار نتائج الحوار واستمراره إلى ما لا نهاية ،وأنه لا مناص من المشاركة في هذه الحكومة،وستتخلى فتح عن اشتراطاتها في عدم المشاركة في الحكومة برئاسة فياض على أن يكون لها حصة أكبر في هذه الحكومة،وربما تبقى الشعبية أو من المؤكد أنها ستستمر في موقفها الرافض للمشاركة في حكومة نصف الوطن،وهي التي رفضت المشاركة في حكومات كاملة،أما حزب الشعب فلربما يتجه للمشاركة في هذه الحكومة،وإذا ما ثبت حزب الشعب على موقفه بالإضافة إلى الشعبية،فهنا ربما تكون الفرصة سانحة لخط رؤية جدية للتيار الثالث،بعيداً عن الذيلية والنفعية،فهما بإرثهما وتراثهما النضالي والكفاحي والوطني وما قدموه وما يقدموه من تضحيات ونضالات،وما لهما من حضور في الحركتين الشعبية العربية والشيوعية قادرين على أن يشكلا مركز ثقل وحالة نهوض جدية للقوى اليسارية والديمقراطية،وطبعاً تشاظي وبواقي التنظيمات الصغيرة فمشاركتها تعتبر مكسباً ليس للوطن،بل لمن يشارك منها،فهي من خلال الجانب الديمقراطي والحجم والوجود وقوة الفعل والتأثير،غير قادرة أن تكون جزء من هذه الحكومة.

وبمقابل حكومة فياض البلدية في رام الله،ستقام وتوسع حكومة بلدية أخرى في قطاع غزة،وسيكون حجم الطيف السياسي الفلسطيني المشارك فيها أضيق وأقل من حكومة بلدية رام الله،على اعتبار أن المشاركة في هذه الحكومة البلدية،ليست غنيمة فهي حكومة محاصرة،والمشاركة فيها قد تجر على من يشارك فيها الويلات،وهناك من لا يشارك في حكومة رام الله وحكومة غزة لاعتبارات سياسية بحتة،وعدم المشاركة في حكومة بلدية غزة من قبلها له علاقة بعدم اعتراف حماس بوحدانية وشرعية منظمة التحرير،ناهيك عن الموقف من الاتفاقيات السابقة وعبارات الالتزام أو الاعتراف بها.

وفي هذا السياق ستعود لغة التخوين والتكفير والردح والقدح بكل أشكال وألوان مفرداتها إلى قاموس السياسة الفلسطيني،فسلطة رام الله ستبرر توسيع حكومتها بالاستحقاق الدولي،وما يجري من حركة سياسية لا يجوز أن يغيب عنها الطرف الفلسطيني،وكذلك أنه لا يجوز السماح لحكومة"الملالي والمهادنة" أن تتمدد إلى رام الله والضفة الغربية،وهناك أسباب أخرى ترجح مثل هذه الخيارات،هي أن أمريكا ومعها أوروبا الغربية،وحتى جزء من دول النظام الرسمي العربي، لا تريد حكومة وحدة فلسطينية خارج إطار الالتزام بشروط الرباعية والاتفاقيات السابقة،وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أو توافق وطني خارج الالتزام بشرط الرباعية والاتفاقيات السابقة،معناه أعباء والتزامات من طراز وقف المساعدات ودفع الرواتب وتضيق حركة قيادات ورجالات السلطة،وطبعاً هذا ليس بالوارد أو في حسبان قيادة السلطة.

وهنا قضية جوهرية ستجعل من الصعوبة،إقلاع سفينة الحوار الوطني الفلسطيني،وإنهاء الانقسام والانفصال،وهي الأنباء التي ترشح عن أن الولايات المتحدة الأمريكية،وفي لقاءات إدارتها الجديدة مع زعامات وقيادات المنطقة،وبالتحديد إسرائيل وقادة معسكر الاعتدال العربي،بما فيهم رئيس السلطة الفلسطينية،يجري الحديث عن قيام الدول العربية،بطرح مبادرة سياسية جديدة جوهرها اعتراف عربي- إسلامي بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها،مقابل تجميد إسرائيلي للاستيطان في الضفة الغربية دون القدس والنمو الطبيعي في المستوطنات،أي شرعنة عربية- إسلامية للاحتلال وكذلك شطب حق العودة للشعب الفلسطيني وفق القرار ألأممي 194،وموافقة إسرائيل على القبول بحل الدولتين.

ورغم كل ذلك فالمعلومات الواردة تقول بأن "نتنياهو" صاحب نظربة السلم الاقتصادي،يرفض فكرة حل الدولتين،وأقصى ما يعرضه حكم ذاتي للفلسطينيين.

وما نخلص إليه أن فشل الحوار الوطني الفلسطيني والمصالحة،وقيام سلطتين بلديتين في رام الله وغزة،وفي ظل وجود حكومة إسرائيلية مغرقة في اليمينية والتطرف،سيقود إلى المزيد من الضعف الداخلي والتبدد والضياع وفقدان البوصلة وضياع الحقوق والقضية.

ليست هناك تعليقات: