الاثنين، مايو 25، 2009

الأسئلة النموذجية (كراسات الامتحانات) دليل واضح على جهلنا بالعملية التعليمية؟

عبـد الكـــريم عليـــــــــــــــــــان

عضو صالون القلم الفلسطيني
Elkarim76@hotmail.com

قبل الامتحانات النهائية والفصلية تنتشر في مجتمعنا كرا ريس الأسئلة والأجوبة النموذجية، وكذلك نماذج الامتحانات لكل المراحل التعليمية وفي كل المواد المقررة، ويهتم بذلك أولياء الأمور والمدرسين على حد سواء لاعتقاد الجميع أنه يجب على الأبناء التمرن على الامتحانات لفهمهم الخاطئ بأن ذلك سوف يمنحهم القدرة على إجابة أسئلة الامتحانات بشكل جيد.. ويجتهد كثير من المدرسين في إعداد مثل هذه الكراريس طلبا للمال من جهة، أو للشهرة من جهة أخرى.. قبل أن يطبق المنهاج الحديث كنت أتابع سلوك طلبتنا وهم خارجين للتو من قاعة الامتحان فسمعت أحدهم يقول: " طز... في ملزمة الأستاذ... " استهجنت من حديث الطلبة، ودفعني الفضول لأتقصى الحقائق التي دفعتهم لقول ذلك..! فاكتشفت أنهم يخصون ملزمة (كراس) الأستاذ المذكور، والتي تعتبر مشهورة في أوساط الطلبة بأهميتها ودقة إجابتها على أسئلة امتحانات العديد من السنوات الماضية، وأسئلة نموذجية أعدها المدرس نفسه... وكان يتخذها الطلبة مرجعا أساسيا في دراستهم، حتى أن بعضهم اعتبر أسئلة الامتحان لذلك العام لا بد وأن تتكون من الأسئلة الواردة في الملزمة؛ ومنهم من راح يحفظها عن ظهر قلب.. من يراقب أحوال أبنائنا خصوصا طلبة التوجيهي يجد أن عددا كبيرا منهم إن لم يكن غالبيتهم التحقوا بدروس (الخصوصي) مما شكل عبئا إضافيا على أسرهم في ظروف يعرفها الجميع.. ويتمثل هذا العبء في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية من توتر وقلق وانفعال زمن الامتحانات، وعند طلبة التوجيهي يمتد هذا القلق والتوتر طيلة العام الذي يعتبره غالبيتهم عاما غير عادي، وقد يكون أطول بكثير من الزمن المعروف لدى الجميع... لماذا تكونت هذه الحالة؟ ولماذا أصبح الخوف كبيرا ومقيتا من الامتحان ؟؟

إن هذه الحالة ترسخت في وعي أبنائنا ووعي المجتمع كافة عبر سنيين طويلة من تبني اتجاهات خاطئة عن الامتحانات في مدارسنا وجامعاتنا أيضا.. مع التطور الكبير الذي حصل للعلوم التربوية، والمناهج المدرسية إلا أن الامتحانات لم تتغير إلى مواقف تعليمية من جهة، وتقويمية للعملية التعليمية من جهة أخرى.. إن عددا كبيرا من المعلمين إن لم يكن غالبيتهم انتهجوا طريقة غير سليمة في التعليم، منذ زمن طويل وهم يلقنون أبناءنا طريقة ( حل السؤال ) واختيار الإجابة النموذجية وغالبا ما يكون ذلك في قوالب جاهزة.. وابتعدوا عن الأهداف الرئيسية والثانوية أيضا، وابتعدوا عن تعليم مهارات الفهم والتحليل والتركيب والتطبيق والحكم...إلخ. من هنا فقد الطالب ثقته بنفسه وانتابه القلق والتوتر والخوف...! سنوات طويلة والمدرس العام والخاص يلقنوا طلابنا إجابة السؤال، وتوقع المدرس لسؤال الامتحان.. لذلك مطلوب من الجهات المسئولة تبني فلسفة جديدة في طريقة اعداد أسئلة الامتحانات واعتمادها على عدم تكرارها لنفس الأسئلة من السنوات الماضية، وأن تعتبر الأسئلة مقياسا للأهداف التعليمية المبتغاة، وأن تكون مباشرة وان تأخذ بالحسبان الفروق الفردية للمعلمين في طرق تدريسهم وانتهاجهم لطرق التعليم، حيث أشارت العديد من الدراسات، وأكد ذلك علماء التربية والقياس والتقويم أنه: " لا توجد هناك أداة قياس تعطي نتائج أو قياسات دقيقة بشكل مطلق.. وفي العادة تكون نتائج القياس تقريبية تعتمد في دقتها على دقة أدوات القياس المستخدمة، وكما هو معلوم أن الاختبار أيا كان نوعه، من غي الممكن أن يغطي كافة المادة الدراسية التي يتعلمها الطلبة في مجال معرفي معين.."

في احدى السنوات، وبعد تقديم امتحانات الثانوية العامة، سألت عددا من الطلبة المتفوقين عن مدى صعوبة الأسئلة في ذلك الامتحان، فأجاب غالبيتهم: أنهم لم يكونوا يتوقعوا تلك الأسئلة، فقد جاءت مغايرة لما كانت عليه في سنوات سابقة... هذا يعني أنهم لم يستطيعوا التعامل مع الامتحان على أنه اختبار لمدى قدرتهم على الفهم والاستيعاب والتحليل والتركيب والتطبيق، ومن ثم الحكم، أو التقويم، أو الاستنتاج.. وأنهم تدربوا على الحفظ الذي لم يساعدهم على حل الأسئلة بالشكل الأمثل، حتى أن طالبة قد حصلت على نتيجة من المراتب الأولى أكدت لي أنها لم تتذكر شيء مما تعلمت بعد الامتحان مباشرة، وأنه لا يعنيها ما فات...

شتان بين أن يكون الإنسان صاحب فكر يحلل ويربط ، وبين أن يكون صاحب فكر يحفظ ويقبل ويرفض ضمن أسس ثابتة وسابقة لا يحيد عنها فقط لأنه وجدها بين يديه، ووجد نفسه في خضمها،فالنموذج الأول يمثل ثقافة الابداع التي تستند إلى نسبية الحقيقة وتعدد أوجهها، بينما يمثل النموذج الثاني ثقافة الذاكرة، أو الحفظ المستندة إلى مبدأ اليقين والحقيقة المطلقة.. وبين النموذجين فارق شاسع يظهر في الفكر والعمل؛ فالنمط الأول يدخل في إطار الوعي، ذلك أنه يمارس وعيه، بينما الثاني يدخل في إطار يضع فيه وعيه جانبا لا يستجيب فيه للتغيير أو لتبدل الأحوال والظروف والنظم المعرفية.. فيا أصحاب التربية أي النموذجين تريدون..؟؟

ليست هناك تعليقات: