الخميس، مايو 14، 2009

دور مصر لا يصنعه الخارج

صبحي غندور


الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد أعلن خلال حملاته الانتخابية بأنّه سيسعى إلى تحسين علاقات أميركا مع العالم الإسلامي، وبأنّه سيزور في حال فوزه دولةً إسلامية خلال المائة الأولى من حكمه لكي يخاطب منها شعوب البلدان الإسلامية. وقد حصل ذلك فعلاً حينما زار تركيا في مطلع شهر أبريل الماضي وخاطب المسلمين عموماً بكلمته التي ألقاها في مجلس النواب التركي. لكن فجأةً، أعلنت إدارة أوباما أنّ الرئيس الأميركي سيزور القاهرة في مطلع شهر يونيو ومنها سيخاطب العرب والمسلمين تنفيذاً لوعده السابق، علماً أنّ هذه الزيارة ستكون في المائة يوم الثانية من حكمه!!.

تُرى ما الذي حدث كي تصبح زيارة مصر هي الزيارة الموعودة؟!

أعتقد أنّ إدارة أوباما أدركت أنّ مخاطبة العالم الإسلامي من خلال تركيا لم تحقّق كلّ الأهداف المرجوّة منها. فالأمّة العربية هي قلب العالم الإسلامي وهي أرض المقدّسات الدينية، وهي الناطقة بلغة القرآن الكريم، ومنها خرجت الدعوة الإسلامية وروّادها الأول، وعلى أرضها ظهرت الرسالات السماوية كلّها. وكما أنّ الأمّة العربية هي قلب العالم الإسلامي، فإنّ مصر هي قلب الأمّة العربية، بغضّ النظر عن أنظمة الحكم فيها.

لكن هل تريد إدارة أوباما تكريم مكانة العرب ومصر في هذه الزيارة؟ لا أعتقد أنّ هذا هو الهدف. فالمرجوّ أميركياً الآن من زيارة أوباما لمصر هو تعزيز الموقف السياسي الذي تسير عليه الحكومة المصرية في سياستها تجاه الصراع العربي/الإسرائيلي، والملف الفلسطيني تحديداً، إضافةً إلى أهمّية الموقف المصري بشأن إيران وحلفائها بالمنطقة.

فالدعوة التي أطلقها أوباما لإيران للحوار معها قابلها حكّام طهران بالحذر وبالتحفّظات، في وقتٍ لم تتراجع فيه حركة "حكاس" عن موقفها الرافض للشروط الأميركية من أجل الاعتراف بها أو لقبول مشاركتها في حكومة وفاق وطني فلسطينية. وهذا الموقف تدعمه دمشق وطهران معاً، في الوقت الذي تتعامل فيه واشنطن مع حكومة إسرائيلية جديدة ترفض حتى الآن "حلّ الدولتين" وتريد العمل مع واشنطن والحكومات العربية وفق مقولة: "إيران أولاً"!!.

هنا تأتي أهمّية مصر وموقفها الآن بالنسبة لإدارة أوباما حيث يمكن توظيف هذا الموقف في إطار الضغوط الأميركية من أجل تسهيل عملية التسوية السياسية الشاملة للصراع العربي/الإسرائيلي، والتي بدأت إدارة أوباما الحديث عنها بأشكال مختلفة.

فمخاطبة العرب والمسلمين لا تحتاج من الرئيس أوباما أن يزور المنطقة، وقد فعل ذلك من خلال عدّة وسائل وفي مناسبات وأمكنة مختلفة. لكن المعنى الرمزي لزيارة أوباما هو المنشود أصلاً، كما حصل في زيارة تركيا لإظهار الدعم الأميركي لها أمام المجموعة الأوروبية، ولما هي عليه تركيا من نظام علماني ديمقراطي تدعمه واشنطن، وما هنالك من قواعد عسكرية أميركية في تركيا الدولة الإسلامية الوحيد العضو في حلف "الناتو"، والمجاورة لإيران والعراق وسوريا.

إدارة أوباما تدرك ما أدركه الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بأنّ مصر هي بوابة الأمّة العربية، وما يحدث فيها ينعكس سلباً أو إيجاباً على المنطقة كلّها. فمصر عبد الناصر في الخمسينات أحدثت تحولات كبيرة في بلاد العرب والمسلمين وأفريقيا، خاصّةً في مسألة التحرّر الوطني خلال حقبة مواجهة الاستعمار الأوروبي، كذلك كانت علاقات القاهرة مع موسكو الشيوعية هي المدخل الذي اعتمده الاتحاد السوفييتي للوصول إلى عدّة بلدان عربية وأفريقية.

حالة معاكسة حدثت بعد عبد الناصر حينما وقّع أنور السادات معاهدات كامب ديفيد مع إسرائيل برعاية الرئيس كارتر، فكان ذلك بداية خروج النظام السوفييتي من المنطقة وانتشار الهيمنة الأميركية عليها. ثمّ تأكّدت أهمّية مصر بالنسبة لأميركا وإسرائيل من خلال عدم حدوث حروب عربية نظامية ضدّ إسرائيل بلا مصر، رغم أنّ إسرائيل قامت في الثلاثين سنة الماضية بحروب عديدة ضدّ العرب كان من بينها احتلال أوّل عاصمة عربية (بيروت) في العام 1982.

إنّ موقف الحكومة المصرية الآن يقوم على علاقات سلبية مع طهران، وعلى موقف سلبي أيضاً من حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وسط حملة سياسية وإعلامية على حزب الله في لبنان وتشدّد في إغلاق الأنفاق والمعابر مع غزّة، مع دعم كبير لموقف السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.

وهذه المواقف عموماً تجد الآن دعماً سياسياً من واشنطن، خاصّةً أنّ مصر أيضاً أستقبلت نتنياهو كما هي تمسك بمصير المفاوضات الدائرة الآن بين الأطراف الفلسطينية لتشكيل حكومة جديدة.

إنّ توقيت زيارة أوباما للقاهرة سيكون بعد اللقاءات التي سيجريها في واشنطن مع محمود عباس ونتنياهو إضافةً للرئيس المصري، وهي لقاءات قد تثمر عن إعلان خطوات ترتبط بالمفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية وبمشروع مؤتمر دولي لتسوية شاملة في المنطقة. لذلك سيستخدم الرئيس أوباما زيارته للقاهرة للإعلان عن هذا التحرّك الأميركي القادم في المنطقة على أسس ما سبق من اتفاقات ومعاهدات وما هو مطروح في المبادرة العربية.

فالإدارة الأميركية الحالية تحرص على التعامل مع الملف الفلسطيني والصراع العربي/الإسرائيلي منذ بداية عهدها مناقضة ما كانت عليه الإدارات السابقة من إهمال هذا الملف إلى السنة الأخيرة من عهد أي رئيس أميركي. ولعلّ منبع هذا الاهتمام وهذه الأولوية هو ما جاء في توصيات "بيكر/هاملتون" من دعوة إلى التعامل الأميركي الجدّي مع هذا الملف نظراً لانعكاساته على كل الأزمات الأخرى في المنطقة، ولأنّ "الخصم الإيراني" يستفيد من تفجّر هذا الملف لتوسيع نفوذه في المنطقة، ولأنّ التطبيع بين إسرائيل وكافّة البلدان العربية والإسلامية يتطلّب تسوية شاملة على الجبهات الفلسطينية والسورية واللبنانية.

لكن من المهم أن يتذكّر العرب، أنّ كل الإبراز الإعلامي والسياسي الذي حدث في أميركا والغرب للرئيس المصري أنور السادات، وللرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لم يُزل الآثار السلبية الخطيرة التي نتجت عن معاهدات كامب ديفيد أو اتفاقيات أوسلو، حيث لم تحقّق هذه المعاهدات والاتفاقيات السلام الشامل، ولا الأمن ولا الرخاء بالمنطقة، بل كانت سبباً لممارسة إسرائيل قهراً أشدّ ضراوة، ولانقسامات خطيرة على الساحة العربية، ولمزيد من الظلم والعدوان على الشعب الفلسطيني وشعوب عربية أخرى.

فالمهم هو تكريم الشعوب لحكوماتها وليس تكريم الخارج لها، هو تضامن الداخل وليس صراعات أبناء الوطن الواحد، هو التنسيق العربي المشترك وليس سياسة المحاور، هو تحييد الخصوم وتعميق الصداقة مع أصدقاء القضية الفلسطينية وليس استقبال العدو نتنياهو على قرع حملات إعلامية وسياسية ضدّ من يقاتلون المحتل الإسرائيلي.

إنّ دور مصر القيادي في المنطقة لا يحتاج إلى شهادة من الخارج، ولا يصنعه الأجانب، فهو دور تصنعه الإرادة الوطنية المصرية وتحتضنه – حينما يسير في الاتجاه الصحيح – كل الأمّة العربية.

ليست هناك تعليقات: