الأحد، مايو 24، 2009

في انتظار خطاب أوباما "الإسلامي

نقولا ناصر
(إن إنهاء احتلال العراق وكل الترتيبات الناجمة عنه قد أصبح هو الشرط المسبق لنجاح المدخل الفلسطيني إلى شراكة عربية وإسلامية متكافئة مع أميركا والغرب)

بوجود مشروع قيد التنفيذ الناجح منذ ما يزيد على قرن من الزمن يهدد الأمة العربية في وجودها وفي روحها الإسلامية ويستهدف إعادة رسم خريطة وطنها الجغرافي وتفكيك وحدتها الديموغرافية وإعادة كتابة تاريخها وصياغة هويتها وثقافتها ، مثل المشروع الصهيوني المنطلق من فلسطين ، فإن العرب ، وفي مقدمتهم الفلسطينيون ، ليسوا بحاجة بالتأكيد إلى كسب المزيد من الأعداء ، وبخاصة استعداء القوة الأميركية الأعظم في التاريخ .

لكن التجربة العربية منذ إنشاء دولة المشروع الصهيوني في فلسطين قبل ما يزيد على ستة عقود من الزمن قد فشلت تماما في تحييد القوى العظمى المسؤولة عن إنشائها واستمرارها وتوسعها الإقليمي المتواصل ، بدءا من الامبراطوريتين الاستعماريتين الأوروبيتين البريطانية والفرنسية وانتهاء اليوم بوريثتهما الأميركية ، بالرغم من أن الجهود العربية لتحييد هذه القوى تجاوزت الخطوط الوطنية الحمر لسيادة دول التجزئة العربية بانخراط معظم هذه الدول في الاستراتيجية العالمية والإقليمية لهذه القوى ، وبخاصة الأميركية ، حد ارتهان أمنها الوطني للمظلة الأمنية الأميركية ، وحد ارتهان البحث عن تسوية سياسية للصراع مع دولة المشروع الصهيوني للوساطة المنحازة وغير النزيهة للقوة العظمى الأميركية وتوابعها الأوروبية .

وفي اللحظة التاريخية الراهنة يقف النظام الإقليمي المفكك لدول التجزئة العربية متلهفا في انتظار كلمات يطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه المنتظر من القاهرة في الرابع من حزيران/يونيو المقبل تقرر مصير هذا النظام ومستقبل صراعه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي . وهذا النظام الذي فقد أي قدرة له على المبادرة منذ استكان لانهيار الحد الأدنى من التضامن القومي بين دوله في إطار منظومته الإقليمية التي ما زالت قائمة صوريا باسم جامعة الدول العربية منذ سحقت الطائرات والدبابات الإسرائيلية الغازية الحد الأدنى لأي "دفاع مشترك" بين دوله عام 1967 ، لا يكتفي اليوم بالوقوف دون أي حراك ذاتي مبادر سوى المبادرة إلى اقتراح مشروع عربي يستهدف تسهيل المشروع الأميركي الإقليمي للمنطقة ، بل إنه تجند في "الحرب العالمية على الإرهاب" التي تقودها واشنطن والتي تخلط خلطا مدروسا بين الإرهاب وبين المقاومة للمشروعين الصهيوني والأميركي لكي يحارب هذا النظام القوى الشعبية المقاومة الوحيدة الباقية ، بدل أن يوظفها في الأقل من أجل تحسين شروط التسوية السياسية التي يسعى إليها للصراع ، ناهيك عن توظيفها لخدمة تغيير في معادلة الصراع يمكنها أن تجعل حتى التسوية السياسية التي يسعى النظام العربي إليها تمتلك حدا أدنى من العدل .

واللافت للنظر أن النظام العربي الذي يقترح اليوم مبادلة الأرض العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان عام 1967 بالسلام مع سبعة وخمسين دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي ، قد ضخم حجم الجائزة التي يعرضها على دولة الاحتلال الإسرائيلي للموافقة على إنجاز هذه المبادلة المقترحة لكي تصبح الجائزة إسلامية بعد أن عجزت جائزة "مبادرة السلام العربية" عن إغرائها بالمبادلة المقترحة .

لكن اللافت للنظر أكثر أن النظام العربي ومعارضوه قد بدأوا يتعاملون مع المقترح العربي الجديد باعتباره حقيقة ينتظرون فقط إعلان أوباما عنها في صيغة مبادرة رسمية أميركية جديدة ، وأصبحوا يطلقون عليها اسم "خطة أوباما" ، بل إنهم أصبحوا يتبادلون الاتهامات والحرب الكلامية بين مؤيد لها وبين معارض ، وبلغ الأمر ببعض المعارضين الفلسطينيين حد وصفها ب"المؤامرة" ، ليتهيأ الجو لاصطرع فلسطيني – فلسطيني وعربي - - عربي جديد في سلسة الحروب العربية الدينكوشوتية التي تستمر في صرف الأنظار عن الأعداء الحقيقيين الذي ينبغي خوض المعارك معهم .

لقد وصف أوباما بعد استقباله رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بواشنطن في الثامن عشر من الشهر الجاري الوضع الراهن بأنه "فرصة تاريخية" للتحرك الجاد من أجل السلام الإقليمي ، وربما لم يجانب الحقيقة في هذا الوصف ، فالمقترح العربي يبني على ما حققه المشروع الصهوني وما حققه المشروع الأميركي الإقليمي من إنجازات ، بالاعتراف بما حققه المشروعان انطلاقا من فلسطين ومن العراق ، وهذه حقا "فرصة تاريخية" لأصحاب المشروعين ، وهي بالتأكيد أيضا لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ الوطن العربي وحاضنته الإسلامية .

غير أن التدقيق في ما يوصف بأنه خطة "جديدة" تنسب إلى أوباما يكشف بأنها ليست جديدة وليست خطة أوباما بقدر ما هي نسخته من المشروع الأميركي الذي بدأت إدارة جورج بوش السابقة في تنفيذه انطلاقا من العراق ، وبأن ما يوصف بخطته "الفلسطينية" ليست خطة فلسطينية بقدر ما هي مدخل فلسطيني إلى المشروع الأميركي الإقليمي نفسه .

فكل المؤشرات التي تؤكدها التصريحات الرسمية ، أو في الأقل لا تنفيها ، تتحرك باتجاه بلورة "عملية سلام" أميركية جديدة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه عشرون سنة من المفاوضات الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ، عن طريق تعويم الحل الثنائي للصراع بتعريبه وأسلمته ، في سياق استراتيجية إقليمية أميركية – إسرائيلية توظف الحل المنشود في عملية جديدة عمادها دمج دولة الاحتلال كحجر زاوية في منظومة إقليمية تعيد رسم خريطة الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وهذا هو نفسه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي أعلنته إدارة المحافظين الجدد الجمهورية السايقة وفشلت في إخراجه إلى حيز الوجود قبل أن تلتقط إدارة أوباما الديموقراطية الجديدة المشروع الآن علها تنجح في ما فشلت فيه إدارة جورج بوش الإبن السابقة .

وإذا كان هناك من لا يزال يشك في هذا الإطار الإستراتيجي ل"حل الدولتين" ، أو يشك في الدور الوظيفي للدولة الفلسطينية المنشوده في خدمته ، فإن عليه مراجعة ترتيب أولويات باراك أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع نتنياهو في الثامن عشر من الشهر ، وفي رؤيته لموقع دولة الاحتلال في هذا المشروع .

فقد تحدث أوباما أولا عن العلاقات الثنائية ، فإيران ، ثم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، ليصف محادثات الرجلين بأنها كانت "سلسلة مثمرة بصورة استثنائية من المحادثات" ، التي استغرقت أربع ساعات منها ساعتان على إنفراد ، ويصف العلاقات الثنائية ب"الاستثنائية" و "الخاصة" و "التاريخية" و "العاطفية" أيضا ، ويشيد بدولة الاحتلال ك "حليف راسخ" يمثل "الديموقراطية الحقة الوحيدة" في الشرق الوسط ومصدرا "لإعجاب وإلهام" الشعب الأميركي ، ويتعهد بضمان أمنها ك"دولة يهودية مستقلة"ويؤكد بأن أمنها يحتل المرتبة الأولى "في سياساتي" باعتباره جزءا من الأمن القومي الأميركي ، قبل أن يمتدح "المهارات السياسية" لنتنياهو و"رؤيته التاريخية" ، ويعد بانه سوف يكون أهلا للعمل من أجل "الهدف طويل الأمد ... ليس (من أجل) سلام على مضض ، وليس من أجل سلام مؤقت ، بل سلام إقليمي واسع النطاق" ، ولم يبق إلا أن يصفه -- كما وصف سلفه بوش رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون -- بأنه "رجل السلام" في المنطقة !

غير أن هذه الرسالة الأميركية الواضحة قد غيبها المفاوض العربي والفلسطيني بالتركيز على تكرار أوباما الممجوج لالتزام سلفيه ب"حل الدولتين" وتكراره لأسطوانة أسلافه المشروخة بالدعوة منذ عام 1967 إلى وقف الاستيطان ، ليشغل تركيزه هذا عناوين الأخبار في كل وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية في انتقائية ساذجة حولتها عمليا إلى وسائل إعلام تنقل بصورة انتقائية أيضا رسالة أميركية مجتزأة تسعى إدارة أوباما والمراهنون العرب والفلسطينيون عليها إلى نقلها ، باللغة العربية ، وبطريقة تعتم على المضمون الحقيقي للخطة الأميركية .

إن خطاب أوباما المنتظر من القاهرة إلى العالم الإسلامي لم يعد بحاجة إلى الانتظار حقا ، فاختيار عاصمة الحليف المصري للولايات المتحدة واستراتيجيتها الإقليمية هو في حد ذاته إشارة مسبقة كافية إلى مضمونه وللرسالة التي ينوى إرسالها إلى العرب والمسلمين ، وربما أعفى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في خطابه الأخير في مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أوكسفورد المحللين من مهمة الاقتباس من المعارضين للاستراتيجية الأميركية ولحلفائها عندما قال إن "غزو العراق ، وما أعقبه ، قد أثار إحساسا بالمرارة وعدم الثقة والاستياء" بين العرب والمسلمين يرتبط "بتاريخ العلاقات بين أوروبا وبين العالم الإسلامي الذي تميز بالغزو والصراع والاستعمار" .

صحيح أن الحل العادل والشامل للصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين قد أصبح هو الشرط المسبق لأي شراكة عربية وإسلامية مع أوروبا وأميركا في المستقبل ، وصحيح كذلك أن مثل هذا الحل قد أصبح قناعة لدى الاستراتيجيين الأميركيين باعتباره المدخل لنجاح أي خريطة أميركية جديدة للإقليم الشرق الأوسطي ، وأن استحقاق هذا الحل قد تاخر أكثر من اللازم ، غير أن الحقيقة الاستراتيجية الجديدة فعلا التي ما زالت غائبة عن إدراك صناع القرار الغربيين هي أن هذا المدخل لم يعد كافيا لوحده سواء للشراكة المنشودة أم للاستقرار والأمن في المنطقة ، فقد أضاف الاحتلال الأميركي للعراق شرطا مسيقا جديدا ، فإنهاء هذا الاحتلال وكل ما تمخض عنه قد أصبح هو المدخل الحقيقي ويكاد إنهاؤه يتقدم في أولويته الاستراتيجية على أي حل للصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين عادلا كان أم غير عادل .

في الحادي والعشرين من الشهر الجاري كتب المحلل البريطاني باتريك سيل: "لذلك ، فإن إسرائيل وأصدقاءها المحافظين الجدد في واشنطن قد ضغطوا دون كلل طوال عقد التسعينات من القرن الماضي من أجل الإطاحة ب(الرئيس العراقي) صدام باعتبار الإطاحة به هي الخطوة الأولى لإعادة هيكلة كاملة للعالم العربي ، وكان لا بد للولايات المتحدة من اقتلاع القومية العربية والحركات الإسلامية والتطرف الفلسطيني جميعا لكي تصبح المنطقة آمنة لإسرائيل في المستقبل المنظور ... لكن الأمور لم تسر حسب ما تشتهي سفنهم ... فقد قاد ذلك إلى رفع إيران إلى مستوى قوة إقليمية عظمى ... بعد أن هدرت الولايا المتحدة قواها البشرية وأموالها وسمعتها في حرب ما كان ينبغي لها أن تخوضها أبدا" . لذلك فإن إنهاء احتلال العراق وكل الترتيبات الناجمة عنه قد أصبح هو الشرط المسبق لنجاح المدخل الفلسطيني إلى شراكة عربية وإسلامية متكافئة مع الغرب ، ليس في الوطن العربي بل في الشرق الأوسط بكامله .

*كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: