الأحد، مايو 17، 2009

ظاهرة ادمان شخص العماد عون

الياس بجاني
محزن جداً الحال الفكري والنقدي المشوش عند شريحة كبيرة من مؤيدي العماد ميشال عون، فهم يعانون من ظاهرة: "إدمان شخص عون".
نعم أدمنوا شخصه وأمسوا يعتبرون كل ما يقوله هذا الرجل ويفعله مقدس ومنزل ومن الواجب "الإلهي" الملزم لهم التقيد به دون سؤال أو فهم ومعرفة، وحتى دون الإلمام بخلفياته وتفاصيله وعواقبه.

أن كل من يؤيد خيارات وتحالفات وعداوات وصداقات واتهامات وخطاب العماد عون السياسي هو وطني بامتياز، ومن يعارضه وينتقده هو خائن وعميل ومرتشي "ومع قوات جعجع وعم يقبض من الحريري". "العونيون هم فئات تجمعت لأنها تكره إما بيت الحريري، وإما البطريرك الماروني، وإما سمير جعجع، أو غيرهم"، هذا ما قاله السفير جوني عبدو أمس في مقابلة له مع الإعلامي وليد عبود، وفي هذا القول الكثير من الحقيقة.

هذه هي معايير هؤلاء العونيين الأكارم كما تُبين ممارساتهم، وأقوالهم، وطريقة تعاطيهم مع الآخرين، وفهمهم للأمور وأحكامهم عليها.

في كل مرة أتناول ممارسات وخيارات العماد عون في مقالة من مقلاتي، وأذكّر بخطابه ووعوده وعهوده وشعاراته ما قبل العودة من المنفى، يصلني بالبريد الالكتروني عدد من الرسائل تتهمني بالخيانة والرشوة، مستعيرين من مفردات قاموس، "تحت الزنار والبسينات وحفر القبور"، الذي أدخله العماد عون إلى الحياة العامة اللبنانية بعد تحالفه مع حزب الله، عقب توقيعهما ورقة التفاهم "الخطيئة المميتة" بحق لبنان الكيان والرسالة والهوية والشهداء والسيادة والحريات والتعايش والمغتربين والمبعدين والمعتقلين في سجون سوريا البعث.

في هذا السياق وصلتني في الثامن من الشهر الجاري الرسالة الغاضبة التالية من السيد ج.ح: "عزيزي الياس: كيف، ولماذا تؤيد مرشحي الرئيس نبيه بري في جزين ضد مرشحي العماد عون. أنت خائن حقيقي للمسيحيين. في البداية لم أريد أن أصدق ما كان يصلني عنك عن طريق الأصدقاء القادمين من كندا، ولكن الآن أنا متأكد أنك من أتباع قوات جعجع، وخائن وطاعن في الظهر للأحرار المسيحيين، صدقني أمثالك لا يمكن الوثوق بهم، أنت خنت ناسك وما هي ضمانة من أنت معهم الآن بأنك لم تخونهم هم أيضاً".

بداية لم نخن العماد عون، ولا الوطن، ولا المسيحيين، ولا القضية التي كنا ولا زلنا نؤمن بها وجدانياً وضميرياً وفكرياً ووطنياً دون خجل وقيود أو حدود قبل أن يعرف لبنان عون، ونحن بكل فخر وجهاراً لا زلنا في نفس الموقع وقناعاتنا وثوابتنا هي هي، ولن تتغير بإذن الله أو تتبدل تحت أي ظرف، ولكن العماد عون هو الذي ترك كل شيء، وتخلى عن كل شيء، ونقض كل شيء، وانقلب على ذاته، وراهن على القميص والبنطلون، والتحق بحزب الله وبمخطط النظامين الإيراني والسوري، وأصبح غطاءً اسخريوتياً لسلاح حزب الله ولدويلته وحروبه، ولكل ممارساته الإرهابية والأصولية والميليشياوية في لبنان والدول العربية والعالم بأجمعه.

ملفت في محتوى الرسالة محدودية أفق صاحبها الفكري حيث أنه يعتبر أن كل من يدعم الرئيس بري في جزين هو خائن للمسيحيين. والأخ هذا مثله مثل الكثيرين من الذين بقيوا مع عون وبسبب إدمانه شخص هذا السياسي يتعامى كلياً عن تحالفه وتحالف تياره العوني مع بري وحزب الله وسوريا وإيران والقومي والبعثي ضمن إطار تجمع 8 آذار.

إن رؤيا صاحب الرسالة هي نفقية Tunnel Vision بامتياز، فهو بالتأكيد لا يرى أبعد من أنفه وباتجاه واحد فقط. وطبقاً لمفهومه المشوش والمسطح فالرئيس بري في جزين، غير الرئيس بري في كل المناطق اللبنانية الباقية، وهذا أمر خطير وثقافة وفهماً حيث يبين أن فكر هذا الرجل وقدرة أحكامه على الأمور هي كلها في إجازة، إن لم نقل في حالة تخدر وشرود كاملة.

ما يغيب عن فكر ومنطق وبصيرة ومعايير الكثيرين من مدمني شخص العماد عون، أنه بما يخص الشأن الوطني والسياسي والحزبي لا تقاس الأمور بالحب والكراهية والحقد والضدية، بل بالمواقف والطروحات والبرامج والتحالفات والصدق والشفافية، إما أن نقبلها وندعمها ونسوّق لها، أو نرفضها ونعارضها ونحاول بالطرق الديموقراطية إسقاطها.

طبقاً لهذا المفهوم الواضح كنا نؤيد طروحات وخط العماد عون وشعاراته ومواقفه يوم كان في المنفى لأنها كانت تتناسب وتتوافق مع قناعاتنا وتطلعاتنا بما يخص الوطن ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ومصير المواطن عموماً والمسيحي فيه ضمن أطر الحرية والسيادة والاستقلال والتنوع والفرادة.

بعد عودة العماد من المنفى، طرح خلال الإنتخابات النيابية لسنة 2005 برنامجاً سياسياً محدداً طالب اللبناني المسيحي على أساسه الاقتراع لمرشحيه، فوثق به ما نسبته 72% من المسيحيين وصوتوا لمرشحيه، مما أوصل له إلى المجلس النيابي كتلة من 22 نائباً.

بعد وصوله إلى ساحة النجمة انقلب الرجل على كل طروحاته، ونعى ماضيه، ونحر كل شعاراته، وانتقل إلى تحالف محور الشر السوري الإيراني، حتى أصيح ماضيه يخجل من حاضره.

وها هو اليوم ودون أن يرمش له جفن متحالف مع حزب الله، وزاهر الخطيب، والحزب القومي، والحزب البعثي، وعبد الكريم مراد، وإيلي الفرزلي، وأسامة سعد، وعمر كرامي، ونجاح واكيم، وكريم بقرادوني، واميل لحود، وناصر قنديل، ووئام وهاب، وباقي كل أنفار ربع جماعة "شكراً سوريا".

حج إلى طهران والشام، ولبس عباءة الإخوان التي طالما اعتبرها شعاراً للخيانة والتبعية والإذلال "والسورنة"، عادى ويهاجم رأس الكنيسة المارونية غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، ويسعى إلى إسقاطه واستبداله، وهو يزرع في نفوس وعقول مؤيده موبؤات الكره والحقد والتشنج والعصبية والإنغلاق ورفض الآخر.

تخلى عن حقوق المغتربين في ورقة تفاهمه مع حزب الله، وعن كل ما كان يعتبره سلطة واحدة ومؤسسات دولة وأحادية قرار ومرجعية، ومجتمع مدني، ووصل التقهقر في ورقته إلى حد تسمية الاحتلال السوري بالتجربة التي شابتها بعض الأخطاء.

تخلى عن قضية المعتقلين في السجون السورية، وربطها بملف كل المفقودين اللبنانيين والسوريين خلال سنوات الحرب، ومن على أحدى شاشات التلفزة قال بأن لا وجود لأي معتقل من حزبه في سوريا. إضغط هنا للإستماع لشهادة نكرانه بصوته http://www.youtube.com/watch?v=SlPdszrDP2E

علماً أن الرجل كان اعتبر في وثيقة حزبية قبل عودته من المنقى أن تياره تأسس قبل سنة 1988،� مما يعني أنه أنكر كل العسكر الذين خطفهم الجيش السوري خلال عمليه اجتياحه للمناطق المحررة سنة 1990.

وبعد أن كانت مزارع شبعا عنده كذبة كبيرة، وحزب الله إرهابي، وإيراني التمويل والقرار والعقيدة والقيادة والأهداف، وبعد أن كان يجاهر بأن حزب الله لم يحرر الجنوب، بل أخر تحريره 14 سنة، وأن هجر الجنوبيين، ها هو اليوم يتبنى كل برنامج حزب الله الذي يناقض كل ما كان يسوّق له من قضايا وملفات وقناعات وشعارات ومطالب.

وقد وصل به أمر الجحود والنكران إلى أن يطلب من اللبنانيين أن يعتذروا من النظام السوري، بعد أن كان هذا النظام في خطابه هو قايين الذي قتل أخيه هابيل (لبنان) وحاضن ومصدر لكل المنظمات الإرهابية، وتطول، وتطول بطول اوتوستراد الشام بيروت اسخريوتيات هذا السياسي.
اضغط هنا للاستماع للعماد وهو يعبر بقوة ومن الولايات المتحدة عن موقفه من النظام السوري الإرهابي والستاليني
http://www.10452lccc.com/audio/aoun.usa7.9.02.wma

باختصار العماد عون هو من ترك التيار الوطني الحر وانقلب على كل ما� يرمز إليه من مفاهيم السيادة والحرة والاستقلال، والحريات، والتعايش، واستبدله بالتيار العوني الملحق بحزب الله وبالحلف السوري-الإيراني.

من هنا فإن كل من يقترع من المسيحيين اللبنانيين تحديداً في 7 حزيران المقبل للعماد ميشال عون ولمرشحيه، فهو يقترع بامتياز لمشروع حزب الله الأصولي والشمولي والإرهابي،
وهو يقترع للإطماع السورية والإيرانية التوسعية الهادفة إلى ضرب الكيان والنظام والدستور والهوية وإقامة دولة لولاية الفقيه في لبنان على شاكلة الجمهورية الإسلامية في إيران،
وهو يقترع لمنطق السيد حسن نصرالله الذي اعتبر أن غزوة 7 أيار 2008 الجاهلية والبربرية والإجرامية هي يوماً مجيداً من أيام المقاومة،
وهو يقترع لهرطقة حزب الله القائلة إن سلاحه مقدس وباق طالما بقي القرآن والإنجيل، ولمنطق التهديد بقطع أعناق وأيدي كل من يحاول نزعه،
والأخطر هو يقترع لثقافة الموت والانتحار ورفض الآخر والبربرية، ومن عنده أذنان صاغيتان فليسمع.

ليست هناك تعليقات: