الثلاثاء، ديسمبر 16، 2008

و"للحذاء" وظائف أخرى

د. صلاح عودة الله
لا تأسفنّ على غدر الزمان لطالما**رقصت على جثث الأسـود كلابُ..لا تحسبنّ برقصـها تعلـو على أسيادها**فالاسدُ أسدٌ والكلابُ كلابُ..تبقى الأسود مخيفةً في أسـرها**حتى وإن نبحتْ عليها كـــلابُ..!. لم يفاجئنا اعتراف جورج بوش"بأنه لم يكن مستعدا للحرب عندما قام بغزو العراق".. ويمضي مستطردا في اعترافه" بأن الاسف الأكبر طوال حياته:أنه اعتمد على تقارير مخابراته غير الصحيحة".. وقد اعترف قبله الكثير ممن اشتركوا معه في هذه الجريمة من المسئولين الامريكيين و في مقدمتهم وزير خارجيته في بداية الغزو كولن باول الذي اعتذر عن"الاكذوبة" التي طرحها في مجلس الامن والتي تتحدث عن وثوقه بالتقاريرالتي قدمتها أجهزة مخابراتهم عن امتلاك العراق ايام الحكم الوطني للأسلحة ذات التدمير الشامل وعن علاقته بالقاعدة وكانت هذه الاكذوبة سببا في غزو العراق وتدميره..وكانت في ذات الوقت سببا في ان تخسر امريكا احلامها في أن يكون القرن الحادي و العشرين قرنا امريكيا بلا منازع. لم يتفاجأ العالم كله أيضا بهذا الاعتراف,لأنه كان يعلم بحقيقته، لكن العملاء الذين نصبهم الاحتلال حكاما على العراق المحتل، تفاجأوا..لأن هذا الاعتراف رفع الغطاء عن خيانتهم ودونيتهم التي قادت فيها تقاريرهم لاحتلال العراق وان يأتوا على ظهور الدبابات الامريكية أذلاء خاسئين كما تم سحب البساط من تحت اقدامهم, وأكد زيفهم كحكام أمام العالم وأمام ابناء الرافدين وليكونوا اهدافا اساسية له ولفصائل مقاومته الباسلة التي اوصلت هذا الرئيس"الأبله" بوش الى هذا المصير غير المحسود عليه..وسيكون حساب التأريخ لهم ولهذا الأبله اقسى وأمر..وسيذكرالعالم بوش كما يذكرالعالم اليوم كل الطغاة في التاريخ من امثال الطاغية المجنون"نيرون" الذي قتل امه واحرق عاصمته"روما" وجلس على ركامها يغني ويرثي روما وامه,ولم لا؟..فان بوش دمر بلده عسكريا واقتصاديا وسياسيا في نزوته الشريرة الخاصة بالاعتداء على العراق. وانتهى به الامر بان يندب حظه العاثر ويرمي بالمسؤولية على تقارير مخابراته الكاذبة. ان الامر لم يتوقف عند حدود الاعتراف بالخطأ بل بالجريمة التي دمرت بلداً أسمه العراق وتسببت باستشهاد مليوني مواطن عراقي وتدميرالعلاقات السياسية بين بلدان المنطقة وتشريد اكثر من خمسة ملايين عراقي يهيمون في بلدان الشتات وتدمير البنى التحتية للمشاريع العملاقة التي بنتها ثورة البعث وقضت على أهم واعظم تجربة تنموية نشأت في دول العالم الثالث واغتالت قادة العراق الوطنيين بتهم كاذبة عن طريق محاكم خاصة بالاغتيال وقضاة خونة باعوا وطنهم وشرفهم لشيطان الاحتلال، وقد كان على رأس هؤلاء القادة شهيد الحج الأكبر صدام حسين المجيد وكوكبة الشهداء الاخرين..كما جعلت هذه الجريمة من العراق سجنا كبيرا يضم"27" مليون اسيرا ومهجرا اضافة الي الأسرى الحقيقيين في سجون قوات الاحتلال وسجون وسراديب المجازر البشرية لحكومة الاحتلال. والى الحكام العرب اقول: كونوا رحماء بأبناء العراق الذين نزفوا الدماء دفاعا عن اقطاركم, لاحبا فيكم بل بالشعب العربي الذي تحكموه في اقطاركم.. واعيدوا حساباتكم لتكونوا مع واقع الامة ومخاضها الجديد،يحبكم الشعب ويحلف برأسكم, فالحياة فانية..ولن يبق لنا الا الذكر الطيب..كونوا كما قال كريم العرب"حاتم الطائي" لزوجته ماوية: أماوية ان المال غاد ورائح**ويبقى من المال الاحاديث والذكر.

"الأمة التي تموت دفاعاً عن أرضها تعود وتقوم لها قائمة، والأمة التي تستسلم على أرضها لن تعود وتقوم لها قائمة"..ونستون تشرشل. قام الرئيس الأمريكي ومجرم الحرب العالمي جورج بوش بزيارة وداعية مفاجئة للعاصمة العراقية بغداد، وقع خلالها مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الاتفاقية الأمنية بين البلدين، وذلك في خطوة رمزية اكثر منها قانونية..ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن, حيث أن هذه الزيارة التي بدت ناجحة في مطلعها، انتهت وأثناء المؤتمر الصحفي بين بوش والمالكي بارباك كبيرعندما قام مراسل قناة "البغدادية" الصحافي منتظر الزيدي الذي كان واقفا بين المراسلين برشق حذائه باتجاههما قائلا "هذه قبلة الوداع يا كلب", وحاول المالكي حجب بوش ليمنع تلقيه الضربة.وقد سارع عناصر الحراسة الاميركيين وعناص الأمن العراقي الى اقتياد الصحفي الذي كان يصرخ بأعلى صوته الى خارج القاعة, بينما كان رد فعل بوش على الحادث ابتسامة وجملة: "لقد قام بذلك من اجل لفت الانتباه اليه, هذا الامر لم يقلقني ولم يزعجني..اعتقد ان هذا الشخص اراد ان يقوم بعمل يسالني الصحفيون عنه, وشخصيا لم اشعر بأي تهديد وكل ما أذكره أن مقاس الحذاء 10 ". نعم, وكالعادة فقد انشغلت ذاكرة زعيم الارهاب العالمي بوش بمقاس حذاء الزيدي ونسي هديته الثمينة له:"هذه قبلة الوداع أيها الكلب" ، وسيغادر دون أن يتعلم درساً واحداً في حياته ، ودون أن يشعر بخجل مما صنعت يداه أو مما تلقاه من تكريم عز نظيره.. ولا عجب ، فمن دشن حياته بتلقي الإهانات لن يضيره أن يتلقى الأحذية, وكما يقال بالعامية"لقد تمسح جلده".. أما أوباما وفريقه القادم ومن ورائه شعبه فمن المؤكد أنه لن يشمت بسلفه ، لكن عليه أن يفهم أن ضربة الحذاء في بغداد تشبه تماماً ضربة 11 سبتمبرفي نيويورك عام 2001 عندما تم تدمير برج التجارة العالمي ، وهي المرة الثانية التي تتعرض فيها الولايات المتحدة لإهانة بالغة لن تمحوها كل الأساطيل الحربية والأمنية التي سخرت لحماية أمريكا ورموزها العظمى التي لم تفلت من الضرب حتى بالجزم بدء من أبراج منهاتن ومروراً بفخامة الرئيس الإمبراطور وانتهاء بعلم بلاده الذي طالته الفردة الثانية من حذاء الزيدي. وعلى الفور نهض صحافي عراقي قائلا"انني اعتذر باسم الصحافيين العراقيين", وأجابه بوش"اشكركم على ذلك، فأنا مقتنع بأن العراقيين ليسوا كذلك..ان مثل هذه الأمور تحدث عندما تكون هناك حرية". ان حذاء منتظر الزيدي تكلم بلغه مختصره يفهمها كل من شاهده وهو يلقي بحذاءه في وجه بوش, فالكلام قد نفذ ولم يعد هناك مجال للحديث وسماع تبجح بوش ببناء العراق الجديد ودعم ديمقراطيته من خلال الطائفيين أمثال نوري المالكي..هذا الحذاء انتقم لأغلبية الشعب العراقي المقهور والمغلوب على امره, ولم يلقى بوجه بوش لوحده بل بوجه كل المحافظين الجدد ومن كان لهم دور بتدمير العراق أمثال ديك شيني وريتشارد بيل، وحلفاءه وعلى رأسهم حليفه الذي ودع السياسة قبله توني بليررئيس وزراء بريطانيا السابق وممثل الرباعية الدولية, ومن دخل عالم الولاء وتأييد الحرب على العراق أمثال الرئيس الفرنسي ساركوزي, وبوجه كل المتعاونين والصامتين والمتخاذلين وبائعي الذمم. وبالعودة الى ضربة الحادي عشر من سبتمبرعام 2001 وضربة بغداد الحالية فنقول: ان ضربة بغداد هذه لن يستطيع أن يقوم بمحوها الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق ولا ألف احتلال ، ولن يستطيع أن يمحوها من سيخلف بوش في البيت الأبيض سود الله وجهه..انه أوباما صاحب البشرة السوداء والذي سيزيد سواد هذا البيت.. ولن يمحوها التاريخ ، ولن تستطع موسوعة جينيس العالمية ولا أشباهها أن تتجاهلها من التوثيق كحدث فريد لحذاء فريد أشهر ألف مرة ومرة من حذاء الرئيس السوفييتي الأسبق خروتشوف وهو يطرق به طاولة مجلس الأمن الدولي إبان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956..نعم, لقد خلع خروتشوف حذاءه وتركه على الطاولة، وقال"باستطاعتي أن أغير مجرى التاريخ"..وفي حادثة مشابهة خلع خروتشوف حذاءه في اجتماع الأمم المتحدة أبان أزمة خليج الخنازير الكوبية في مطلع ستينيات القرن المنصرم وجعل يضرب به على المنصة في تحد صارخ لجميع الحاضرين. وفي سياق ضربة بغداد التاريخية نذكر أوباما وحاشيته وكذلك شعبه أن يقوموا بتعلم الدرس والأخذ بالعبر, وأن يفهموا جيدا بأن العرب والمسلمين كانوا على موعد مع التاريخ حين سجل بأنهم أول من أذل الأمريكيين في عقر دارهم في سبتمبر 2001 وأول من لطم رئيس أقوى دولة في العالم بأحذيتهم. ان هذه الضربة طالت الإرادة الأمريكية الشعبية التي نصبت بوش مرتين على رأس الهرم السياسي الرمز الأعظم للاتحاد الأمريكي، وعلى الشعب الأمريكي أن يدرك أنه سيدفع الثمن، بالأحذية، هو ورئيسه لقاء ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعوب والأمم ولقاء غطرستهم واستهتارهم بحياة البشر.ان هذه الضربة كانت بمثابة فضيحة مدويةً ضد ما يسمى بالاتفاقية الأمنية..والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي قيمة اتفاقية لم تستطع أن تحمي بوش من فردة نعل تصفع وجهه؟ أما أولئك الذين وقعوا عليها وقدموا لها التبريرات الشرعية المزيفة لتمريرها فكثير عليهم أن يحظوا حتى بشرف إحدى فردات نعل الزيدي. ان ضربة بغداد ستسجل في التاريخ أن الأحذية العربية التي خلعت من الأقدام لتقاتل أضحت أثمن من السيوف التي تسلمها بوش أثناء ارتكاب الصهاينة لمجزرتهم الأخيرة بحق أبناء شعبنا في غزة وبضوء أخضر منه, هذه السيوف, سيوف الفتوحات الاسلامية التي تراقص بها شامتاً وساخراً من أصحابها السخيين بعض زعماء دول الخليج.ان هذه الضربة تأتي أيضا ردا على كل المنادين بالتخلي عن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لصالح المقاومة السلمية والقبول بالمفاوضات العبثية في العراق وفلسطين. منتظر الزيدي سوف يعاني بسجنه- والله أعلم- ماذا سيكون مصيره، لكن لو كان هذا الحذاء القي في أمريكا أو أي بلد غربي بوجه زعيم عربي أو بوجه نوري المالكي أو حتى بوجه أي زعيم عالمي لكان الأمر مختلفا طبعا سوف يخرج كل الصحافيين متضامنين تحت مظلة حرية الرأي وبالتأكيد سوف يخرج من فعلها بكفالة. باعتقادي كل مناوئي الحرب رقصوا طربا حتى داخل أمريكا نفسها والكل "فش غله" برمية الحذاء هذه التي وقف منها بوش مأخوذا لثواني قبل أن يستعيد رباطة جأشه وسط مراقبة المالكي لتعابير وجهه. وسنرى كيف سيتعامل دعاة الحرية وحقوق الإنسان وحرية التعبيرعن الرأي مع منتظر الزيدي الصحفي"المعتدل" الذي فاضت به الكأس ولم يعد قلمه يحتمل المزيد من النفاق. أما العرب فستجد منهم من يسارع إلى الإدانة ، وآخرين سيتبرؤون من بوش ويحملونه مسؤولية أفعاله ، وقسم آخر سيجتهد في النأي بالسيد الجديد أوباما عن أي انتقاد بل والثناء عليه وتقديم المواعظ والنصح له كما نصحوا لبوش من قبله.جورج بوش طبعا أنهى حقبة ثماني سنوات من الحروب الدامية بهدية وتذكار من الشعب العراقي لكن ليس ورودا ورياحين بل حذاء سيلاحقه طيلة حياته وسيسجل كعلامة فارقه لانتهاء ولاية رئيس أمريكي..رئيس كل تاريخه مليء بالحقد والكراهية وسفك الدماء والارهاب.
وهنا تحضرني أبيات لشاعر المقاومة الفلسطينية الراحل محمود درويش استلهمها, وهو القائل:" نيرون مات ولم تمت روما، بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل..!". وجدت في هذه ألابيات عزاءا كبيرا ويقينا يطمئنني على مستقبل العراق وشعبه رغم القتل والدمار والحروب التي طالت الشجر والحجر والانسان والتاريخ في ذلك البلد الموغل في العراقة، مهد الحضارة الانسانية الذي علم البشرية الكتابة والقراءة واخترع الأبجدية والعجلة..نعم اخترع الأبجدية والعجلة، الاختراعين الأهم والأعظم في تاريخ البشرية..لذلك نقول ستنتصر بغداد وستتطهر بماء دجلة وتغسل أقدامها التي لوثها أعدائها الذين لن يطولوا قامتها لأنهم مغول العصر العابرون اما هي فباقية ما بقي الزمان تحرس أمجاد بني العباس وشرائع حمورابي وأبجدية مسمارية عمرها سبعة آلاف عام ..رغماعن "بوش" ومحافظيه الجدد الذين يجهلون التاريخ وهم معذورون، فهم لا تاريخ لهم. وفي الختام اقول للزيدي, لا تتفاجأ يوما ما بأن يقوم نعلك بمعاتبتك عملا بالقول"زعماء اذا ضرب الحذاء بوجههم**صرخ الحذاء بأي ذنب أضرب..!

**هذه المقالة مهداة الى شهيد الحج الأكبر صدام حسين"ابو عدي".

-القدس المحتلة

ليست هناك تعليقات: