الاثنين، ديسمبر 29، 2008

تعقيبا على مقال: غزة تدفع بالدم

سعيد علم الدين

تعليقا على المقال الأخير بعنوان"غزة تدفع بالدم ثمن الممانعات السورية والمزايدات الإيرانية"، وصلني من احد القراء التساؤل التالي:
بعد ان تنازلت الشرعيه الفلسطينيه للحكومات الاسرائيليه المتعاقبه تقريبا في كل شيء، كانت الحكومات الاسرائيليه ترد على هذا المعروف ببناء المستوطنات وبناء الجدار العازل الديموقراطي وهدم المنازل وقتل الاطفال وحفر الانفاق تحت الاقصى وتضييق مساحة الدوله الفلسطينيه وحصار غزه، وماذا بعد ؟
سؤال وجيه، وجوابي سيكون على طريقتي وهو:
نحن أمة أحزان وحمل أكفان وتراكم مآسٍ وهموم، وأنا واحد من هذه الأمة حزين ومأزوم، لما يحدث من كوارث نصنعها بأيدينا على وجه العموم، في فلسطين والعراق والسودان والجزائر والصومال ووطني لبنان المظلوم.
حتى أنني أستطيع القول أننا أمة تجلس على فوهة بركان محموم،
أخرج لنا من أحشائه ومنذ منتصف القرن الماضي سلة مليئة من ثمار شجر الزقوم:
حروبا فاشلة، وهزائم متتالية، وثورات فوضوية مشتعلة، وتراجع على كل الأصعدة: هجرة، بطالة، فقر، حرمان، وعجز في حل أي مشكلة، حكام غَفَلَة، وشعوب على الغيوم متكلة، وبسرعة منفعلة، وعن الحقائق غافلة أو من القادة كنصرالله وخالد مشعل وبشار الاسد مغفلة، او من خامنئي ونجاد مخدرة.
وزاد الطينُ بلة، إرهابٌ ظلامي عفنٌ متطرفٌ بأفكارٍ منحرفة باطلة.
الفترة التي أشرت إليها أدت، ولأنها بكل المعاني فاشلة، إلى نكبات مريرة ومآس مستفحلة، وتضحيات عظيمة وبلاء، وآلام أصبح من الصعب وصفها حتى في مخيلات الشعراء، لأنها فاقت كل الأوصاف، وصارت وجباتنا اليومية الثلاث من الفطور حتى العشاء.
ولكن يجب أن نعرف أيضا بأن للأخطاء أثمان.
ومن لا يتعلم من الخطأ سيقع به ثانية.
ومن يعتقد بأنه يملك الحقيقة، كالشمولي، فلا عجب أن تصفعه على وجهه وتدميه أو تحت الأقدام ترميه، إذا لم تكن كذلك!
الصراع العربي الإسرائيلي ليس ابن اليوم وعمره أكثر من 80 سنة،
الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات والحالي محمود عباس أول من ناضلا وأشعلا الثورة عام 65 وحملا البندقية مع باقي رفاقهم لتحرير فلسطين. والشعوب العربية ساندتهم وبكل قوة! وبالأخص الشعب اللبناني!
بعد صراع دام مع إسرائيل كلفت حروبا وفتنا وخرابا في الأردن ولبنان، ومئات الآلاف من الضحايا العرب توصلت القيادة الفلسطينية بعد التجارب المريرة إلى قناعات واقعية بالعجز العربي وعدمية حسم الصراع مع العدو عسكريا.
وشاهدنا القائدين الفلسطينيين يصافحان الزعمين الإسرائيليين رابين وبيريز. العالم كله نهض يصفق ولم يصدق.
أيضا صفق لهم القسم الأعظم من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
في فلسطين استُقبل عرفات لاحقا استقبال الفاتحين وفرح الشعب بعودته وفرحنا معه وانتخبه بإرادته ديمقراطيا وبشهادة العدو.
وفي إسرائيل نهضت حركة "السلام الآن" لتهز المجتمع الإسرائيلي بمظاهراتها السلمية دعما لقيام الدولة الفلسطينية، التي وصلت إلى حدود المئة ألف في قلب تل ابيب.
تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية وكانت الدولة الفلسطينية قاب قوسين.
ولكن، ومنذ عودة عرفات لم تترك منظمة حماس لحظة واحدة للسلام الطري بين الشعبين أن يأخذ طريقه السوي ويشتد عوده ويقوى، وللثقة الجديدة بعد عقود من الحقد والحروب أن تنضج وتستوي.
بل ومنذ البداية رفضت أوسلو وتابعت حربها ضد إسرائيل بهدف تحرير كل فلسطين. ورفض الاعتراف بحق دولة اسرائيل في الوجود.
عام 96 وكان رابين ما زال حيا والعلاقة جيدة بين القائدين والشعبين، والمحتل الإسرائيلي ينسحب بحماية القوات الفلسطينية من العديد من المدن والقرى الفلسطينية، والانتخابات الإسرائيلية على الأبواب وتبشر بانتصار حزب العمل بقيادة رابين ومعه قوى السلام.
نفذت في تلك الفترة حماس انفجارا داميا في قلب تل أبيب ذهب ضحيته العديد من الإسرائيليين وكان صدمة كبيرة لهم رافقها بعد ذلك اغتيال رابين على يد متطرف يهودي. أدى ذلك إلى فشل حزب العمل ومعه قوى السلام في الانتخابات ومجيء نتنياهو المراوغ والرافض للسلام ومن الأساس، ولولا الضغوط الأمريكية لما تابع تطبيق اتفاقية أوسلو. وكانت مفاوضات مريرة زادت في مرارة الفلسطينيين، وعسكرة الاسرائيليين من خلال متابعة حماس عملياتها وصعدتها بالانتحارية التي كانت خطأ استراتيجيا قاتلا، خاصة لأنها توجهت ومنذ البداية ضد المدنيين وبطريقة بشعة يرفضها العالم.
أدى كل ذلك إلى عسكرة المجتمع الإسرائيلي الذي اقتنع بأن السلام مع العرب أسطورة. وتلاشت حركة "السلام الآن" وتحولت من مئة ألف إلى أقل من عشرة أشخاص. وتعسكر المجتمع الفلسطيني هو الآخر الذي اعتبر أن المفاوضات لا تجدي مع اليهود نفعا.
نذكر جميعا أنه كلما جاء مبعوث أمريكي مكلف التوسط وحلحلة العقد بين الطرفين، كانت تستقبله حماس أو الجهاد بعملية انتحارية فتنتهي مهمته بتصلب إسرائيلي قبل أن يكون قد حط في المطار.
فمثلا عند زيارة وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر والمؤيد جدا للحق الفلسطيني، لحلحلة الأمور بين عرفات وشارون استقبلته حماس بعملية انتحارية فبدل ان يحلحل العقد المستعصية صار مصدوما ومشغولا بتقديم واجب التعزية.
المشكلة الكبرى هنا أنه رغم الممارسات الإسرائيلية الإجرامية التي نندد بها بشدة والتي لم تتوقف يوما بحق العزل الفلسطينيين، إلا أنه لا يوجد أي توازن عسكري بيننا وبين إسرائيل.
فكيف اذا قام حزب الله او حماس باستفزازها والاعتداء عليها؟
العرب في نزاعهم مع اسرائيل دفعوا الأثمان مصر خاضت من أجل فلسطين أربع حروب خاسرة بالإضافة إلى حرب الاستنزاف. لا يستطيع أحد أن يلومها إذا توقفت عند حدودها. أنور السادات سينصفه التاريخ العربي يوما ما. لأنه لو لم يقتحم عقر دارهم ويعيد سيناء لما زالت حتى الآن بيد إسرائيل تستغل خيراتها. كما تستغل حاليا خيرات الجولان المحتل وتبيع تفاحة إلى سورية. لبنان دمر عدة مرات بسبب تحرير فلسطين ومنها الدمار الأخير. وماذا حررنا؟
الأردن دفع الثمن. الشعب السوري دفع الثمن. على حماس أن تسأل نفسها. ماذا قدمت حتى الآن للشعب الفلسطيني البائس غير الدماء والدموع والدمار؟
الحروب العالمية انتهت بعد أربع أو خمس سنوات
وحروبنا لها بداية وليس لها نهاية.

ليست هناك تعليقات: