الأربعاء، ديسمبر 17، 2008

حادثة "الكندرة" استفتاء على ديمقراطية بوش وشرعية حكومة المالكي

راسم عبيدات

......هناك حديث نبوي يقول" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"ويبدو أن الصحفي اليساري العراقي قد أضاف لها وبحذائه وذلك خيار الضعفاء.

وكذلك فشتان ما بين الرقص مع بوش بالسيوف العربية واستقباله استقبال الفاتحين،وحادثة ضربه بالنعال،فالحادثة الأولى أشعرت كل عربي شريف بالذل والمهانة من المحيط إلى الخليج،ولا أشك أن الأرض قد ضاقت بما رحبت على شرفائها من هول هذه الجريمة،التي يجري الاحتفاء فيها بقاتل أطفال العراق في قلب بيت الله الحرام،وهذه الحادثة لم تفرح سوى الذين هم على شاكلة بوش من قيادات وزعامات عربية،نتوقع لها مصيراً كمصير بوش أو على نحو أكثر سوء،أما ما قام به الصحفي الزيدي من ضرب بالنعال لبوش،فإن ذلك شكل لحظة تاريخية وعلامة فارقة في التاريخ العربي،وإحدى لحظات العز والفخار النادرة التي ابتهل وهلل لها كل أبناء الأمة العربية من محيطها لخليجها،وهي تنفيس عن حالة كبيرة وعميقة جداً من الاحتقان والشعور بالذل والمهانة التي يشعر بها كل أبناء هذه الأمة،والتي تسلط على رقابها زعامات بقوة السيف والحراب تسمريء الهزائم والانكسارات وتنظر لها على أنها انتصارات،وكل عربي شريف يقول بالمقاومة أو خيارها ونهجها،تتكالب وتتآمر عليه هذه الأنظمة وتسخر كل طاقاتها وإمكانياتها وترهن إرادتها ومقدراتها لأعدائها من أجل القضاء عليه،ولعل الجميع يذكر الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين،عندما رفض تحويل العراق إلى مزرعة أمريكية،ووقف ضد المشروع الأمريكي والاحتلال الإسرائيلي،كيف تكالبت عليه العربان العاربة والمستعربة من المحيط إلى الخليج،ووضعت كل إمكانياتها ورهنت إرادتها وقراراتها للأعداء من أجل القضاء عليه، وقالت له كلنا رهن إرادة "بوش ورايس"،ولا يجوز الخروج على ذلك فهذا تشجيع لقوى المقاومة والتطرف،وكذلك الرئيس الراحل أبو عمار عندما قال لا للشروط الأمريكية – الإسرائيلية للتسوية حوصر في رام الله حد الموت بالسم،ومن قبلهما الأمين العام للجبهة الشعبية القائد سعدات ورفاقه،والذين قتلوا أكثر الوزراء الإسرائيليين تطرفاً"رحبئام زئيفي" رداً على جريمة اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية الشهيد أبو علي مصطفى،ما زالوا يدفعون ثمن ذلك سجوناً فلسطينية وإسرائيلية،أما سماحة الشيخ حسن نصر الله،والذي استطاع أن يحقق نصراً عربياً يتيماً،بعد عقود من الهزائم والانكسارات،فقبل النصر وبعده،شنت عليه حملة شعواء من أنظمة الاعتدال العربي،مشككة بالقدرة على تحقيق النصر وبالنصر ذاته ودوافعه وأهدافه،فمثل هذا النصر يشعرها بعجزها ويعريها من ورقة التوت ويكشفها أمام الجماهير ويقصر من عمرها.

واليوم ما قام به الصحفي الزيدي من ضرب بالنعال "لبوش"،يرتقي إلى حد النصر ويشكل علامة فارقة في التاريخ العربي،ستتغنى به كل الأجيال القادمة في مظاهراتها ومسيراتها ومهرجاناتها واحتفالاتها،وهو خزي وعار سيستمر في ملاحقة "بوش" حتى آخر يوم في حياته،والزيدي سيضحي الرمز والعنوان والمثال،وليس أدل على ذلك الأعداد الكبيرة من المحامين العرب والدوليين الذين تطوعوا للدفاع عنه،والمزادات التي وصلت ملاين الدولارات على حذاء الزيدي الذي صفع به بوش،والمظاهرات العارمة التي اجتاحت العراق، وشارك فيها العراق بكل ألوان طيفه السياسي،مبتهجة وفرحة بهذا العمل ورافعة العلم الأمريكي مقروناً بحذاء الزيدي،وكذلك فالقائد ألأممي "تشافيز" وصف الصحفي العراقي بالبطل والشجاع،وما قام به الزيدي تعبير صادق عن إرادة العراقيين،بأن هذا المجرم والذي يجب أن يساق إلى المحاكم الدولية ،والذي احتل العراق ودمر أرضه ونهب خيراته وثرواته،تحت شعارات كاذبة ومضللة دكتاتورية النظام السابق وامتلاك أسلحة الدمار الشامل وديمقراطية القتل والذل،غير مرحب به من قبل العراقيين لا هو ولا الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية،لكي ينفذوا إرادتها وقراراتها،وما قام به المالكي من تشريع للاحتلال من خلال توقيع ما يسمى بالاتفاقية الأمنية مع الاحتلال الأمريكي،ما هو إلا برهان حقيقي على حقيقة هذه الحكومة والتي لا تعبر عن إرادة العراقيين،والمالكي عندما حاول أن يتصدى للحذاء المضروب على بوش،يكشف الدور والحقيقة لهذه الحكومة فهي خادمة للأمريكان حتى في صد الأحذية،ومصيرها لن يكون هي وغيرها في المنطقة العربية من حكومات وزعامات ترهن إرادتها وقراراتها للأمريكان سوى الضرب "بالكنادر" وربما ما هو أسوء من ذلك،والتاريخ علمنا أن إرادة الشعوب لا تهزم وان زورت إلى حين.

إن ما قام به الصحفي العراقي الزيدي،يكشف حملة الزيف والخداع والتضليل التي قادتها أمريكا في حربها على العراق واحتلاله،وهو تعبير كذلك عن فشل السياسة الأمريكية الخارجية وتجلياتها في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين،وأنه مهما حاولت أمريكا أن تخلق من أدوات وأنظمة مرتهنة لإرادتها وقراراتها،وأن تدخل تلك الدول في حروب داخلية مذهبية وطائفية وجهوية وقبلية،لن تشكل لها ضمانة لمصالحها وأهدافها،فالذين تظاهروا ابتهاجاً بضرب "بوش" بالنعال،هم من مختلف الطوائف وألوان الطيف السياسي العراقية وعلى رأسهم الشيعة،وهذا ما يشير إلى غرق وفشل المشروع الأمريكي في المستنقع العراقي،وكذلك سقوط الحجج والذرائع لاحتلال العراق،والعراق الذين كان على مر التاريخ رمزاً للنضال والثورة ،ومعقلاً أساسياً من معاقل العروبة والقومية لن يكون إلا كذلك.

ومنتظر الزيدي إذا ما استمرت السياسة الأمريكية في انحيازها المطلق لإسرائيل،وكذلك إذا ما استمرت الزعامات والقيادات العربية،في رهن إرادتها وقراراتها إلى الأعداء،ومواصلة سياسة الاستجداء وقهر الجماهير العربية وإذلالها وأهانتها،فانا على ثقة تامة بأنه سيكون هناك ألاف من أمثال الزيدي،والذين يقولون كفى إذلال ومهانة لهذه الأمة باسم الواقعية والاعتدال،والتي لا تعني سوى المزيد من قهر الأمة وسلب حقوقها واغتصاب أرضها،وما يجري على أرض فلسطين من حصار ظالم وقتل لكل مظاهر البشرية ومقوماتها واحتلال العراق،قتل وتشريد أبناءه،هو رسالة واضحة إلى كل دعاة نهج الواقعية والمفاوضات العبثية والعقيمة،بأن الأمة على درجة عالية من الاحتقان،والتي قد تدفع بها إلى انفجار عارم وشامل يعيد الأمور والعزة والكرامة إلى هذه الأمة،ويعتقها بالنعال وبالبساطير والجزم وغيرها من زعامات وقيادات خصت نفسها وشعوبها،ولا بد من حالة حمل حقيقي تكنس كل هذا الدرن والطحالب التي علقت بهذه الأمة العظيمة.

ليست هناك تعليقات: