الاثنين، ديسمبر 15، 2008

نظرية (شيمعون بيرس) للشرق الأوسط الجديد ومبادرة السلام العربية

عبـد الكــريم عليـــان

Elkarim76@hotmail.com

عندما وقعت اتفاقية السلام المعروفة باتفاقية أوسلو، أثيرت في إسرائيل عاصفة من الجدل بين معارض ومؤيد لها، المعارضون لا يريدون التنازل للعرب والفلسطينيين بأي شيء.. أما المؤيدون يرون فيها طريقا لإنهاء حالة الصراع القائمة بين اليهود والعرب، كما حدث في الشارع الفلسطيني والعربي المؤيد الذي يرى في السلام طريقا ينهي حالة الصراع الدائرة وتحقيق بعض من الحلم الذي يطمح إليه الفلسطينيون الذين فقدوا الأمل في إمكانية زوال إسرائيل، أما المعارضون لا يؤمنون بالمفاوضات طريقا للسلام ولا يمكن تحقيق ما يصبون إليه، وفريق آخر يعتقد أن الصراع مع إسرائيل صراع عقائدي ولا يقبل بوجودها ويجب محاربتها دائما، وبالتالي هم لا يريدون سلاما معها ولو مؤقتا.. بعد توقيع اتفاقية أوسلو بثت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي حينها برنامجا حواريا ناقش فيها المتحدثون ما تم التوقيع عليه.. وكان من بين المتحدثين اثنان من دهاقنة الساسة الإسرائيليين مازالوا أحياء يمارسون السياسة حتى يومنا هذا.. الأول هو: شيمعون بيرس، والثاني هو: بنيامين نتنياهو، حيث اتهم الثاني الأول بأنه: يعمل على تدمير مشروع الصهيونية بإقامة إسرائيل الكبرى.. ودافع ـ شيمعون بيرس صاحب نظرية الشرق الأوسط الجديد والذي كان له الدور الأساسي في توقيع اتفاقية أوسلو، بقول موجه لنقيضه ـ نتنياهو:" أنت حمار، ولا تفهم ما يجري ويدور في العالم..؟ ولو أنك تفهم ماذا يعنى إقامة سلام شامل في المنطقة..؟ حيث أن مشايخ وأمراء العرب يشترون قصورا وعقارات في مونا جو ومونتريال ولوس أنجلوس.. فما المانع بعدها أن يشتري اليهودي قصورا وعقارات مثلهم في مكة، أو بالقرب منها..؟".

من هنا يتجلى في الشارع الإسرائيلي تياران صهيونيان يريدان تحقيق حلم إسرائيل الكبرى..؟ التيار الأول يعتقد أن تحقيق الحلم يتم عبر القوة والاحتلال الكولونيالي للأرض يمثله اليمين العنصري بقيادة نتنياهو وليبرمان وكل أقطاب اليمين الإسرائيلي، وجاء سيد البيت الأبيض جورج بوش (الذي يمثل الجمهوريين) ليعزز لدى هؤلاء أفكارهم، بل وراح هو يمهد لعقيدتهم باحتلاله للعراق وأفغانستان وبدءوا يمهدون لاحتلال سوريا وإيران كذلك.. التيار الثاني يعتقد أن تحقيق الحلم يأتي عبر السلام، ومن ثم الغزو الثقافي أو احتلال العقل العربي وبالتالي يصبح كل شيء متاح أمام الصهيونية لتحقيق حلمها للسيطرة على العالم.. يمثل هذا التيار شيمعون بيرس والمغدور رابين ومن لف حولهما بما يسمى اليسار الصهيوني ويدعم هؤلاء الحزب الديمقراطي في أمريكا والذي فاز مؤخرا برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بمرشحها الأسود (باراك أوباما). هذا الفوز الذي جاء على حساب خسارة الجمهوريين في سياستهم الخارجية وما أفرزته من خسارة مادية ومعنوية للشعب الأمريكي بالإضافة لما تبعها من أزمة اقتصادية هزت العالم وما زالت..

ليس صدفة أن يعود شيمعون بيرس ليطرح موقفه من جديد عشية فوز أوباما، حين أعلن: أن إسرائيل قد تقبل بالمبادرة العربية التي تمخضت عن قمة بيروت عام 2002، والتي رفضها شارون رئيس وزراء إسرائيل في حينها، عندما قال: "إنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به..". المبادرة العربية التي تقترح سلاما شاملا مع إسرائيل إذا ما انسحبت الأخيرة إلى حدود 67 وإيجاد حل مقبول لمشكلة اللاجئين.. هذه المبادرة تلائم تماما ما يطمح إليه شيمعون بيرس لتنفيذ برنامجه ومخططه للشرق الأوسط الجديد! وسوف يجد لدى البيت الأبيض الجديد ما يدعم ذلك.. تجدر الإشارة في أثناء كتابة هذا المقال الإعلان عن خبر طازج نشر في معظم الفضائيات العربية، مفاده: " قامت جامعة الدول العربية بتقديم رؤيتها للسلام لإدارة البيت الأبيض الجديدة برئاسة أوباما.. والخبر الثاني يفيد أن مملكة البحرين تقترح تأسيس منظمة إقليمية تضم إسرائيل.." . من هنا يمكننا القول أن إدارة البيت الأبيض الجديدة برئاسة الديمقراطيين سوف تجد في مبادرة السلام العربية ورؤية شيمعون بيرس ما قد يكون مشتركا لتحقيق سلام ما.. يساهم في إعادة الهيبة للولايات المتحدة وتحسين صورتها المهزوزة في الشرق الأوسط ، وقد يساهم ذلك إلى حد ما في التخفيف من الأزمة الاقتصادية داخل أمريكا وكذلك في العالم..

يبقى السؤال الرئيسي هو: ما إذا كان بمقدور الدول العربية شعوبا وحكومات مواجهة التحدي القادم؟ أم لا..؟ المعطيات تقول: أن إسرائيل قادرة على مفاوضات طويلة مع الدول العربية كل على حدا، وأن طواقمها للمفاوضات جاهزة لذلك ولديها الاستعداد للاستفراد بهذه الدول، أو التي تريد التطبيع معها وهم كثر.. بل ومنهم من فتح علاقات مخفية منذ زمن بعيد، وهناك سفارات أو مكاتب اتصال في تل أبيب ويكفي فقط الإعلان عنها رسميا، ناهيك عن القوة الحقيقية لإسرائيل اقتصاديا وعسكريا وثقافيا يؤهلها لتحقيق مآربها.. نعتقد أن مصر العربية والفلسطينيون صار لديهم تجربة قوية مع الإسرائيليين سواء على صعيد المفاوضات، أم على صعيد العلاقات والتطبيع.. لكن ذلك يتطلب وحدة عربية كاملة وتحت مظلة سياسية واحدة، وكذلك على هذه الدول أن تحارب الفساد المستشري في أنظمتها والقضاء عليه وإتباع سياسات واستراتيجيات تنموية لشعوبها تتلاءم مع التحدي المقبل..!

ليست هناك تعليقات: