الاثنين، ديسمبر 08، 2008

سياسيونَ من ذهَبٍ وآخرونَ من تنكٍ

سعيد علم الدين

شتان بين من يبني الوطن المنهك المدمى المستهدف، لبنةً فوق لبنة، بدقة وحكمة وهدوء ودراية، ليعيده سالما معافىً الى موقع الصدارة بين الأمم: سيداً حراً مستقلا؛
وبين من يهدمه برعونة، يعرقل قيامته علنا، يستفز مشاعر بنيه بغوغائيته، ويرميه في احضان انظمة إرهابية تتربص به الشر وتغتال أحراره، ليبقى بلا رأس، ذيلاً تابعا لهم وساحةً مفتوحةً لحروبهم.
لا خلاف بين جميع المفكرين والفلاسفة على أن الناس بطبيعتها معادن. منها الكثير الرخيص كالحديد، أي كعامة الناس، ومنها النادر النفيس كالذهب، أي كالقادة السياسيين ونواب الشعب.
مع احترامنا الكامل للجميع، فالناس كلها خير وبركة!
إلا أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الناس بقدر ما تكمن في حكمة او حماقة حكامهم!
ومن القادة الأفذاذ المخلصين لوطنهم، من يكون زعيما كبيرا، وسراجاً منيراً لشعبه، ومنهم من يكون ظالماً مظلماً، وطاغيةً مجرماً يقودهم كقطيع الغنم المطيع إلى حتفهم!
وبما أن الذهب عبر التاريخ وإلى اليوم يعتبر دون منازع أفخر المعادن جوهراً، فهو الجواهر، وأجملها شكلاً فهو المصاغ، وأغلاها قيمة فهو كنوز الدول وبه تُغطَّى العملات الصعبة، أي هو قائد المعادن بحق.
أيضا فالمفروض بالسياسي ان يكون كذلك قائدا حكيما لشعبه وفخراً لبلاده ورمزا لوطنه: يصون كرامته، ويحفظ استقلاله، ويدافع عن مصالحه كدفاعه عن ذاته، ويحمي بنيه من غوائل الأيام كحمايته لفلذات أكباده.
أي بشكل عام السياسيون هم نخب المجتمع الأصيلة الصلبة الذكية الذهبية او المزيفة الأنانية الديمغواجية التنكية.
هذه النخب قادرة ومن دون شك، ان كانت من الصنف الذهبي او ذاك التنكي، على قيادة المجتمع: إلى نجاحه أو فشله، إلى قيامه او انحطاطه، الى عماره أو دماره، إلى ازدهاره أو خرابه، إلى تقدمه أو تخلفه، الى عزته ومنعته او الى شرذمته وتقسيمه، الى خَلاصه من الكوارث والمحن او الى زجه في آتونها دون اكتراث لنتائجها المدمرة على الشعب والبيئة والوطن.
ولهذا مهما طبلوا لميشال عون في اعلامهم وزمروا، وفرشوا له السجاد الأحمر ورحبوا، وجلبوه بطائرتهم الرئاسية وبه نفخوا، وفتحوا له ابواب الكنائس استغلالا مكشوفا لمسيحيته وبخروا، وأعلنوه بطريركا على الشرق وبه انشرحوا، فلن يفلحوا، ولن يفلحوا بالتأثير على قرار الناخب اللبناني المجرب المنتفض الحر، الذي يريد قيامة وسيادة واستقلال لبنان وليس التطبيل والتزمير وفرش السجاد والتهليل لزعيم ما.
أما بالنسبة لفتحهم أبواب الكنائس فهي مناورة مكشوفة منهم، لن تنطلي على مسيحيي الشرق، وما حل بأحرارهم من اغتيالات وتفجيرات في لبنان، وبشعبهم من بلاء في العراق بسبب ارهاب المحور الإيراني السوري، الذي أراد بإرهابه للمسيحيين العراقيين تعطيل الاتفاقية الامنية مع امريكا. وفشل وسيفشل في كل مكان. ولكن وللأسف لا يدفع ثمن ارهابه الدموي الا الأبرياء.
وهم يمنون النفس من وراء فتح ابواب الكنائس لعون ايضا بانه لعل وعسى الغرب المسيحي الساذج سيرضى عنهم واوباما المبتدئ سياسيا سيعتقد ان محورهم هو محور الخير والسلام وحقوق الإنسان: حضاري ديمقراطي إنساني منفتح مسالم، والحق كل الحق في تصرفات هذا المحور وتصديره للإرهاب تقع فقط على عاتق جورج بوش الصلف المستكبر المتهور الذي أغاظهم بطلبه من ابن لادن تدمير البرجين في نيويورك، ليتسنى له تدمير أفغانستان والعراق، وأوعز الى بشار الأسد بالتمديد للحود، ليتسنى له إصدار القرار 1559 لتحرير لبنان من الاحتلال السوري وميلشياته، وشجع النظام السوري لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليتسنى له طرد الجيش السوري من لبنان، وترجَّى حزب الله لكي يخطف الجثتين الاسرائيليتين ويشعل حرب تموز، ليتسنى لصديقته الحميمة إسرائيل تدمير لبنان ومحاصرته برا وبحرا وجوا". وعلى هذا المنوال في تفكير ميشال عون صاحب التاكسي الجوال من طهران الى دمشق الى حلب وابو كمال، يصبح المتآمرون مساكين، والقتلة مظلومين، والإرهابيون على حق، وكل الحق على الطليان!
ويظل الفرق بين القائد الفذ الرئيس سليمان والقائد الهارب عون كالفرق بين الذهب الطبيعي الخالص والآخر الاصطناعي المزيف.
فالأول أثبت بجدارة ومنذ ثورة الشعب في انتفاضة الاستقلال في 14 اذار وحتى اليوم، بأن جوهرَهُ حقيقي برَّاق، يصاغ بمهارة يدوية فنيةِ الإتقان، غالي الثمن يباع ويشرى بالقيراط، وكلما حكيتُّهُ زاد إشراقا على إشراق.
والآخر أثبت بأن معدنه أصفرٌ مصنَّعٌ تافهٌ لمَّاع، يشرى بأبخس الأسعار من البياع، وان حكيتَّهُ ظهر على حقيقته المزيفة، فرميته بلا قيمة في سلة المهملات، أو وجدته مرميا على جوانب الطرقات.
ومن هنا فشتان بين ما يقوله ويفعله فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان في زياراته المكثفة من أجل استعادة موقع وكرامة وعزة ودور لبنان العربي الطليعي، وبين ما يثرثره ويفعله ميشال عون في زياراته الذليلة الاستسلامية الخانعة لدول المحور الإيراني السوري.
ورغم كل ذلك يريد ميشال عون أن يلعب لعبة رجل السياسة الكبير من الوزن الثقيل في مناورة مكشوفة، ولكنها لا يمكن أن تنطلي على ما تبقى من العونيين المرتبكين من تصرفات وثرثرات قائدهم البرتقالي، ولا على اللبنانيين المتيقظين، لما يخطط لهم في الظلام من مؤامرات لضرب استقرار وطنهم الغالي.
وهل كانت صدفة عندما زار الرئيس ميشال سليمان المملكة العربية السعودية مصافحا في الرياض بحرارة وحب اخوي عميق وامتنان صادق، خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، ان يظهر فجأة ميشال عون في طهران معانقا بمبالغة متزلفة وبنوع من الرياء الظاهر على وجهِهِ احمدي نجاد؟
وما معنى أن يحدث ذلك في نفس اليوم، وأن تنقل وسائل الإعلام في الفضائيات وتظهر على نفس الصفحات صور الرئيس سليمان مع الملك السعودي، موازيةً لصور ميشال عون مع رئيس النظام الإيراني؟
قلنا ربما صدفة!
ولكن هل حقا حركات السياسيين المزيفين الصغار، خاصة اذا كانوا من سياسيي الوزن الخفيف كميشال عون، وتصريحاتهم وزياراتهم ومناوراتهم وثرثراتهم تحدث صدفة، ام عبر مخططات مدروسة لعرقلة مسيرة الاستقلال، ومناورات مكشوفة للعودة الى الوراء، وفبركات مفتعلة للتشويش على السياسيين الحقيقيين الكبار، الذين يجاهدون لقيامة لبنان السيد الحر الديمقراطي المستقل؟
ونفس الشيء تكرر في زيارة الرئيس سليمان الى المانيا. وظل عون وطاقمه البرتقالي يرددون ان الزيارة ستحدث قريبا وبعد ايام وبعد ساعات وبعد لحظات وخلال ثوان في محاولة سخيفة ومخزية للتأثير على الرأي العام وفجأة في اللحظة التي وصل بها الرئيس سليمان الى المانيا للقاء المستشارة السيدة ميركل وصل عون الى دمشق على طائرة بشار للقاء الأخير. هذه ليست صدف ومصادفات، بقدر ما هي محاولات سخيفة، لخطف الأضواء من زيارات رئيس الجمهورية العالمية، ولإظهار عون وكأنه رئيس جمهورية 7 ايار.
ومن تنك السياسة في لبنان ايضا وئام وهاب الذي كان وزيرا في عهد الاحتلال السوري وما زال يعمل جاهدا لعودة الاحتلال لكي يصبح وزيرا.
والدليل على انه من ساسة التنك. لكم هذه القصة. فلقد افتعل مرافقوه مشكلة مع الأهالي في بلدة كفرحيم. اعتبر على اثرها رئيس تيار "التوحيد اللبناني" وئام وهاب أن ما حصل هي محاولة اغتيال فعلية، وتوعد النائب وليد جنبلاط بالأخذ في الثأر في حال تخطى الخطوط الحمراء.
كلام من تنك. لأنه لو لم يكن قائله تنكيا بالفعل لطلب من قوى الامن التحقيق في الحادث ومعاقبة من يظهره التحقيق، وإحالة القضية الى القضاء لتأخذ العدالة مجراها.
اما لأنه تنكيا ويؤمن بشريعة الغاب على شاكلة معلمه بشار: فهو يهدد بأخذ الثأر.
وفوراً اتصل به التنكي الآخر ميشال عون مستنكرا!
لا نبالغ إن قلنا أن ساسة 8 آذار هم تنك السياسة اللبنانية.

ليست هناك تعليقات: