الثلاثاء، ديسمبر 23، 2008

وداعا سليم شلبي ذاكرة القدس

سري القدوة

حبا وحياة ولون ذهبية القدس يلوح في ذاكرة المجد عنوانا وذكرى وأمنيات وحبا ولهفة الصوت الحنون متسائلا عن غزة السجينة المحاصرة والمغتصبة فمن القدس انطلق شبلا وفي عسقلان كان لقاؤنا ليجتمع تاريخا لن ننساه وتعجز اللغة عن استدراك معاني الوفاء حين يكون والذكرى حين يختزلها الزمن في مجرد سطور ولهفته على أمي حين التقاها وما أصعب تلك اللحظة علي نفسي وما أقساها وانا اقرأ أيميل وصلني على البريد الالكتروني يفيد أن القدس افتقدت سليم الشلبي لم اصدق..وعشت صدمة العمر والارتباك والتردد ..

يا الله انه سليم الصديق والحبيب والحياة .. انه سليم ابن الفتح ابن فلسطين .. كانت القدس في عينيه تتألق والخوف من المستقبل المجهول في صوته ورعشة يديه وحنونيته ولوعته وخوفه وآماله وحبه لفلسطين الوطن والأرض والإنسان والثورة .. لم أكن اعرف من قبل ومن لحظة لقائي بسليم في سجن المجدل صيف عام 1987 سر تكوين سليم واكتشفت فجأة وهو يشرح لي معالم القدس العتيقة وتكوينها متنقلا بي بين منزله والكنيسة والبيت العتيق بان سليم انتزع شخصيته وامتزجت من تلك المكونات المقدسية التي أحبها ونمت معه وفاء للفتح وللثورة وليكتب حكاية عشق لن ولم تنتهي .. ليكتب حكاية ومعنى أن تكون من هناك من بين تراب الأرض المقدسة تنمو وفي شوارعها تراقب الهموم اليومية لكل فلسطين فتعيش الوجع وأنت ترى عنجهية الجندي المتربص بامرأة عجوز جاءت من الخليل او امرأة غزاوية جاءت لتصلي صلاة الوداع في المسجد الأقصى .. كل تلك المكونات شكلت حكاية سليم ليكون وفيا للأرض ويلبي نداء الواجب ولتبدأ رحلة الوفاء لفلسطين وتستمر ولأنها الغربة والقسوة والبعد وجغرافيا المنفي لم أتمكن من ان التقي سليم فكان دائما حاضر بصوته وعقله وحبه ووفائه وعطائه للأرض الطيبة التي احتضنت ثراه فكان وفيا للقدس .. وفيا للفتح والثورة وفيا للدولة التي حلم بان يرفع علمها خفاقا عاليا فوق مآذن القدس حتى أصبح حلمه حقيقة فقرر المخاطرة في حياته ليرفع علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائسها متحديا جنود الاحتلال وكاميرات المراقبة .. فحلم سليم تحقق ونشرت كل وكالات الأنباء صور علم فلسطين لأول مرة في الانتفاضة الأولى يرفرف على مآذن القدس بكل شموخ وحب وألوانه التي شكلت فينا معاني التكوين النفسي وما يصعب على النفس هنا ان سليم رحل عنا وفارق الحياة ومازالت الجغرافيا المكانية تقسم الوطن .. رحل سليم ولم ألتقيه وتلقيت خبر رحيله عنا كالصاعقة فبكيت دمعتين ووردا على جثته الطاهرة .. سأصلي لوداعه وحتما سأٌقرأ الفاتحة على قبره بإذن الله تعالى لأننا سنمضي إلى القدس يوما جيلا يواصل الجيل .. جيلا حمل الأمانة وجيل يواصل حملها فلن تسقط القلاع .. وستبقى أخي سليم عنوانا للقدس كما عرفناك شامخا مخلصا وفيا متألقا كتألق الفتح لن تهزمها الرياح ولن تنال منها المؤامرات مهما اشتدت شراستها فأنت باقي فينا ذكرى خالدة طالما بقينا أحياء سنذكرك وسنكتب بالدم عهدا قطعناه على أنفسنا وسنمضي من اجل فلسطين .. من اجل القدس وسيذكر الأجيال علم فلسطين الذي رفرف على الأقصى عبر التاريخ ومن لا يعرف سليم شلبي لا يعرف القدس وللقدس حكاية لم تبدأ بعد ..

لم أتمكن هنا وعبر هذه السطور العابرة من الكتابة عن رحلة صديق الطفولة والأسر .. لم أتمكن هنا من التعبير عن معنى علاقة كانت في سجن عسقلان حيث تعرفت عليه .. ولم أتمكن من ترجمة معنى الخوف من المجهول .. متمنيا أن يتغمد الله حبيبي ورفيق عمري سليم برحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وزوجته وأبناءه الصبر والسلوان ..

- رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

ليست هناك تعليقات: