الجمعة، ديسمبر 26، 2008

محمد زهير الباشا يعلّق على مقال فتح الرحمن شيلا حول حذاء الزيدي



العزيز فتح الرحمن شيلا:

لا يمكن أن نمحو العواطف من العلاقات الدولية رغم المصالح الخاصة والعامة لكل دولة. فالأمم الحية تراعي دائما التبصر بالأمور ومناقشة الأحداث، فينشط الحوار ويفرض نفسه بوقفة للمراجعة والمحاسبة فلا تضيع مثلنا العليا ولا تقاليدنا السامية. وماسجله إبداع المفكر فتح الرحمن شيلا يعتبر- فتحا- طيبا في مجال الكلمة الحرة.. فلا يقلق المواطن ولا يستسلم للرتابة والخنوع ولا ييأس ولا يشعر بالعجز طالما كان من كتابنا ومن مفكرينا مثل هذا المفكر فتح الرحمن في حسن أدائه الرائع وذلك بشفافية ووضوح مبينا أن التخلف والادعاء والانهزامية صور لتيارات ظلامية تهدف إلى الهيمنة وتشكيل نماذج جديدة للطغيان والانبهار – بمستوى حذاء- فأين دور الصحافي المترفع عن الدنايا.. بل أين كلمته المتمركزة على مدى الترابط وليس على الذات والأنانية، ولم تفقد أمتنا مبادئ التسامح والكرامة والشهامة.. وقد ظن تجار المساحيق المستوردة من ايديولوجيات التعصب الأعمى ألا نخبة في هذا الوطن فالنخبة تقود المجتمع نحو العلا والسمو وليست بضربة حذاء.. فهذا دليل على الأخلاقيات التي أصابها الخلل والاستسلام والعنف والتصرفات الغوغائية.

لكننا حين نقرأ مقالتك مثنى وثلاث فإننا نشعر بهذا التكافل والمحبة ولنا أن نشعر وعلى حق أنك أعدت إلى النخبة عنفوانها حفاظا على أن الديمقراطية هي معقل للأحرار الذين يؤمنون بالذود عن الحياض.
وليحمِ الله الأقلام المخلصة في كل الأوطان وفي أرض السودان....
أخوكم

محمد زهير الباشا


**


وإليكم المقال:


ارايت الذي ..!؟


فتح الرحمن شيلا

اهتمت الصحف في بلادنا وغيرها من الدول بتصرف الصحفي منتظر الزيدي مراسل قناة (البغدادية) التى تبث من مصر ويقوم بتمويلها رجال اعمال واعلاميون سابقون ، بينما امتنعت الصحف المصرية عن التعليق على هذا الحادث وهو أمر يحمد للصحافة المصرية التى رأت في هذه المحاولة إساءة للعمل الصحفي، وكذلك كان لاعتذار الصحفيين العراقيين تعبيراً على ادانة هذا السلوك الذي لا يشبه القلم والرأي وحرية التعبير بالكلمة.ان ديننا الاسلامي القائم على تكريم الانسان نهى عن الضرب على الوجه وجاء ذلك في حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله :(إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) رواه البخاري ومسلم ويدخل في ذلك الضرب بالحذاء أو بغيره. فاذا كان الاسلام قد نهى عن ضرب الوجه في القتال فما بالك فيما دون ذلك ؟.

ان يستبدل صحفي قلمه بالجزمة فهذا عجز صريح وافلاس يناقض الحديث فى اجهزة الاعلام والصحف باعتماد الحوار وسيلة لبلوغ الغايات. اسلوب البحث عن الشهرة بالجزمة مرض يستحق علاجه قبل ان ينتشر كالسرطان حتى لا نجد من يدافع عن الحقوق والواجبات بالكلمة الصادقة والشجاعة ، وأسوأ من استعمال الجزمة الالفاظ النابية -فالرئيس الامريكي جورج دبليو بوش- هو رئيس أكبر الدول التى تسود فيها الديمقراطية وكفالة الحريات ومهما كانت الآراء حول غزو العراق فحسب تعبير الرئيس بوش ان ذلك لم يكن سهلاً ولكنه كان ضرورياً. بالعودة الى عراق ما قبل الغزو الامريكي ومعاناة الشعب العراقي من سياط الجلادين فقد كان اعتى المتسلطين بطشاً واقساهم قلباً. فقد ضاعت القيم الفاضلة بالشعارات الكاذبة وان يطغي فرد على امة كريمة رشيدة كما يقول الفيلسوف ابن رشد أمر السكوت عليه جريمة والدفاع عن الباطل حرام.

وقد أحسنت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الامريكية بوصفها عمل الزيدي بأنه (غير مؤدب) ووصفته صحيفة امريكية أخرى بقولها :(الحذاء الطائر يصنع بطلاً في العالم العربي!!) هذا ما جره علينا التصرف اللا مسئول من الصحفي الزيدي استخفاف وتهكم من الصحافة الغربية بمعايير البطولة في العالم العربي !! والمؤسف ان الكثير من الاعلاميين العرب راحوا يمجدون هذا التصرف ويربطون بينه وبين الواقعة الاشهر عندما ضرب الرئيس السوفيتي السابق بحذائه منصة الامم المتحدة في العام 1960م .. لكن ما لا يذكره هؤلاء ان خرتشوف نحي من السلطة في العام 1964م لعدة اسباب كان من اهمها الإساءة إلى منصبه الحزبى والحكومى بتصرفات مظهرية أفادت منها الدعايات الغربية وتحديداً واقعة خلعه لحذائه وهو جالس في مقعده على رأس الوفد السوفييتى في الدورة العامة للامم المتحدة والضرب به على المنصة. مثل هذا التصرف مرفوض جملة وتفصيلاً ومستهجن ولا يمكن تبريره مهما كانت الدوافع نبيلة واذا كنا في عالمنا العربي ودول العالم الثالث نرحب ونحتفي بمثل هذه التصرفات فسيصبح تصرف الزيدي سابقة يقتدي بها ويكون على السياسيين في بلادنا الاستعداد لتلقي سيل من الاحذية لمجرد الاختلاف في الرأي ويصبح الحذاء هو لغة الحوار المعتمدة في دول العالم الثالث.

ليس دفاعاً عن أمريكا ورئيسها بوش ولكنها الحقيقة .. وان نعبر عن عجزنا وفشلنا في الاطاحة بالانظمة الدكتاتورية في عالمنا العربي بالشعارات والهتافات وان ننتظر وعداً بالحرية من دكتاتور فهو شيك بلارصيد كما يقول همنغواي.

الاحتفالات التى يقيمها البعض بهذا الحدث المتخلف والتبرع بملايين الدولارات إفلاس وعجز وإدعاء أجوف وبحث عن الشهرة بأرخص الاثمان - الحصار في غزة والاطفال يعانون من نقص في الحليب والمرضي في انتظار قوافل الدواء من اوروبا - ألم يكن من الأجدى إن كانت لنا ملايين الدولارات ان ندفعها للبؤساء والفقراء في فلسطين والصومال بدلاً عن مؤازرة وتأييد ودعم لغة اهل الانهزام والمنهزمين؟ أرأيتم برجاً شامخاً على ارضنا العربية مثل برج الديمقراطية في امريكا التى اختارت زنجياً من كينيا أو السودان ليصبح رئيساً لها؟.

تاهت العقول وشاهت الابصار فأصبحنا نرى النهار ليلاً والشمس قمراً. ماذا يقول شوقي الذي اعتبر الصحف آية هذا الزمان بقوله : لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف؟. لذا يجب على الصحف والصحفيين رفض هذا المسلك المتخلف العاجز وادانته والدعوة الى نشر ثقافة الحوار وادب الاختلاف واستخدام الاساليب المهذبة في التعبير عن الاحتجاج والرفض.

نشر بصحيفة الراي العام - الاحد - 21 - 12 - 2008

ليست هناك تعليقات: