الأحد، ديسمبر 07، 2008

غزة المحاصرة

عبد الكريم عليان

بعد فشل الحوار الفلسطيني الفلسطيني يأتي شتاء غزة قارصا دون أمطارٍ تدفئ أهاليها الفلسطينيين المحاصرين منذ ما يقارب العامين.. غزة التي أصبحت الأشياء فيها نادرة، ويبدو أنها ستبقى كذلك فترة طويلة.. لم يبق شيء في غزة لم يرتفع سعره إلى أضعاف مضاعفة نتيجة الحصار الظالم ، وجشع التجار الذي ليس له حدود..! فقط الإنسان هو الذي لم يرتفع سعره، بل صار لا يساوي شيء على المستوى المحلي، لكن على المستوى الدولي فهو لا يقدر بثمن..! وإلا لماذا يفرضون عليه هذا الحصار، ويعقدون المؤتمرات والاجتماعات الدولية؟ شعب غزة الشامخ والكبير، شعب غزة الذي يساوي الكثير في المعادلة السياسية الدولية، شعب غزة الذي فاجأ الجميع بانتفاضته عام 1987، وقبلها انتفاضة 1955 ضد مشروع التوطين، شعب غزة العنيد في كفاحه ضد الظالمين وقوى الشر، شعب غزة الذي رفض الذل والمهانة.. شعب غزة الذي رفض كل المساومات، شعب غزة الذي قدم قوافل من الشهداء من خيرة أبنائه، شعب غزة الذي دوخ التكنولوجيا العسكرية والجيش الذي لا يقهر؟! شعب غزة الذي فاجأ الجميع بهدم سور فيلادلفي ( الجدار الذي بنته إسرائيل بين مصر ورفح ) شعب غزة أكبر من هزائمكم.. لماذا تسخرون منه وتقللون من قدره..؟ لماذا تقولون : إنه لا يراهن عليه..! لا يراهن عليه أيها المقامرون الخاسرون .. نعم ! إنه لا يراهن عليه في مقامراتكم الخاسرة.! نعم إنه لن يقبل إلا بالنصر المحتوم! لن يقبل برهان حساباتكم الفئوية الضيقة، إنه ينظر إلى ما هو أكبر من تفكيركم المهزوم..
يا شعب غزة لا تحزن
يا شعب غزة لا تيأس
يا شعب غزة ليننجراد لم تمت
وروما لم تصبح رمادا
والشتاء لن يطول
والربيع سوف يأتي
ومن دمك سينبت الأقحوان
ومن جوعك سيولد الفتيان
ليعلنوا النصر
ويرفعوا رايات الحب والسلام
يا شعبي اصبر على بلواك،
واحتاط أكثر من هؤلاء ..
الذين لا يعرفون الحياة/
الذين لا يحبون إلا الموت..!
يا شعبي ها قد جربت الثورجيين،
وجربت المتدينين المقاومين..
لا أنصفك هؤلاء، ولا حافظ عليك الآخرون..
اصبر حتى تأتي الفرص ، واحتاط لما هو آت..!
إنهم ما زالوا مختلفين..
والعدو تخندق في دبابته يصطاد عيوننا،
ويغتال الساهرين..
ويقلق النائمين..
فلك الله يا شعبي العظيم!
يا شعبي ! من يتوهم أن الحلول قريبة يكون مخطئا ، لأنه لم يظهر في الأفق أية بوادر للانفراج، وأن الطرفان حماس وفتح ليس لديهما الاستعداد للنزول كل عن شجرته (شجرة الضفة، وشجرة غزة) وأن إسرائيل تعمل على ترسيخ وإطالة أمد الانقسام والتشرذم في الصف الفلسطيني.. من يعتقد أن الجيش الإسرائيلي سيجتاح غزة يكون مخطئا أيضا؛ لأن ذلك يعني تغيير الخارطة الفلسطينية الحالية التي طالما سعت إسرائيل وكل أجهزتها إلى تحقيقها.. لكنه سيعوض عن ذلك باغتيال الكثيرين، وسيزيد من الحصار.
في هذه الأثناء تقوم مجموعات من حماس بتوزيع الحلوى على بيوت المواطنين تمهيدا للاحتفال بذكرى انطلاقتها وتهنئة بالعيد.. ولا نفهم لماذا الحلوى؟ وفي هذا الوقت بالذات ؟ إنها لسادية دراكولا (مصاص الدماء) كأن شعب غزة لم يعاني، لا من حصار ولا من احتلال.. كأن غزة نالت كل حريتها وأهلها يسافرون حيثما شاءوا وحيثما يريدون .. كأن غزة في غنى عن الآخرين ..!؟ كأن شعبنا متوحدا لا تكسره أية قوة مهما كانت ؟
أيها الأمراء ! كلوا ما شئتم من الحلوى .. وزعوا الحلوى على كل الناس ! فالأمهات والثكلى لن يأكلوا من حلوياتكم ، والصغار الذين فقدوا آبائهم لن يفرحوا .. والمرضى لن يشفوا من أعراسكم واحتفالاتكم ..!
يا غزة الأبية ! مزيدا من الصبر .. مزيدا من الصمود .. مزيدا من التحدي .. فستقومين من الجرح النازف أكثر عافية ، وستحتفلين قريبا بعرس الاستقلال والحرية ..


بأي حال جئت يا عيد ..؟
وأهلنا في غزة سجناءٌ ..
صناديد
عَيدوْا أنتم على طريقتكم
أما نحن فطقوس عيدنا
مختلفة عن مواسمكم
عَيدوْا يا مسلمون وافرحوا كيفما شئتم
فللعيد هنا طقوسا للموت
عيدنا هنا طقوسا للحزن
أطلقوا ألعابكم في السماء كي يشاهدها الغزيون /
غنوا للعيد والفرح
وغزة ستغني للموت والثورة //
هنيئا لكما العيد
هنيئا لكما بالنجاح الأكيد ..؟
هنيئا لكما لأنكم لا ترو عيدنا ...
إسرائيل لم تدخل إلى غزة حلوى العيد.. ولم تستطع غزة أن تصنع الكعك لأبنائها؛ لأن كلفة الكعك مفقودة، والأفران ومطابخ البيوت توقفت لعدم توفر وقود الطبخ.. منذ وقت طويل ومعيلي غزة ينتظرون عيدية من هنا، أو هناك.. وعندما استلم القليل منهم مائة دولار طارت سدادا لديون قديمة.. أو لشراء ملابس رثة، فلا ملابس جديدة هذا العام، حيث بضاعة تجارهم الصينية ألقاها القراصنة في البحر .. لتلبسها الأسماك المهاجرة ابتهاجا عنهم.. ومن قاد الانقلاب لا يهمه العيد.. ولا يهمه العبيد، فهو قد عثر على كنزه المسحور..! لا يهتم سوى بمن يعمل معه؟؟ وكأن الرعية فقط هم هؤلاء الجنود الذين باتوا يعيثون في الأرض فسادا، صاروا يركبون خيول الماغنوم الفائقة السرعة والقوة ؟! لا يعنيهم المرضى الذين يقصدون السفر للعلاج، ولا يعنيهم إن استلم جيش أبو مازن رواتبهم، أم لا.. لا يعنيهم تواصل الأحبة وذوي القربى ...
ماذا نريد من هؤلاء الذين يرقصون للموت ..؟
ماذا تريد منهم يا كريم ..؟؟
إنهم منزهون عن الشهوات وعن الرغبات الإنسانية..؟
إنهم من فقدوا التحية..
أنا لا أريد منهم شيء، سوى أن يعيدوا لشعبي الإنسانية..!
وأن يأتينا العيد وشعبي يتمتع بالحرية..!
وكل عام وشعبنا بخير
هو وكل الأمة العربية ..

ليست هناك تعليقات: