الأربعاء، ديسمبر 10، 2008

هل أحيلت منظومة حقوق الإنسان إلى التقاعد في عيد ميلادها الستين؟

زهير الخويلدي
" ولكن الحرية كحق إنساني لا تتأسس على اتحاد الإنسان مع الإنسان بل على انفصال الإنسان عن الإنسان" كارل ماركس، حول المسألة اليهودية.

تحل الذكرى الستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم يوم 10 ديسمبر 1948 والمعمورة تشهد تزايد في النصوص والقوانين والدساتير المؤكدة على أهمية هذه الحقوق ومع تعرف أيضا تكاثر التعديات والانتهاكات لهذه النصوص على صعيد التجربة اليومية في إطار علاقة الدولة بالمجتمع أو علاقة الدول ببعضها البعض وعلاقة الإنسان بغيره من الكائنات والطبيعة بصفة عامة، ولعل المشكلة التي تظل مجهولة هي سبب هذا التفاوت ومصدر هذا اللااحترام والتقصير وغياب الالتزام والتطبيق.

إذا عدنا إلى النصوص التأسيسية الأولى للمنظومة الحقوقية العالمية نجد هذه الصيغة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن، وقد فسرت العلاقة بين الإنسان والموطن على أنها علاقة تشابه واقتران وانتماء وتضمن وبالتالي فهمت الواو على أنها واو عطف واستئناف ولكن إذا استنطقنا هذه العلاقة جيدا وتدبرناها منكل جانب وأنزلناها إلى التاريخ وعدنا بها إلى الواقع الاجتماعي وعرضناها على علاقات السلطة والرغبة والقرابة فإننا نكتشف البون الشاسع بين اللفظين والاختلاف الكبير من ناحية القانونية والمشروعية بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن. أليس ثمة تناقض إذن بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن؟ كيف نفسر حرمان الناس في غزة مثلا من الدواء والغذاء والماء والطاقة؟ ألا تركب جرائم ضد الإنسانية تحت شعار احترام حقوق الإنسان والحرص على حماية ثقافة السلم والتسامح؟

في الواقع يعود الفضل لكارل ماركس في تمييزه بين المفهومين وفي الكشف عن المغالطات التي يخفيها الإعلان بعد الثورة الفرنسية وقيام الجمهورية الفرنسية وتأكيده على وجود خلفية برجوازية مجردة لكلمة الإنسان وابتعاد كبير عن وضعية الإنسان الواقعي ومختلف التحديات التي يواجهها.

حقوق الإنسان حسب النقد الماركسي هي حق الفرد المكتفي بذاته والمنفصل عن النوع البشري والمتقوقع على ذاته والرافض لكل غيرية ، انه حق الكائن الأناني الفاقد للإيثار وحسن الجوار والمضيع لحق الضيافة والهادم لإمكانية التواصل الاجتماعي لكونه يرتكز حول ذاته وملكيته وثروته بمعزل عن الآخرين ودون إشراكهم بجدية في عملية الانجاز الذات وحفظ الكيان الجماعي.

ما يستخرجه ماركس من النص الحقوقي الشهير الذي يتحدث عن الإخاء والحرية والعدالة هو أن الحرية السياسية الظاهرة ماهي في الأخير سوى التعبير عن الازدواج في الواقع الإنساني بين حياة خاصة وحياة عامة، بين الإنسان كفرد ينتمي إلى النوع البشري والإنسان كمواطن ينتمي إلى دولة.

إن الإعلان عن المنظومة الحقوقية العالمية قد ساعد على استكمال عبودية الإنسان ووقوعه في وضعية لاانسانية وفاقم بؤسه وضياعه في العالم وسبب فقدانه لأبسط الحقوق الأساسية التي يضمن بها بقائه ويحفظه من الاندثار والذوبان في القطيع والحشود.

إن الذي أدي إلى مثل هذه الوضعية العليلة هو النظرة الاختزالية وتفكيك الإنسان إلى وحدات جزئية وفصله عن جماعته وطبيعته والنظر إلى جملة حقوقه من زاوية حق الملكية الفردية. في هذا السياق يرى ماركس أن التطبيق العملي لحق الحرية إنما هو حق الملكية الخاصة وهذا الأخير هو الحق في الأنانية لأنه يعطي للإنسان الحق في التمتع بثروته والتصرف بها طبقا لأهوائه ورغباته وبصورة مستقلة عن المجتمع دون الاكتراث بمصالح الناس وحقوقهم.

من هذا المنطلق يجعل حق الملكية كل إنسان يرى في الإنسان الآخر ليس تحقيقا لحريته الخاصة بل تقييدا لها وتعديا على قيم التكافل والتعاون والعدالة والمساواة والإحساس بالغير والمناصفة.

صفوة القول أن الإعلان العالمي عن ميلاد حقوق الإنسان والمواطن قد بلغ بعد ستين سنة زمن الشيخوخة وينبغي إحالته على التقاعد وإزالة التناقض بين حقوق الموطن وحقوق الإنسان والتفكير بجدية في تطويره وتنقيحه وأخذ جملة الانتقادات والمراجعات والإصلاحات بعين الاعتبار لأنه لم يعد النص القانون الكوني الضامن لاحترام حقوق الإنسان والنظر أليها بهيبة وقدسية وهالة شرعية لكثرة الخروقات والانتهاكات ولارتباطه بدول كبرى اشتهرت بتوظيفه الإيديولوجي من أجل التوسع الكلياني وممارسة الهيمنة على دول العالم الأخرى.

إن المطلوب اليوم هو انعتاق سياسي شامل يحول الإنسان من فرد أناني مستقل بذاته ومجرد عضو في المجتمع إلى مواطن وشخص معنوي ينظم قواه الخاصة ويشارك مشاركة فعالة في صياغة مدونة قانونية كونية دقيقة تحفظ حقوق الإنسان والمواطن والشعوب والأرض والكائن بصفة عامة في وحدة وتناغم ودن أن يناقض عنصر عنصرا آخر. فهل يكفي إلغاء حق الملكية الفردية وإسناد حق الملكية العامة إلى أجهزة دولة العناية حتى يتم ردم الهوة بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن؟ وماهي وضعية حرية المعتقد وحق اللااعتقاد وحق أداء الشعائر الدينية في كنف الأمن والسلم؟ ثم كيف ستكون يا ترى هذه المدونة؟ ومن سيبادر بكتابتها؟ وهل سيشارك مواطني الدول النامية في كتابتها وهم لم يتمكنوا من صياغة دساتير بلدانهم ولم يشاركوا ولو مرة واحدة في صنع قرار سياسي مصيري يخص منظومة الحقوق التي ينبغي أن يتمتعوا بها؟

كاتب فلسفي

ليست هناك تعليقات: