الأربعاء، ديسمبر 24، 2008

الى الذين يعتبرون أنفسهم"بوشيين" أكثر من بوش نفسه

د. صلاح عودة الله


ألا سلمت يمينُك إذ أهانـت


جبينَ البوشِ يعلوه الحـذاءُ..


ليختم عهده فـي ذلِّ خـزيٍ


فلا أرض بكتـه ولا سمـاءُ..


ويعلـمَ أن أمتنـا ولــودٌ


ولن يُحمى إذا نزل القضاءُ..


ألا يا ناس ُ قد نطق الحذاءُ


وتحت البوشِ والأوغادِ ماءُ..


ألا سلمتْ يمينك يا ابن حرٍّ


وقد ثارت دمـاؤك والإبـاءُ..


ألا قد طالَ صمت بني أبينـا


ومنك أخيّنا نطقَ الحـذاءُ..


فقال لبوشهم قـولا بليغـاً


أن اركعْ يا جبانُ كما تشاءُ".


قام الرئيس الأمريكي ومجرم الحرب العالمي جورج بوش بزيارة وداعية مفاجئة للعاصمة العراقية بغداد، وقع خلالها مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الاتفاقية الأمنية بين البلدين، وذلك في خطوة رمزية اكثر منها قانونية..ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن, حيث أن هذه الزيارة التي بدت ناجحة في مطلعها، انتهت وأثناء المؤتمر الصحفي بين بوش والمالكي بارباك كبيرعندما قام مراسل قناة "البغدادية" الصحفي منتظر الزيدي الذي كان واقفا بين المراسلين برشق حذائه باتجاههما قائلا"هذه هي قبلة وداع الشعب العراقي لك أيها الكلب"، وأضاف مع إلقائه الحذاء الثاني:"وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق"، وأصاب الحذاء هذه المرة العلم الأمريكي المعلق خلف بوش.وما تزال ردود الفعل على هذه"الضربة" تتوالى بعد مرور اكثر من اسبوع على وقوعها, ومعظم هذه الردود مؤيدة للصحفي الزيدي..وهنا أريد أن اتطرق الى فئة من داخل البيت العربي الذين يعتبرون انفسهم مثقفين وإعلاميين والذين قاموا بادانة واستهجان ما قام به هذا الصحفي لأنهم يعتبرون أنفسهم أهل أذواق وأهل حضارة وغيرهم مجرد همج لا يعرفون أصول وقواعد التعامل مع أمثال بوش.."ورب الكعبة انهم والحضارة والأذواق عبارة عن خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا"..ولا زال هؤلاء يذمون عمل الزيدي ويحاولون إقناع الرأي العام العربي وبكل الوسائل والطرق بأنه عمل غير حضاري. في كل العالم هناك من هو معجب بالولايات المتحدة، ليس بتقدمها العلمي والاقتصادي وحسب، بل بسياسات إداراتها المتعاقبة أيضاً, ولا يقتصر الأمر على أنظمة وحكومات أو قوى، بل يتجاوزه إلى أفراد من الذين ينتشرون ربما بمئات الألوف أيضاً في عالمنا العربي..انهم فعلا كالذباب من الصعب القضاء عليه, بل ان الذباب أشرف منهم بكثير..

ان المؤذي في الصورة ليس الموقف السياسي أو العقائدي الذي يمكن المرء أن يتخذه تجاه أي قضية ذات طابع خلافي، بل هو الموقف الأخلاقي المعيب الذي يجعل من البعض، ولا سيما الإعلاميين، يتخذون موقفاً مطابقاً للموقف الأميركي من مسائل ليست محل نقاش، إلا إذا كان هؤلاء الإعلاميون يرون أن احتلال أرض والقهروتجويع شعب ونهب خيراته وتدمير بنيته التحتية واغتصاب نسائه وقتل أطفاله وتغيير نظام أمر ممكن أو مبرر. ولكن يبدو أن من ينطق بالموقف اللاأخلاقي من قضية الصحفي منتظر الزيدي هو نفسه الذي يشعر بأنه بات لا يقدر على الاستمرار في الحياة من دون التماهي مع الإدارة الاميركية، وصولاً إلى حدود أن هؤلاء يتصرفون كأن الحذاء الذي نجا منه الرئيس الأميركي جورج بوش قد أصابهم هم، وربما هذه هي الحقيقة.

وإلا فما معنى وأبعاد المواقف المتتالية من إعلاميين يعملون في مؤسسات تمولها الإدارة الأميركية مباشرة، تطوعوا لكتابة ما يخجل أن يكتبه أي صحفي أميركي دفاعاً عن رئيس تافه ومجنون قبل أن يكون مجرما. وتتسائل هذه الفئة المدعية بأنها مثقفة وحضارية:ماذا قدم حذاء الزيدي للقضية العراقية بل للقضية العربية؟ وسأقوم بالاجابة على هذا السؤال بأسئلة: دعونا نعتبر أن ما قام به الزيدي عملا غير حضاري, فلماذا يقلق أهل الحضارة ؟ ولما ذا لا تكون نتائجه عكس ما جرت به الرياح ؟

وأين كانت الحضارة عندما كان الرئيس بوش يأمر جنوده وبكل وحشية وهمجية بإهانة وقتل وقصف الصحفيين العرب في العراق وفي غير العراق ؟ إن نفس الكلام الذي قيل عن حذاء الزيدي قيل عن صواريخ المقاومة الفلسطينية التي هي في نظر البعض مجرد مفرقعات لا تقدم شيئا للقضية الفلسطينية . يقال هذا في وقت تحتفظ الثكنات العسكرية العربية بالصواريخ الحقيقية التي علاها الصدأ دون أن تستخدم. إن هذه الصواريخ وحذاء الزيدي على الأقل عبرت عن رفضها للاحتلال ، ولم تباركه ،ولم توقع مع أصحابه المعاهدات كما فعل المنبطحون المهرولون الذي خانوا الله والوطن. من الطبيعي ان يدافع العملاء عن سيدهم ورغم دوي هذه الفضيحة فأنهم نكسوا رؤوسهم الذليلة في التراب لقوة الصدمة فإن كان الرئيس بوش ودع من قبل العراقيين بهذه الطريقة فكيف يا ترى ستجرى مراسيم توديعهم؟

ولم ينبري للرد على الحدث سوى راصد بائس من متوسلي مرصد الحريات الصحفية هدفه الوصول الى قمة الشهرة وقام بفضح عمالته عندما حاول استخدام لغة المنطق والمنطق منه براء..فقام مدعيا بسخافة لا حدود لها بأنه"لا حرية ولا ديموقراطية تبرر إهانة الأخرين وتوجيه الأحذية نحوهم", ورد عليه احد المواطنين ممن ذاقوا مرارة الاحتلال وقهره وطغيانه وويلاته قائلا" لو كان هناك فردة ثالثة لملأنا بها فمك".. ولكننا سنحاول الرد عليه بلغة المنطق- وان كان لا يستحق التعامل معه بهذه الطريقة- بإعتباره راصد وإن كان من المؤسف جدا كمواطن عراقي أن يقوم برصد هذا الحدث متاهلا وتناسيا رصد الملايين من الاحداث المرسومة على الوجه الثاني للعملة، ونسأله هل يا ترى من الحرية والديمقراطية التي تتحدث عنها أن يهان شعب بأكمله؟ وهل منها ما يرر قتل مليون عراقي؟ وهل منها ما يبرر تدمير بلد ومسح هويته وكرامته وسيادته واستقلاله وعروبته؟ وهل منها ما يبرر فضائح سجن أبو غريب التي نشر غسيلها مرة ثانية وفتح تحقيق مجددا بحق المجرم الأمريكي رامسفيلد؟ وهل الديمقراطية والحرية تبرر اغتصاب 90% من السجينات العراقيات؟

وهل الديموقراطية والحرية تسمح بسرقة ثروة البلاد واثارها وحضارتها العريقة وتهريبها الى خارج البلاد؟ وهل منها وجود مليوني أرملة وأربعة ملايين أمية ممن يجهلن القراءة والكتابة؟ أم منها ملايين الأيتام والمشردين في الشوارع في ظل حماية حقوق الطفل؟ لا نريد الإطالة ولكن نقول لك,ان كنت غير راصد فتلك مصيبة وإن كنت راصدا فالمصيبة أكبر.

ان هذه الفئة المدافعة والمستنكرة بدءا بالمالكي الدمية للعار الذي حمله حذاء الزيدي إلى وجه بوش بيده في الوقت الذي انحنى له بوش فكان انحناؤه أكثر مذلة ، ومرورا باعتذار الصحفي نيابة عن الصحفيين في الوقت الذي كان من المنتظر أن يتابعوا جميع الصحفيين الحاضرين ما بدأه زميلهم الجسورالبطل فيخلعوا أحذيتهم لرجم مجرم الحرب هذا وزعيم الارهاب العالمي وقائد الاستعمار بدلا من التفرج على زميلهم وهو بين يدي الكلاب الضالة والمتوحشة الأمريكية والعراقية تنتف شعره وتكسر عظامه أمام عدساتهم التي نقلت المشهد للعالم، ومرورا بالمشككين في قيمة عملية إذلال بوش واعتبارها مجرد مسرحية عند بعضهم أو بالمخوفين الذين توعدوا العرب والمسلمين بالويل والثبور وعواقب الأمور نيابة عن بوش ودون توكيل منه لمجرد أنهم دأبوا على الانبطاح وتجذر الذل والهوان فيهم, وصارت دماؤهم من فصيلة الحقارة والذل والعار..انها دماء غير نقية تجري في عروق شياطين وليس بشر، وانتهاء بالذين تأسفوا لذلة بوش ووصفوا عملية رميه بالحذاء تعبيرا عن البداوة والتخلف ونعتوها بكل أصناف النعوت التي تخفف من شدة وقع الحادثة عليهم.. وقد ذكرني موقفهم هذا بحادثة الحمار والعجول والتي مفادها أن قرويا تسوق واقتنى عجولا وحمل على ظهر حماره بضاعة ، وبينما هو في الطريق إذ عدت العجول عدوا غير طبيعيا بسبب حالة تعرف "بالتيكوك " وقلد الحمار"الذكي" العجول في عدوهم رافعا ذيله إلى السماء وملقيا بما يحمل على الأرض. وبعدما قطع القروي مسافة طويلة وهو ينوء بحمل ما خلفه حماره وجد العجول مسترخية عند ظل و قرب ماء وقد أصابت منه وبركت تجتر ما كان في جوفها وإلى جانبها وجد الحمار باركا لا يجيد الاجترار، فلم يكن من القروي إلا أن أمسكه من أذنيه وعضه على أنفه قائلا :"إذا كان عذرالسادة العجول في العدو داء " التيكوك " فما بال أمك أنت يا حمار ؟ " .

فهذا حال الذين أسفوا لإذلال بوش، فإذا جاز لبوش أن يحزن لذل لحقه فما بال أمهات الآسفين من المحسوبين على العرب والمسلمين- وهؤلاء منهم براء- عليه وما هو تيكوكهم ؟. ان مشكلة هؤلاء أن الأمريكان أنفسهم اصطفوا أمام البيت الأمريكي وألبسوا أحدهم قناع بوش ورموه بأحذيتهم إمعانا في إذلاله ، وقلدهم في ذلك صغارهم ، وابتدعوا لعبة إلكترونية سموها لعبة إذلال بوش في حين عبر نسل المهانة عندنا عن أسفهم الشديد. إن الله عز وجل يذل الطغاة على قدر أقدارهم ، فلما كان قدر بوش هينا فقد اختار له الله تعالى مذلة النعل والحذاء في أرض أمعن في إذلال أعزة أهلها فأذاقه سبحانه وتعالى قمة الخزي والعار ليكون عبرة لمن يعتبر. فإذا كان نصيب فرعون الغرق ، ونصيب قارون الخسف ، فنصيب بوش النعل وما أوسخه وأحقره من نصيب. أسفي على أمة فيها من ضخت في دمائهم الخيانة والذلة والمهانة وهم أجنة في بطون أمهاتهم ، وسخرهم عدوهم المهين لاستنزاف مقاومة الأحرار الأشاوس لتأخير زمن طرده ذليلا من أرض العزة والكرامة. والى هذه الفئة الخسيسة الوضيعة اقول ما قاله ابن الرومي رحمه الله واصفا رجلا أقل خسة منها: بما أهجــــوك لا أدري لساني فيك لا يجري**فإن فكرت في عرضك أشفقت على شــعري. ونقول لهذه الفئة بأنه إذا كان بوش إستحق فردتين لأنه مجرم فإنكم تستحقون المئات منها وبمقياس أكبر من"عشرة" يناسب افواهكم الثرثارة لأنكم عملاء, ولكن ليس أن تقذفون بها كما حصل لسيدكم وانما أن تلقمون بها وعلى يد أشراف العراق وهم كثر..أطفال العراق ومغتصباته ويتاماه,وووو، لأن العمالة في القاع البعيد من الخسة والحق يقال لم يصل هذا العمق إلا القليل وأنتم جزء لا يتجزأ منه. وتبقى هناك حقيقة لن تنساها أبدا ذاكرة الأمريكيين وهى أن طغاة العالم على مر التاريخ إما قتلوا أو أعدموا أو سجنوا ، أما بوش فإنه يبقى الرئيس الوحيد الذي كانت نهايته الضرب بـ"الجزمة"..وأما انتم فبانتظاركم ملايين"الجزم" التي ستلقي بكم في مزابل التاريخ..وان غدا لناظره قريب.
-القدس المحتلة

ليست هناك تعليقات: