الجمعة، ديسمبر 05، 2008

لو كنت رجل امن فلسطيني

عطا مناع

يتحمل رجل الأمن الفلسطيني العبء الأكبر لتعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي وممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي بدخول مدن قرى مخيمات الضفة الغربية التي يفترض أن تخضع للسيادة الفلسطينية، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتعمد الدخول يوميا للتجمعات الفلسطينية وتمارس عمليات الاعتقالات والتنكيل والإعدام بدم بارد بحق الوطنيين الفلسطينيين، هذه الممارسات التي تصل لحد جرائم الحرب تتم في ظل صمت دولي وعربي وتمسك فلسطيني بالتسوية الهشة التي باتت تشكل غطاءً لمنظومة القمع الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

لقد لعب الانقسام الفلسطيني في ترسيخ ثقافة مشوهة تكاد تكون شاملة تعتمد القضاء والتنكيل بالآخر الفلسطيني ما أدى إلى الانحراف عن أبجديات الثقافة الوطنية الفلسطينية التي اعتبرت الدم الفلسطيني خط احمرلا يمكن المس بة، وبسقوط هذا الثابت الفلسطيني انهارت البنية الروحية للشعب والتي اعتمدت الأهداف الوطنية للشعب سياجا للحفاظ على ديمومتها وحلت مكانها الثقافة الحزبية التي تأخذ الايدولوجيا ضيقة الأفق مرشدا لها مما يفسر حالة التراجع ألقيمي والثقافي في أوساط شعبنا.

وتعتبر الايدولوجيا ووسائل التعبئة المضللة في غالبيتها الطريق الأقصر لتحقيق مصالح أمراء الحرب الذين يديرون الصراع الداخلي بما يخدم أجندتهم ومصالحهم مبتعدين بذلك عن كونهم جزء من المنظومة التاريخية التي راكمت الفكر الفلسطيني الوطني الذي شكل الضمانة لاستمرار مقاومة دولة الاحتلال الإسرائيلي حتي في أكثر الحقب الفلسطينية حراجة، هذا النهج الطاغي على الخطاب والسلوك القيادي الفلسطيني الذي يعتبر أنة"خليفة اللة على الأرض" نظرا لامتلاكة وسائل السلطة والمال غرر بقطاعات واسعة من الشعب ارتضت لنفسها أن تعيش اللحظة بالانخراط في اللعبة مع إدراكهم الكامل بخطورتها على الوجود الوطني والجسدي والثقافي للشعب الفلسطيني.

صحيح أن المواطن المغلوب على أمرة يراقب ما يجري من انتهاكات وجرائم وتنكيل وتعذيب في السجون الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الفلسطيني الذي يعيش الحاجة نظرا للأوضاع الاقتصادية المنهارة وانعدام الأمن والسطو على حقوق الإنسان وعدم الالتزام بالقانون وسيادة العشائرية والفساد الاقتصادي والسياسي واستخدام المقاومة كشعار يعبر عن الحالة وليس كاستراتيجية مقاومة تحترم قاعدتها ولا تتعامل معها كحطب لتحقيق مآرب تلك الجهات، الموطن المغلوب على أمرة وخاصة شريحة الشباب انخرطت تلقائيا للعمل في الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمليشيات التابعة للفصائل لتتورط مرغمة وفي سياق ايدولوجيا وشعارات التضليل في اتخاذ مواقف لا تقبل القسمة على اثنين ولتنحاز إلى رب نعمتها الذي ينحاز لرب نعمته.

لا ضير في الانخراط بأجهزة الأمن والمليشيات المفترض أن يتوجه فعلها وبالكامل لمقاومة الاحتلال، ولكن المتغيرات التي فرضت نفسها على الساحة الداخلية الفلسطينية تستدعي الإجابة على أسئلة تطرح نفسها بقوة في الشارع الفلسطيني الذي يشاهد عبر الفضائيات عنيفة دون خجل، وكل الأسئلة الملحة والمتداولة لها علاقة بالأداء السياسي والأمني والحقوقي والاقتصادي لحكومة الضفة الغربية وحكومة غزة المقالة، وطالما إنني أحاول معالجة البناء الروحي والنفسي اللذان يشكلان أساسا للسلوك والتعامل مع الآخر، ويبدو التشوة في البنية الروحية في الشخصية الفلسطينية ظاهرا من خلال الفعل الميداني في الشارع، فعلى صعيد قضية الحجاج اللذين يفترض أن توفر لهم وسائل الراحة وكل الإمكانيات للوصول للأراضي الحجازية، عملت جهات الصراع على استغلالها، وبعيدا عن المواقف السياسية ومواطن الخطأ والصواب في قضية الحجاج الفلسطينيين في غزة، فان سلوك شرطة الحكومة المقالة التي استخدمت العنف مع الحجاج على معبر رفح لمنعهم من السفر تحت حجج ومبررات لست يصددها، هذا العنف الذي شرعتة الحكومة المقالة بصمتها رغم إصابة العديد من الحجاج يعبر عن تناقض صارخ بين الشعار والممارسة إذا أخذنا بالاعتبار أن غزة تحت سيطرة حركة حماس التي يفترض أن تتعامل مع هذه القضية بحنكة اكبر ولا تتمترس خلف موقفها انطلاقا من أن الدين يسر وليس عسر وان عزة فيها ما بكفيها.

الحقيقة التي قد تكون مطلقة أن أدوات السلطة التي قوامها فقراء الشعب تنفذ سياسة خطيرة بحق الشعب، مما ينذر بعواقب وخيمة في المستقبل في ظل العنق المستخدم ضد الوطنيين الفلسطينيين والذي حفر عميقا في وجدان المقموعين وعقولهم لدرجة عدم الغفران مما يفرض على النخبة الفلسطينية والعربية التي ترى وتسمع ولا تتكلم وضع العصا في عجلة عربة الاضطهاد والتنكيل وتوجيه رسالة واضحة لا لبس فيها ولا مجاملة تكشف ما يجري في الطوابق السفلى في السجون الفلسطينية التي لا تعطي أهمية لكرامة الإنسان وحياتة، وما التصريحات"الوردية" لحيتان الصراع عن واقع السجون الفلسطينية إلا دليل واضح على مدى المعاناة التي يعيشها الشباب الفلسطيني الوطني، لذلك لا بد من العودة لثقافة الشعب الذي راكمها بتضحياته وهذا يفرض على الجميع السؤال التالي؟؟؟؟؟

لو كنت رجل امن فلسطيني أو عنصر في المليشيا الفصائلية.. هل يفترض أن أنفذ ما يقال لي وبشكل أعمى؟؟؟؟ في اعتقادي أن القانون والدستور الفلسطيني إضافة إلى التراث الفكري للشعب وثقافتة الوطنية المستمدة من تطلعاته للحرية والاستقلال تفرض علي إن أقف وأفكر فيما يجري في الميدان من سحق وحصار للفلسطيني.

لو كنت رجل امن فلسطيني سأرفض أوامر إطلاق الرصاص على أخي الفلسطيني.
لو كنت رجل امن فلسطيني لن أتسلل ليلا بصرف النظر عن المسمى لاعتقال أخي الفلسطيني لأنة فتحاوي أو حمساوي.
لو كنت رجل امن فلسطيني سأفكر بالحال المشترك للفلسطينيين في الوطن والشتات، حال يعكس الخطر والملاحقة والتطهير العرقي والحصار والحواجز الاحتلالية التي لا ترحم.
ولو كنت رجل امن فلسطيني لما قبلت أن أعذب وأنكل بالفلسطيني لمجرد أنني اختلف معة عقائديا، وخاصة أن "الكبار" سيذهبوا للحوار وسيقسموا الكعكة ولن نحصل إلا على الاعتذار عما ارتكب بحقنا من جرائم.
لو كنت رجل امن فلسطيني أو عنصر في مليشيا وطنية لما قبلت أن أشارك بقتل بائع الدجاج في سوق خان يونس بالضرب بالهراوات حتى الموت.
ولو كنت عضوا في مليشيا وطنية سأحرض كل من يصدر الأوامر بإطلاق الرصاص على أرجل الفتحاويين في قطاع غزة وعمليات الخطف التي تجري ليلا لتسفر عن جثة معذبة مشوهة ملقاة على قارعة الطريق قد تكون لإنسان التزم بقضيتة فكرا وممارسة أكثر مني.

لا يجوز أن يتحول الواحد منا إلى الضحية والمعتدي في نفس الوقت، وليس قي صالح شعبنا أن نتحول لقامع ومقموع على اعتبار أننا كلنا نتعرض للقمع المركب، فلا يخفى على احد أن الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية والتي تتجاوز أل 650 حاجزا احتلاليا ليس لديها"لحى مشطة" فكم مرة رأينا مسئولا رفيعا في السلطة يقف في انتظار الدور للتفتيش، وكم حادثة إعدام متعمد جرت بحق النخبة المقاومة تحت سمعنا وبصرنا، أيعقل أن يخير الفلسطيني بالموت بقذيفة تطلقها مجنزرة إسرائيلية أو باليد الفلسطينية؟؟؟؟؟؟ أيعقل ما يحدث في مدينة الخليل من اعتداءات على عشرات آلاف من العائلات التي يفترض أن تكون آمنة من قبل قطعان المستوطنين الذين انفلتوا بشكل منظم لقتل الفلسطينيين وهذا ما اكدة حاتم عبد القادر مستشار فياض، الأكيد أن دولة الاحتلال التي قامت على الاستيطان وسلب الأراضي واحتضان المتطرفين اليهود استغلت الحملة الأمنية التي تقوم بها السلطة في محافظة الخليل لإغراق السلطة في المزيد من الإحراج، كما استغلت دولة الاحتلال غياب الفعل المقاوم أو المدافع عن ألذات الفلسطينية وبدأت حملة التنكيل في مدينة الخليل، وقد أصاب السيد حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي عندما طالب السلطة الفلسطينية بإطلاق سراح المعتقلين ليتسنى لهم الدفاع عن أبناء شعبهم خاصة أن السلطة الفلسطينية مقيدة أو مقيدة نفسها باتفاقيات أمنية باتت ترتد إلى قلوبنا لتدميها أكثر مما هي مدمية.

يقول الكاتب السعودي الكبير المسحوبة جنسيته في رائعتة رواية شرق المتوسط..... الضرب لا يغير إرادة الإنسان، وربما كان العكس هو الأصح، بمجرد ما إلي يد امتليء تصميما أن لا أقول كلمة واحدة، ومع كل ضربة جديدة ازداد بعداً عن السقوط، الإنسان إرادة قبل كل شيء..... ويقول مننيف في مكان آخر في رواية شرق المتوسط.... البكاء يهد اكبر الرجال، وأقصى ضربة توجه لرجل أن يرى امة أو اختة تبكي أمامه..... انتهى الاقتباس، الأكيد أن المئات من الفلسطينيين بكوا على يد إخوانهم الفلسطينيين، فماذا يخبيء القدر لنا.

ليست هناك تعليقات: