الجمعة، ديسمبر 12، 2008

ليس دفاعا عن"حماس"..بل دفاعا عن المشروع الوطني

د. صلاح عودة الله

"عن انسان..وضعوا على فمه السلاسل..ربطوا يديه بصخرة الموتى ،و قالوا : أنت قاتل..!أخذوا طعامه و الملابس و البيارق..ورموه في زنزانة الموتى ،وقالوا : أنت سارق..!طردوه من كل المرافيء..أخذوا حبيبته الصغيرة ،ثم قالوا : أنت لاجيء..!يا دامي العينين و الكفين إن الليل زائل..لا غرفة التوقيف باقية و لا زرد السلاسل..نيرون مات ، ولم تمت روما بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل"..!. الشاعر الفلسطيني الراحل, شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها..محمود درويش..وجدت في هذه ألابيات عزاءا كبيرا ويقينا يطمئنني على مستقبل فلسطين وشعبها رغم القتل والدمار والحروب التي طالت الشجر والحجر والانسان والتاريخ في ذلك البلد الذي يحتضن مدينة القدس اعرق واجمل مدن الدنيا والتي تحتضن بدورها اقدس المقدسات الاسلامية والمسيحية. لقد قام البعض ممن يحاولون وباستمرار التهجم على حركة حماس بخلط الأوراق,حيث قاموا بتصوير ووصف هذه الحركة على أنها تتصف بالطابع الاسلامي الزائف, ولكي نضع النقاط على الحروف, لا بد من التطرق الى المواضيع والقضايا التالية:
- قضية الحج والحجاج:يدعي البعض ان حماس قامت بحرمان الحجاج الفلسطينيين الغزيين من أداء فريضة الحج هذا العام وذلك بمنعهم من العبورعبرالمعابر الى مصر ومن ثم الى الديار السعودية, وللرد على هذا الادعاء الباطل الأجوف أقول بأن حركة حماس قامت بالمطالبة بالمساواة بين الحجاج الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة..ومن هنا فان تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة لا تنطبق على هذه الحركة, وكان سيد طنطاوي قد صرح بأن مانعي الحجاج من أداء هذه الفريضة بأنهم يرتكبون أكبر المنكرات والكبائر, وكانت أقواله هذه موجهة لحركة حماس.ان تصريحات هذا الشيخ وان نختلف معه كثيرا من المفروض أن توجه الى الذين جعلوا من هذه الفريضة الدينية وسيلة وورقة تستعمل للضغط السياسي, هذا الضغط الذي يحمل في طياته امورا خطيرة ذات ابعاد لا أول لها ولا اخر.وقبل نهاية مناقشة قضية الحج والحجاج لا بد من التذكير بأننا غير ملزمين بالاستماع الى نصائح وتصريحات هذا الشيخ في الأحكام والأمور التي تخص الدين والسياسة على السواء..فهذا الشيخ الذي يترأس أكبر مرجع اسلامي سني وهو الأزهر قام بتصرف أقل ما يقال عنه بأنه غبي اذ قام بمصافحة رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريس في مؤتمر ما يسمى بحوار الأديان الذي دعا اليه الملك السعودي"خادم الحرمين الشريفين" والذي انعقد في نيويورك مؤخرا..انه بتصرفه هذا قام باهانة الاسلام والمسلمين والجامع الأزهري الذي يقف على رأس هرمه.
- الحوار الوطني الفلسطيني:لقد قام البعض بتحميل حركة حماس مسؤولية عدم نجاح بل انها تعمدت افشال ما يسمى بالحوار الوطني الفلسطيني والذي كان من المفروض ان يجري في القاهرة..من المعروف ان مصر هي الراعية لهذا الحوار ومن المعروف ايضا عدم حيادية الموقف الرسمي المصري من طرفي المعادلة الفلسطينية, حيث ان هذا الموقف يتصف بالانحياز الكامل لعباس على حساب حماس, وهذه حقيقة من الصعب بل من المستحيل تجاهلها.ولهذا الموقف المصري الرسمي المنحاز لعباس اسبابه ودوافعه ومن اهمها: النفوذ الذي تتمتع به حماس -المحسوبة على جماعة الاخوان المسلمين- في قطاع غزة المجاورة لمصر, والوضع المصري المأزوم ومن كل النواحي وعلى كافة الأصعدة والمجالات.واذا أخذنا بعين الاعتبار الأولويات الأمريكية والاسرائيلية فعباس ومن معه يقفون على رأس هرم هذه الأولويات وهذه أيضا حقيقة لا يمكن اخفاءها أو تجاهلها,ومن المعروف أن السياسة الرسمية المصرية وساستها رهينة وحبيسة لرغبات اللوبي الصهيو-أمريكي, فساسة معظم البلاد العربية والاسلامية يعتبرون كحجارة الشطرنج بأيدي هذا اللاعب الماكر وهو اللولب الصهيو-أمريكي ومنظمة ما يسمى ب"الايباك".
ان أية قضية فلسطينية ومنها الحوار تجري مناقشتها تحت سقف وخيمة معاهدة أوسلو المشؤومة..هذه المعاهدة المعروفة بانحيازها المطلق للصهاينة والتي مهدت في ما مهدت اليه الى الاقتتال الفلسطيني الداخلي بحجة مكافحة الحركات الفلسطينية الارهابية,جاءت لتصفية الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة بعد ستة اعوام على انطلاقتها وذلك بعد ان عجز العدو الصهيوني عن اسكاتها..وقد تم انشاء ما يسمى بالسلطة الفلسطينية والتي نجحت نجاها منقطع النظير باعاقة المقاومة الفلسطينية واعادت حركة التحرير الفلسطينية الى الوراء عقودا عديدة..وهذا هو المطلوب.ان هذه السلطة هي التي أوصلت قضيتنا الى ما وصلت اليه الان من حالة من التشرذم والانقسام لم تشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني على انقاض أرضنا وأرض اجدادنا التاريخية.
لن يتغير الأمر ولا الواقع اذا تواجدت في هذه السلطة عناصر ورموز تابعة لفتح أو لحماس, ومن المؤكد أننا لسنا بحاجة الى حكومات فتحاوية أو حمساوية بل وحتى حكومة مشتركة تتكون من وجوه فتحاوية وحمساوية, وبالتالي فان الحديث عن انتخابات رئاسية وتشريعية في موعدها أو قبل أو بعد موعدها يعتبر حديثا لا معنى له..انه حديث أجوف لا يغني ولا يسمن من جوع..كل ما نحن بحاجة اليه الان في ظل هذه الظروف الراهنة هو العودة الى المربع الأول وهو المقاومة وعبر انطلاق انتفاضة جماهيرية واسعة تفوق في وسعها وشدتها الانتفاضة الأولى الباسلة والتي تمر علينا في هذه الأيام ذكرى انطلاقتها الحادية والعشرون.
- الانقسام الفلسطيني:ان الانقسام الفلسطيني عبارة عن حقيقة ولا يمكن اخفاءه وتجاهلها, ولا يمكن تجاهل تأثيرها على مجمل قضيتنا..ان حالة الانقسام والانفصال هذه ليست بين حكومة عباس في رام الله وحكومة هنية في غزة, بل انها بين نهجين مختلفين تماما..نهج المقاومة المسلحة التي تبنته حركة حماس منذ تأسيسها وحتى نجاحها في الانتخابات التشريعية في شهر كانون ثاني عام 2006 وحينها بدأت تتراجع عنه رويدا رويدا, وبين نهج المساومة السياسية والمفاوضات مع العدو الذي لا يرحم الذي تتبناه حكومة رام الله..وهذان النهجان عبارة عن خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا..ومن هنا فانني لا أتفق مع المقولة التي تقول بأننا شعب يتقن فن ادارة الانتفاضات ويتقن أيضا فن ادارة المفاوضات..ومن المعروف ان سلطة رام الله بزعامة السيد محمود عباس ونهجها لا تتفق مع نهج المقاومة ولا تبارك بل تقف وتقاوم بداية انتفاضة فلسطينية ثالثة, وذلك تلبية للاملاءات الصهيو-أمريكية وبعض الأنظمة العربية التي تهرول وراء امريكا.
- اليسار الفلسطيني:لقد خابت الامال في ما يطلق على نفسه اليسار الفلسطيني, فلم يقم بالدور الذي كان متوقعا منه...لقد تخطينا مرحلة الخطابات والشعارات الرنانة والقاء الخطب وكتابة البيانات المنددة والدعوة الى التجمهرات, وحان زمن العمل..لقد اخفق هذا اليسار اخفاقا شديدا,وكل تخوفي الا يعود الى عهده الذي عهدناه..ومع ذلك فان الفرصة لم تضِع من "قادة" هذا اليساربعد، وما زال باب الأمل مفتوحا أمامهم، لكن عليهم أن يدركوا أن هذا الباب لن يظل مشرعا إلى الأبد، وأن للقلوب مرحلة من التحمل تقسو بعدها، وللنفوس حدا من الصبر تسأم عند نفاده، وحين ذاك لن يقف الشعب مكتوف الأيدي إزاء من يتخذ من دمه وقضيته ومصيره لعبة يلهو بها، وحين ذاك أيضا لا يلومن أحد إلا نفسه، فلا معنى لاستمرار الموت الفلسطيني من كل الجهات، وبخاصة من تلك التي تصور الشعب أنه سيسند إليها يوما ظهره المثقل بالجراحات والألم.
ان المطلوب من اليسار الفلسطيني وعلى رأسه الجبهة الشعبية"جبهة حكيم الثورة" ان يقوم باتخاذ موقفه العاجل, وهذا الموقف يتمثل في مهاجمة وانتقاد نهج حكومة رام الله وموقفها من المقاومة والعمل سويا مع الجهاد الاسلامي على اعادة حماس الى مربع المقاومة وانزالها عن الشجرة التي صعدت عليها..وبهذا ستعود حماس الى ما كانت عليه قبل الانتخابات والتي اخطأت عندما خاضتها, لأنها جرتها وراء أوسلو واخواتها وهذا يتطلب الكثير من التنازلات ولا أظن أن هذا ما تريده حماس.
- ما هو المطلوب؟:المطلوب من حماس استبعاد العقول المتحجرة من صفوفها(المطالبة باقامة امارة اسلامية في غزة), وأن تقوم بالتفكير الجدي والعميق بالاتحاد مع اليسار الفلسطيني والقوى الاسلامية الأخرى وكذلك القوى الفتحاوية الملتزمة..وبهذا لا ندعو إلى قيادة محصورة بغزة، بل إلى قيادة تنطلق من غزة..غزة التي انطلقت منها معظم الفصائل الفلسطينية، وإلى جعلها رأسا لحركة تحرير وطني فلسطيني جامعة لتفاعلات الوطن والشتات، وإلى جعلها قاعدة محصنة عنيدة لدورة جديدة في حياة المقاومة باتساع الوجود الفلسطيني.
ومن هنا أقول وأؤكد أنني لا ادافع عن حماس بحكم انتمائي لها أو تأييدها, فأنا لست ابنا لها وقد هتفت لغيرها, ولا انحاز اليها سياسيا أو أيديولوجيا، بل انني أحاول أن أضع سلال أمل قضيتنا والتي أوشكت ان تضيع عند عتباتها، فهي الحركة الأقدر الآن, هذا لو أحسنت التصرف بمنطق سليم يقوم على سياسة عدم اقصاء الاخروتقوم على إعادة توحيد النداء الوطني الفلسطيني الجامع، ودون استبعاد ـ بالطبع ـ لحركة فتح، ودون قطع الأمل في تجديد داخلي لفتح يزيح عنها غمة التيار الانقلابي الذي ادى الى ذوبانها، ويعيد إليها وهج الرصاصة الأولى..يعيد اليها وهج فتح الانطلاقة..انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.
-القدس المحتلة

ليست هناك تعليقات: