الأربعاء، ديسمبر 24، 2008

سأكتب بحذائي

عطا مناع
جاء الحذاء الذي ألقاه الصحفي العراقي منتظر الزيدي في وجه الرئيس الأمريكي الطاغية جورج بوش كمن يلقي حجرا في المياه الراكدة، المئات من المقالات والتظاهرات المؤيدة لهذا الفعل الذي وبسرعة الضوء شكل رأي عام عربي وفي الأوساط الغربية المناهضة لسياسة جورج بوش التي أودت بحياة الملايين من البشر بهدف السيطرة على خيرات الشعوب لصالح الاحتكارات الأجنبية.

العادي في ردود الفعل العفوية كان أن الصحفي الزيدي بطلا خرج نافضا عنة وعنا غبار الهزيمة والإذعان والتبعية للسياسة الأمريكية في الوطن العربي المثقل بالهموم، ردود فعل عكست حالة القهر التي تسود وطننا العربي الذي انصف هذا الرجل الذي قال كلمته بالحذاء، لان الواقع العربي لا يستحق إلا لغة التعبير بالحذاء، وقد ثبت أنها لغة ناجعة ومسموعة ولها فوائدها، بصرف النظر عن الآراء"العقلانية" التي تنادي باحترام الضيف والحيادية الصحفية.

بعيدا عن موجات التأييد الصادقة لمنتظر هناك بعض الأوساط الخارجة عن السرب تحاول أن تفلسف الحدث من خلال استحضار شعارات التحليل النفسي والكرم الحاتمي العربي ودور الصحفي الذي يجب أن يكون محايد كما يقولون، هذا صحيح ولكن ليس في حالة هذا البوش الخارج عن نطاق المعتقدات البشرية والسلوك الإنساني السوي.

لقد فشلت الإدارة الأمريكية التي ضخت مئات الملايين من الدولارات لمؤسسات إعلامية وإعلاميين باعوا أنفسهم وتحولوا لناطق ومدافع عن سياسة الولايات المتحدة من خلال تسويق الديمقراطية الكذابة والانخراط في مؤامرة مسح الأدمغة العربية بوضع السم في الدسم والتنظير للحقبة الأمريكية بالهجوم على كافة أشكال المقاومة، وفي محاولة للخروج من الورطة التي أوقعهم فيها منتظر الزيدي أعادوا تنظيم صفوفهم ووزعوا أدوارهم لتسخيف الحدث من خلال شعارات لا تنسجم مع الفاعل والمفعول به.

بعد حادثة الحذاء خرج البعض الصحفي والمثقف بشعار الحيادية الصحفية مما يطرح السؤال المشروع من وجهة نظري، من هو الصحفي.... وهل يمكن أن يعيش الصحفي الوطني خارج التفاعلات التي تحدث في مجتمعة.... أنا لا أتحدث عن صحفيين العم سام الذين مهدوا ولا زالوا للسياسة الفاشية لدولهم كما حدث في كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق التي سوقتها الصحافة الغربية والبعض العربي، أنا أناقش واقع وفكر المدرسة الصحفية التي تخرج منها منتظر الزيدي، المدرسة التي تسمي الأشياء بمسمياتها وتنحاز لمصالح شعوبها بعيدا عن الحسابات والتبعية.

منتظر الزيدي صحفي عراقي عايش هموم شعبة، وكغيرة من الصحفيين الوطنيين لمس بعين الصحفي الوطني الآلام والمأساي والجرائم التي سببها الاحتلال الأمريكي، وفقط الصحفي الإنسان والمثقف الإنسان والعربي الإنسان من يفهم ما قام به الزيدي الذي ناهض الاحتلال الأمريكي للعراق بالصورة والكلمة ولكن بلا فائدة، فالاحتلال استهدف المئات من زملاءة الصحفيين وخاطب أقلامهم وكاميراتهم بلغة الرصاص والقذائف، لذلك كان لا بد من استخدام اللغة التي يفهمها الاحتلال بعيدا عن أية تفسيرات ايجابية كانت أم سلبية، إنها لغة الحذاء التي أثبتت نجاعتها.

شئنا أم أبينا، وبمعزل عن الجدل الدائر في الأوساط المخملية التي لا زالت تناقش سؤال ايهما اسبق البيضة أم الدجاجة، فان لغة الحذاء خطت طريقها كمنهج في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأنا هنا استذكر الشرارة التي أطلقت انتفاضة الأقصى الفلسطينية عام 2000 حيث انطلق الحذاء من باح المسجد الأقصى عندما رشق المئات من المصليين جنود الاحتلال الإسرائيلي بكل ما وقعت علية أيديهم ومنها الأحذية، وفي عام 1956 عندما شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر خاطب الزعيم السوفيتي خرتشوف مجلس الأمن الدولي بحذاءة.
من حق الشعوب المتطلعة للخلاص من الاحتلال أن تستخدم كافة اللغات في خطابها، طالما أن هذا الخطاب بعبر عن نبضها، ولقد كتبت النخب المناهضة للاحتلال بكل اللغات التي من شأنها دحر الاحتلال واستقطاب جماهيرها، ولا محرمات للفعل الوطني، ومن حق المواطن العربي العراقي الصحفي منتظر الزيدي أن يخاطب الاحتلال بحذاءة، ومشروع للشعب الفلسطيني أن يخاطب الاحتلال الإسرائيلي بكل اللغات التي من شأنها الإبحار به لشط الأمان، وحري بالنخب العربية التي تشكل مقدمة الحربة في الصراع مع الدول الاستعمارية استحداث أشكال جديدة للمقاومة، لان هذه الدول تعاملت معنا ولا زالت بلغة القتل والابادة الجماعية، فلماذا يأخذ البعض على منتظر كتابة التاريخ بحذاءة.

ليست هناك تعليقات: