الاثنين، يناير 21، 2008

إيران وزيارة الرئيس بوش


الكولونيل شربل بركات

أراد الرئيس الأميركي جورج بوش في زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، على ما يبدو، وضع بعض النقاط على حروف سياسته الخارجية، وذلك قبل أن تبدأ مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لن تسمح له بحرية الحركة كما هي الحال اليوم. وقد رأيناه يرسم مسار التحالف الإقليمي بشأن المنطقة؛ وهو يعطي العرب دولة في فلسطين ودورا أساسيا في العراق ودعما لاستمرار الأنظمة والاستقرار الاقتصادي. ولكنه بالمقابل يريد تثبيت منطق التحالف معهم في مجالين:

الأول التزام في الحرب ضد الإرهاب وبالتالي تعاون مطلق في المعلومات من جهة، والتخطيط من جهة ثانية لمستقبل يخفف، إذا لم يمنع، خصوبة إنتاج المنظمات والحركات المعادية للتعاون العالمي والتي تعتمد الإرهاب سلاحا ووسيلة.

والثاني يتعلق بمساندة الولايات المتحدة الكاملة في ضغوطها على إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، وبالتالي زيادة فعالية هذه الضغوط التي قد تصل إلى حد الردع الفعلي.

بالطبع الرئيس بوش ليس اللاعب الوحيد على الساحة الدولية ولا في هذه المنطقة من العالم، ولو كان يملك نقاطا استراتيجية أساسية لصالح الولايات المتحدة تبدأ في المجال العسكري بالانتشار الفعلي في مناطق وسط آسيا والشرق الأوسط، إضافة إلى القدرة وحرية الحركة في البحر والجو، وصولا إلى التطور التكنولوجي في مجالات المراقبة والاتصالات. وهو يرأس القوة الأكبر والأكثر فعالية اقتصاديا مع مجموعة الدول الصناعية الثماني. فروسيا، وقد انضمت إلى هذه المجموعة، لا تشكل خطرا فعليا بعد، كونها لم تزل منهمكة في إعادة ترتيب البيت، ولو اعترضت على نشر الدرع الصاروخي في أوروبا، والصين تحاول الانفتاح على السوق العالمي والتأقلم مع المفاهيم والأساليب الجديدة، وتبدو في نفس الوقت مكتفية بدورها الإمبراطوري في جنوب شرق آسيا. ولكن يبدو أن تعاظم القوة الأصولية في إيران، ورعايتها للإرهاب، وطموحات قادتها الجدد التي لا تختلف كثيرا عن طموحات قوروش وخلفائه، من ارتحششتا حتى داريوس (الذي انتهى مع الاسكندر الكبير)، أو كسرى وخلفائه من بعدهم زمن الرومان (الذين انتهوا مع الفتح الإسلامي)، هذه الطموحات التي لم تغب عن بال الشاه رضا بهلوي في أيام عزه ولم تزل تجد لها مجالا خصبا لدى حكام طهران الجدد، تتلخص بالرغبة الفارسية بالانفلاش باتجاه الغرب، أي شواطئ المتوسط، وبلعب دور أساسي في سياسة العالم انطلاقا من السيطرة على هذه المنطقة "المفتاح" والتي تشكل اليوم أكبر احتياطي نفط في العالم (من حوض بحر قزوين شمالا إلى الخليج العربي جنوبا) ما يعتبر حتى إشعار آخر عصب الحياة الاقتصادية.

يقول البعض بأن سلاح الإرهاب الذي ترعاه إيران وربيبتها سوريا بشكل جيد لا يشكل خطرا كبير على الدول الصناعية الكبرى التي تتفوّق في مجالات عدة، وخاصة الأسلحة المتطورة، والقدرة على التحرك، وضرب الأهداف في كل مكان من العالم. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن المجتمعات المتحضرة لا تتمتع بالقدرة على تحمّل الفوضى كما هي الحال في المجتمعات المتخلفة نوعا ما، فأي خلل في النظام العام في هذه المجتمعات يؤثر سلبا على الإنتاجية، ويخلخل التوازن الداخلي، ويطلق الاعتراضات التي لا يتحملها بسهولة قادة هذه الدول. بينما في المجتمعات الغير متطورة حيث لا يوجد إنتاجية ولا تنظيم ولا صوت للشعب، وحيث يقبض على السلطة بالعادة مجموعة ديكتاتورية توجّه كل شيء دون أن يؤثّر فيها الرأي العام أو معانات الناس، فإن الموضوع يختلف، ولذا فحتى العقوبات الاقتصادية وضرب أهداف محددة لا تفي عادة بالغرض المطلوب طالما يتمتع الحكم بسيطرته على القوة الفعلية الداخلية. ولكن حتى هذا السلاح (الإرهاب) يبقى مقبولا لمحدودية فعاليته، طالما تمتعت الدول المتطورة بالتفوق في مجال الأسلحة الشاملة وإمكانية الردع،

أما عندما يدخل العنصر النووي، ومعه إمكانية التوازن التقني، فإن موازين القوى ستختل بالطبع. ومن هنا فإن هامش الخيارات لدى الرئيس بوش ليس كبيرا، مع تمتعه بكل الإمكانيات في مواجهة أحلام حكام طهران الحاليين، وهذا ما يعلمه بالضبط أعداءه، ولذا فهم واجهوا سياسته خلال السنوات الثلاث الماضية بكل دقة وعنف في نفس الوقت، وعلى الجبهات العسكرية والسياسية والإعلامية وتحديدا في أفغانستان والعراق ولبنان (وحتى في معسكر حلفائه باكستان وتركيا).

في زيارته الأخيرة أراد أعداء الرئيس بوش "جس النبض" لمعرفة مدى استعداد الولايات المتحدة ورئيسها "الصقر" للقيام بضربة عسكرية، ولو محدودة، لتحسين الوضع العام قبل الدخول في مرحلة الانتخابات التي عادةً ما تقيّد أي رئيس، وقد رأينا ذلك خلال الاستعراض الذي قامت به زوارق الحرس الثوري في مواجهة البحرية الأميركية، وكان تقدير الإيرانيين في محله لأن الأمريكيين لم يكونوا على استعداد "لإفشال" الزيارة الديبلوماسية بالقيام بأعمال عسكرية خلالها، وهذا بالضبط ما أراده أعداء الرئيس بوش؛ وهو إفراغ الزيارة من فحواها، فزيارة رئيس أكبر دولة في العالم يجب أن تشعر بالأمان حلفاءه وتعطيهم الثقة بأنهم يستندون إلى قوة قادرة على رد أي تعدي ومستعدة لمواجهة أي تطاول.

أما وقد شعر هؤلاء بأنه غير مستعد لمثل هذا الاستدراج، وقد قيّمه ربما بأكثر مما يستحق، فإنه من الطبيعي أن تتالى الهجمات، ومن البديهي أن تتبعها التنازلات. وهكذا رأينا صواريخ القسّام في غزة تضرب مشروع الدولة الفلسطينية، وهي قمة التعاون العربي الأميركي، ثم الهجوم في بيروت على سيارة السفارة الأمريكية وإفشال حفل توديع السفير فيلدمان كرسالة مشابهة لرسائل 1983، ثم رفض المبادرة العربية وكل ما يدور حولها من فولكلور (هجوم فرنجية المركز على بكركي، ورسالة بري لموسى التي أنهت مبادرته، وظهور نصرلله في العاشورة بكلام يذكّر بالأيام الخوالي...) وسوف نرى ردودا وتصعيدا على جبهات أخرى قريبا جدا بدون شك.

الرئيس الأميركي قام بزيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط لتتويج نهاية عهده بتحالف قوي يساند الاستقرار في العالم ويدعم الديمقراطية كمبدأ مقابل الديكتاتوريات العنيفة، وكان رد هذه استعراضيا صحيح، ولكنه يحمل معاني كثيرة، لذا رأينا حكمة المملكة تظهر في التروّي، وتتالي الهجمات تعيدنا إلى أجواء أحببنا أن ننساها، وتعاظم الفجور يهبّط العزائم التي كانت قد حركتها ردود الأحرار. فماذا يخبئ المستقبل القريب لهذه المنطقة وشعوبها؟ وهل سترفرف أعلام داريوس من جديد على سواحل اليونان ومصر؟ أم أنه سيصدق المثل القائل: "في العجلة الندامة وفي التروّي السلامة"؟

ليست هناك تعليقات: