الأربعاء، يناير 02، 2008

أنفاق غزة من الممارسة الوطنية إلى البزنس الرخيص


عطا مناع
قبل أن أسهب في الحديث عن ظاهرة الأنفاق في قطاع غزة لا بد أن أسجل بعض الملاحظات حول أسباب وجود الأنفاق التي شكلت مستجدا وطنيا لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي بسط سيطرته جوا وبحر وعلى الأرض ، فكانت الأنفاق بمضمونها المقاوم عاملا رئيسا في إبطال التفوق الإسرائيلي على الأرض الغزية، لنشهد عمليات بطولية وقف أمامها جنرالات الاحتلال عاجزين عن مواجهة هذا الأسلوب الجديد للمقاومة،وما عملية الوهم المتبدد التي اسر فيها الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط إلا دليل واضح على نجاح المقاومة في حرب الأنفاق ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولم تكن حرب الأنفاق كاستراتيجيه قتالية مع العدو علة الشعب الفلسطيني،حيث استخدمها رجال الفيتكونغ الفيتناميون في حربهم ضد الاحتلاليين الفرنسي والأمريكي ، وينسحب هذا التكتيك المقاوم على مقاومة حزب اللة لإسرائيل ، هذا الحزب الذي اعتمد التكتيك العسكري للفيتكونغ في حربة مع الدولة العبرية وأقام شبكة أنفاق جعلته قريبا جدا من حدود فلسطين المحتلة مما اكسبه تفوقا استراتيجيا لعب دورا في نتيجة الحرب كما أكد محللون وصحفيون إسرائيليون ومن بينهم ألون بن ديفيد مراسل مجلة"جينز ديفانس ويكلي".
لست خبيرا عسكريا ولا أريد التوسع في هذه الجزئية، أريد أن أضع الإصبع على الجرح في قضية أفرغت من محتواها الوطني لتتحول إلى سيف حاد يسلط على رقاب الوطنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر من الخارج والداخل علة حد سواء، واعتقد انني لا أبالغ إذا قلت أن الأنفاق أصبحت مشروعا ربحيا للبرجوازية الفلسطينية الغير وطنية المدعومة من حركة حماس بشكل مباشر وفي احن الأحوال تغض حماس النظر عن تجار الأنفاق الذين يعترفون بعظمة لسانهم أن بزنس الأنفاق مربح بدرجة خيالية.
وحتى لا نغرق في الوصف، أريد أن انقل القارئ الكريم إلى مقارنة بسيطة وعملية بين أنفاق فيتنام التي حررت الأرض والإنسان وأنفاق غزة التي انحرفت عن مضمونها الوطني والهدف التي وجدت من أجلة، لقد استخدم رجل الفيتكونكغ الفيتناميون الأنفاق للمقاومة وللتنمية والحماية البشرية،لقد كان الفيتناميون عندما يبدأ القصف الأمريكي على قراهم يلجأون إلى الأنفاق، العمال والفلاحون والنساء الماكثات في البيوت جميعهم يدخلون الأنفاق ليمكثوا فيها أيام عديدة يمارسون فيها حياتهم بطبيعية صعبة ولكنها حافظت على استمرار يتهم وأدت الرسالة التي وجدت من اجلها،رسالة عكست عمق الانتماء والإيمان وحتمية الانتصار على الأعداء تناغمت في أدائها شرائح المجتمع المختلفة التي نسجت بإتقان النهاية لحرب وطنية عبرت عن انسجام الفكر والممارسة.
في غزة كانت البداية مذهلة وحققت انجازات وطنية أدت إلى التفاف جماهيري فلسطيني وعربي منقطع النظير، ولكن الهبوط كان سريعا ومدويا، لتفقد الأنفاق مبرر وجودها نظر لاستخدامها السلبي والاستغلالي من قبل أصحاب رأس المال وتجار المرحلة الذين استخدموا الآلات الحديثة والمتطورة في حفرها رغم التكلفة المالية العالية، مدركين أن المردود سريع ومربح بشكل خيالي، فالأنفاق لم تعد حكرا على المقاومة، أنها لتهريب شتى أنواع السلع من حيوانات أليفة وغير أليفة ... السجائر... البشر إلى غزة وبالعكس... وما قصة العروس التي زفت عبر الأنفاق إلى عريسها إلا دليل واضح على عمق الأزمة التي تسببت فيها الانقاق في قطاع غزة المحاصر، خاصة إذا عرفنا أن تكلفة"النقل" كلفت العريس التعيس ما يقارب ستة آلاف دولار أمريكي، حكايات كثيرة يتم تداولها في المجتمع الغزي على وجه الخصوص حول بزنس الأنفاق الذي بات تجارة رائجة لطبقة جديدة عرفت"من أين تؤكل الكتف"، حكايات خجولة يتم تداولها في أوساط العامة حول فلسطينيون انهارت على رؤؤسهم الأنفاق دفنوا تحت الرمال دون مسائلة أو احتجاج.
كفلسطيني اشعر بالإحباط والغضب كغير من مئات آلاف من الفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوة من حالة الانحطاط الغير مسبوقة، لا سيما أن الصمت الجماهيري هو الرد على الجرائم التي ترتكبها الطغم التي جاءتنا كنتاج مشوه لديمقراطية بائسة مسطحة، لا تعبر عن مصالح الشعب الذي يذبح على يد العصابات المقنعة التي لا تعرف الرحمة، تعتبر الوطن مزرعة ورثوها عن آبائهم متناسين أنهم خلقوا من الشعب هدفا لآلة الموت الاحتلالية، وليدخلونا نفقا خطيرا يقذف بنا إلى التيه والضياع سيستمر لعقود.
أن بزنس الأنفاق الرخيص لا يتفق مع المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، ولكنة نتاج لمرحلة رخيصة عاشها الشعب الفلسطيني عام 2007 ، مرحلة ستتضح معالمها عام 2008 لنكتشف أننا دفنا تحت ركام الأنفاق التي يحفرها ساستنا للاتجار بأرضنا وحقوقنا الوطنية في بزنس رخيص لا يعرف الرحمة.

ليست هناك تعليقات: