الثلاثاء، يناير 08، 2008

مفارقات زيارة بوش للمنطقة


د. عدنان بكريه

زيارة الرئيس بوش إلى المنطقة تحت حجة كسر الجمود المسيطر على العملية السلمية !! وتحريك قطار السلام المعطوب والذي هو وحده يتحمل المسؤولية عن عطب هذا القطار نتيجة تحيزه التام لإسرائيل ودعمه المطلق لها في اعتداءاتها المستمرة على الشعب الفلسطيني واللبناني واحتفاظها باحتلال أراضي الغير .. تجيء الزيارة في ظروف دولية سياسية معقدة وتهديدات مستمرة ضد بعض الدول والحركات التي ترفض التوقع في دفيئة الولايات المتحدة.. في ظل تنامي العداء الشعبي لها نتيجة سياساتها تجاه العالم العربي والإسلامي وفشلها الذي منيت به في العراق وأفغانستان.
هذه الزيارة لا تحمل في طياتها الجديد بل تبقى أهدافها اخطر وأعمق مما تعلنه إسرائيل وأمريكا .. فلو كانت الحقيقة تكمن في تحريك العملية السلمية لأوقفت إسرائيل اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني كبادرة حسن نية .. لكن ما نلمسه بأنها تستقبل بوش بالمزيد من القتل والتدمير وتفرش تحت قدميه بساطا أحمرا من الدماء والجثث وتصعد من عملياتها الحربية الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
من هنا يمكننا أن نفهم النية من وراء هذه الزيارة المشبوهة والهادفة إلى توسيع دائرة الصراعات والصدامات والحروبات في المنطقة وإعطاء الشرعية لإسرائيل بارتكاب المزيد من الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني وتكثيف الاستيطان وتكريس الاحتلال وتعزيز الحصار المفروض .
في ظل هذه المعطيات والأحداث التي تتزامن مع زيارته للمنطقة نرى بان إسرائيل وأمريكا تتحدثان بلهجة السلام من جهة وتمارسان الغطرسة والحرب والتدمير من جهة أخرى... فهل يمكن الوثوق بأوهام السلام وخارطة الطريق (خارطة الغريق ) التي ُمّزقت على أبواب غزة وغرقت في بحره الملون بالدماء ؟؟!!
لا يخفى على أحد إن خارطة الطريق التي رسمها بوش قبل غزوه للعراق جاءت لتنفيس العالم العربي وكسب تأييده وامتصاص النقمة الشعبية على نيّته بغزو العراق آنذاك .
لقد لمسنا وعلى مر التاريخ... انه كلما أرادت الولايات المتحدة خوض حرب تحاول حقن المهدآت في الجسد العربي من خلال طمأنته إلى أنها جادة في حل القضية الفلسطينية لكن وبعد أن تنفذ أمريكا مخططاتها سرعان ما يتبدد الوعد ويزول... ولا تنقشع الغيوم عن أعين الأمة العربية والنظام الرسمي العربي ويبقى يتخبط بأوهامه وكوابيسه ووعودات ليس لها أي رصيد !
لا يخفى على أحد بأن زيارة بوش إلى المنطقة تهدف للملمة الراقصين على حلبته السياسية والدائرين في فلكه المعتم من أنظمة عربية رسمية...تهدف إلى بلورة وتفعيل حلفه العربي في المنطقة .وزجه في أتون حرب دامية للتعويض عن خسارته الفادحة في العراق وأفغانستان... وما الحديث عن السلام وخارطة الطريق إلا لذر الرماد في العيون ومحاولة كسب تأييد عربي في حربه القادمة المحتملة وجعل العرب وقودا لهذه الحرب .
بوش ومن خلال تاريخه المليء بالحروبات ليس بذالك الانسان المعني بالسلام مع العرب ولا حتى مع العالم بأكمله ،بل هو أشد المعنيين باستعادة هيبة الولايات المتحدة المُفتقدة ولا يمكنه استعادة هذه الهيبة إلا إذا فعّل محوره الشرق أوسطي لمساعدته في الخروج منتصرا من أتون العراق ومساعدته في ضرب إيران !!
حكومة براك اولمرت ليبرمان الإسرائيلية أعلنتها مرارا بأنها جاهزة لما تطلبه الولايات المتحدة وهي مستعدة لوضع كل إمكاناتها العسكرية تحت تصرف أمريكا فيما لو شنت حربا ضد سوريا ولبنان وإيران .. من هنا نفهم بأن النوايا الأمريكية تراوح بين ضرب منشآت إيرانية وسورية..والأجواء داخل إسرائيل توحي بذالك فالاستعدادات تجري على قدم وساق في زوايا الدفاع المدني وتحذير المواطنين من خلال نشرات وزعت على البيوت.. هذه الأجواء تذكرنا بالأجواء التي سادت قبيل حرب الخليج والهجوم على العراق.
إن ما نشتمه من هذه الزيارة بأن بوش قادم إلى المنطقة لوضع اللمسات الأخيرة على مخططه الاستراتيجي والذي طبخ في مطابخ أنابوليس .. وليس من اجل تفعيل العملية السلمية كما يدعي ويحاول إيهام العرب .
فلو كان هدف الزيارة فعلا دفع عملية السلام وتنفيذ بنود خارطة الطريق فلماذا لا يتم إيقاف عمليات الاستيطان الجارية على قدم وساق في محيط القدس والتي تعتبر عُقدة الصراع العربي الإسرائيلي ؟ ولماذا لا يتم وقف عمليات القتل اليومية التي تقوم بها إسرائيل ؟! ولماذا لا يتم فك الحصار عن قطاع غزة الجريح ؟!
إن ما يُطبخ في المطبخ الحربي الأمريكي – الإسرائيلي المشترك أكبر مما يتصوره الانسان .. فبوش معني جدا بان ينهي حياته السياسية بانتصار عسكري يعيد لأمريكا هيبتها المفتقدة وفي نفس الوقت يريد أن يحافظ على مصالح أمريكا الإستراتيجية في المنطقة.. هذه المصالح التي لا يمكن صيانتها إلا من خلال هدم الأسوار المانعة والتي تقف عوائقا أمام تقدمه في السيطرة الكاملة والمطلقة على ثروات العالم العربي لذا ليس مستبعدا أن يوكل مهمة ضرب إيران لإسرائيل .
إسرائيل أبدت استعدادها الكامل للقيام بهذه المهمة الجهنمية التي ستأتي على الأخضر واليابس غير آبهة للتداعيات الإقليمية ولإسقاطات هذه الخطوة على العالم ومصيره فهي ترى بان القضاء على السلاح النووي الإيراني قد يغير مسار الواقع الشرق أوسطي ويفسح المجال أمامها لتركيع العالم العربي ولتربعها على قيادة الشرق الأوسط الجديد الذي طالما حلمت به .
أما من ناحية الجانب السوري اللبناني فهو يأتي في حسابات بوش وإسرائيل فبعد فشلهم في تحييد سوريا وتفكيك تحالفها القائم مع إيران وحزب الله وباعتباراتهم إن هذا التحالف هو الأخطر على أمريكا ومصالحها ..ولا يمكن ترتيب الأوراق اللبنانية الداخلية إلا من خلال ضرب سوريا أيضا.. لا يمكن ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي إلا من خلال القضاء على حركة حماس.
من هنا لا نرى بزيارة بوش للمنطقة إلا لوضع اللمسات الأخيرة على مخططه الجهنمي الذي يأتي لتوسيع دائرة الحروبات والصدامات في خدمة إحتكارات النفط والسلاح ... وعلى شعوب المنطقة والعالم الوقوف بوجه هذه المخططات بقوة وحزم .
الدكتور عدنان بكريه / فلسطين الداخل

ليست هناك تعليقات: