الأربعاء، يناير 09، 2008

من اغتال إذن بطل الجمهورية ؟(1)


سعيد علم الدين
كان من المتوقع في الإطلالة الأولى للمجرم الفار شاكر العبسي أن يتبنى عملية اغتيال غريمه اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج بطل معارك نهر البارد، ويتباهى بمسؤولية تنظيمه عن تحقيق ذلك كثأر طبيعي لهزيمته الشنيعة التي تعرض لها على يديه.
كيف لا والحاج هو مدير العمليات في الجيش والنصر الذي تحقق، إنما تحقق أولا ببسالة الجنود وتضحياتهم، ولكن وبلا أدنى شك بإدارته الفذة للمعارك! خاصة وأن من خطط لهذه العصابة الإرهابية وأدخلها إلى لبنان وسلم لها مفاتيح ترسانات مخيم نهر البارد بسهولة، خطط لها أيضا لكي تبقى على الساحة اللبنانية وتستمر وتتوالد بقوة استثنائية كتنظيم إرهابي شرس وخطر إلى جانب التنظيمات والدويلات التى يعج بها لبنان، وتستفحل شرورها وتقوى وتستقطب لبنانيا وعربيا وأمميا: كل من يريد تحرير القدس من نهر البارد، وإسقاط ما يسمى في تنظيراتهم المشروع الأمريكي من نهر البارد، ومحاربة حكومة السنيورة العميلة والمنتج الإسرائيلي من نهر البارد، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي يحن إليها الكثيرون من أمثال: "حزب التحرير"، وفتحي يكن، والعبسي، والأحباش وغيرهم ويعتبرونها الدرة المفقودة في هذا العالم انطلاقا من نهر البارد.
أي أن شرارة "فتح آصف شوكت" ذات هذا التخطيط المخابراتي الرهيب لو لم يتم إخمادها في جحورها بهذه الطريقة الحاسمة على يد الجيش ومدير عملياته فرنسوا الحاج لاستطاعت بسهولة بواسطة شعاراتها البراقة الخادعة التي تلطت بها تحت اسم " فتح الإسلام"، وتلقى صدىً عند البعض، وبقدراتها المادية الوافرة بالسرقة والسطو، والعسكرية المدعومة من سوريا، واللوجستية المتوفرة من خلال دويلات ومربعات خارجة عن القانون ومنتشرة على الأرض اللبنانية، التغلغل وتغرير الكثيرين والسيطرة على الشمال بمساعدة شبكات المخابرات السورية المبثوثة في كل قرية وشارع ومعها القوى اللبنانية العميلة والإرهابية المتطرفة التابعة لزمر 8 آذار كعلي عيد، والتوحيد، وجبهة العمل الإسلامي، وجماعات كرامي، والبعث والقومي السوري وغيرهم.
وإعلان الشمال إمارة سلفية عاصمتها طرابلس واللقاء تحت مظلة المشروع الإيراني السوري مع إمارة الجنوب والضاحية الجنوبية الصفوية لوضع بقية المناطق اللبنانية وبالأخص المسيحية في الكماشة الإلهية.
هذا عدا أن عقلية العبسي وأمثاله من الإرهابيين المتعصبين والدمويين مبنية في الأساس: ليس على فكر سياسي عقلاني، وإنما على حماسي ورد فعل انفعالي. الأخذ بالثأر يأتي عندهم بالدرجة الأولى. تماما كما كان السبب الأول في اشتعال المعارك عندما ذبحوا الجنود العزل أخذا بثأر جماعتهم في طرابلس على يد القوى الأمنية التي تعقبتهم بعد سطوهم على البنك في الكورة وقضت عليهم.
ولأن تبني العبسي لعملية الاغتيال وإعلانه المسؤولية عنها لن يخسر به شيئا، خاصة وأنه مطلوب للعدالة "هيك أو هيك" بسبب ما ارتكبه من جرائم. على العكس إن إعلانه كان سيعطي عصابته المهزومة قوة معنوية كبيرة أمام المناصرين والمغرر بهم من الإرهابيين وسيعيد إليها الروح، وإليه اعتباره أمام عناصره المشتتة كقوة ما زالت موجودة، وقادرة ليس فقط على التهديد الكلامي كما فعل في حديثه وإنما أيضا على التنفيذ والضرب.
في كلامه لم يظهر شيء من هذا القبيل. هذا يعني أن هذه العصابة غير قادرة على القيام بهكذا عملية اغتيال سياسي مدروسة مسبقا، ومخطط لها بهدوء لأنها معقدة، وتمت كغيرها من عمليات الاغتيال السياسي في لبنان بحرفية عالية وقدرات تقنية هائلة، أشار إليها المحقق براميرتس في الفقرة 110 من تقريره الاخير الى مجلس الامن، بما يلي: (تشير اللجنة الى ان الأدلة التي عثرت عليها لدى اغتيال الحريري، وفي بعض الهجمات الأخرى، منها جريمة اغتيال (النائب الشهيد) انطوان غانم مؤخراً.. تؤكد ان المنفذين او مجموعة المنفذين، كانت وما تـزال تتمتع بقدرات تشغيلية واسعة ومتطورة في بيروت (لبنان) تقوم على خبرات ومعدات وموارد محددة جداً).
يعني هذا أيضا أن مرتكبي عملية الاغتيال هم آخرون أرادوا باغتيال فرنسوا الحاج ليس الثأر لهزيمتهم في نهر البارد، وإنما أولا حذفه من المعادلة كقائد محتمل للجيش، وثانيا تهديد العماد سليمان ليبتعد عن رئاسة الجمهورية ويتخلى عنها لمن يريدون هم فرضه على اللبنانيين بشتى الوسائل الغير شرعية: كالفوضى والإرهاب والاغتيال واحتلال الساحات ومنع انتخاب رئيس بتأجيل الجلسات ولإيصال البلاد إلى الفراغ الحالي. خاصة وأن اغتيال الحاج جاء مباشرة بعد ترشيح الأكثرية لقائد الجيش كرئيس توافقي. وكأن الاغتيال جاء ردا مباشرا على هذا الترشيح، الذي أربكهم فأرادوا إرباك الساحة وخلط الأوراق لمصلحة مرشحهم.
والدليل على ذلك أنهم وضعوا كل القيود والعقد التعجيزية والغير دستورية في جيب عون وبالتالي في وجه سليمان لمنعه من الوصول إلى سدة الرئاسة. وما زالوا حتى الآن رغم المبادرة العربية الواضحة يريدون تعقيدها بشتى الوسائل. ليس من المستبعد أن يكون الرد على المبادرة العربية لإفشالها عملية يخططون لها الآن في أقبيتهم ومربعاتهم.
وللمقارنة: وكما كان عون حليف النظام السوري والحزب اللاهي هو المستفيد الأول من عملية اغتيال الوزير الشهيد بيار الجميل حيث قنص مقعده الانتخابي بدعمهم، هم خططوا من وراء ذلك ليكون أيضا عون هو المستفيد الأول من عملية اغتيال الشهيد الحاج. ومعروف أن مرشح سوريا والأقلية الوحيد للرئاسة هو عون. يتبع!

ليست هناك تعليقات: