الجمعة، يناير 25، 2008

من ذاكرة الأسر 19

راسم عبيدات
المناضلان وليد دقة وعصمت منصور
شموع على طريق الحرية
...... الحس والوعي الوطني يزداد نمواً وترسخاً عند أبناء شعبنا في مناطق عام 1948، وتزاد الأطر والقوى السياسية، التي تتبنى مواقف جذرية من المشروع الصهيوني في فلسطين قوة وصلابة وجماهيرية ، بعد ان كانت الغلبة للقوى العشائرية والجهوية، وبعض الجهات المرتبطة بالأحزاب الإسرائيلية، ويلعب الطلبة الدارسين في الجامعات الإسرائيلية في القدس وحيفا وبئر السبع دوراً بارزاً في عمليات التأطير والتنظيم، وبلورة أجسام طلابية في تلك الجامعات، تعبر عن رؤيتهم وتوجهاتهم السياسية وقضاياهم المطلبية، وهذه القوى والكتل كان لها علاقات وتفاعلات ولقاءات مع الحركة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقدس.
وهذه القوى الطلابية التي تشكلت في الجامعات الإسرائيلية، كانت تمثل بالأساس الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح، وحركة أبناء البلد، وأبناء البلد في رؤيتها السياسية من المشروع الصهيوني والاحتلال تتناظر مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي نشطت في مناطق عام 1948 ، والجبهة الشعبية التي كانت وما زالت ترى الحل في الدولة الديمقراطية الواحدة التي يتعايش فيها الجميع بدون تميز على أساس الدين والجنس والطائفة، فهي ترى في أهلنا في مناطق عام 1948 جزء أساسي وصميمي من المجتمع والشعب الفلسطيني، وإن اختلفت الأولويات لتجمعات هذا الشعب،إلا أهلنا هناك يوحدنا معهم الهدف والمصير والهوية والعنوان، ولهذا كانت الجبهة تبني وتقيم لها خلايا حزبية في مناطق 1948، ووليد كان من ضمن العاملين في إطار الجبهة الشعبية ورفاقه إبراهيم أبو مخ وصالح أبو مخ ، وهؤلاء الرفاق نشطوا في إطار الجبهة الشعبية، وكانت لديهم استعدادات نضالية عالية جداً، ومستعدين أن يضحوا في سبيل أهدافهم وقناعاتهم بأرواحهم، وفي السياق العمل والنشاط، جرى اعتقالهم في عام 1986 ولتبدأ رحلتهم في مراكز تحقيق الاحتلال وسجونه، وليبدأ وليد الذي كان في ريعان شبابه، وفي العشرينات من عمره، مرحلة نضالية جديدة في حياته، وللحقيقة فوليد ومن خلال معرفتي به، حيث سكنت معه في نفس الغرفة في سجن شطة عام 2002 ، يعد من القلائل في الأسر الذين اكتسبوا خبرات واسعة في القضايا التنظيمية والاعتقالية والحياة الأسيرة، ناهيك عن القدرات الثقافية العالية التي يتمتع بها،وأيضاً فهو في المجال الأكاديمي واصل تحصيله في المعتقل، وحصل على شهادة الماجستير،ناهيك عن انه صاحب عشرة ونكتة، ويحظى بثقة واحترام الحركة الأسيرة بمختلف ألوان طيفها السياسي، وهو بمثابة المرجع والمستشار لها في الكثير من القضايا الاعتقالية والسياسية ،ووليد شارك وقاد الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً، عن منجزاتها ومكتسباتها، وتعرض لعمليات ترحيل وقمع وترحال مستمر بين السجون، نتيجة لدوره النضالي في هذه المعارك النضالية، حتى أنه في الإضراب الأخير2004 ،الذي خاضته الحركة الأسيرة دفاعاً عن أرثها وتاريخها ومنجزاتها، كاد أن يفقد حياته، حيث لجأت إدارة مصلحة السجون الى نقله بشكل متواصل، وهو مقيد اليدين والقدمين في"سيارة"البوسطة" والتي هي بحد ذاتها جزء من العذاب والمعاناة والعقاب،وبالمحصلة لهذه الممارسة الإذلالية حصل عنده بداية ذبحة صدرية، وامعانا في التعذيب والسادية، رفض طاقم"البوسطة" تقديم العلاج له أو حتى فك قيوده ، وهو مضرب عن الطعام، والقائد دقه نموذج وقدوة لكل الأسرى في كل شيء، فهو مبادر في كل ما يتعلق بالقضايا المعيشية للأسرى، طبخ ونفخ وغسيل وكنس، وهذه مزايا مهمة لزوجته سناء، هذه الزوجة الرائعة التي جندها وليد لخدمة قضايا أبناء الحركة الأسيرة، وبغض النظر عن لون طيفهم السياسي والحزبي، وتراها تشارك بفاعلية في كل المناشطات والفاعليات المتعلقة بالأسرى، وساهمت بشكل فاعل في تأسيس اطار يهتم بشؤون أسرى1948، وكذلك والدة الأسير دقه ،تساهم بشكل فاعل في كل الفعاليات الخاصة بالأسرى، وهي تمد أهالي الأسرى بالمعنويات، وتدعوهم دائماً للصبر والصمود والثبات، وبكل تواضع أقول أن هذه العائلة تربت على النضال وشبت عليه، ولعل أسرى سجن شطه،يتذكرون كيف كان وليد يعمل وعمل،أن يستمر التواصل بينهم وبين أهلهم، في وقت يعز فيه التواصل، ووليد لم يبدل ويغير مبادئه وقناعاته، ووقف بشكل صلب وحاد، أمام محاولات إدارات السجون وبعض ضعاف النفوس من الأسرى، عندما طرح عليهم،أن يتخلى أسرى 1948عن أحزابهم وتنظيماتهم،مقابل تقديم تسهيلات حياتية لهم،وفي ضوء التطورات السياسية الحاصلة على الساحة الفلسطينية، وتحديداً ما بعد مرحلة أوسلو، وما أفرزه من وقائع سياسية جديدة، اختار وليد ان يكون عضواً في التجمع الديمقراطي، دون أن يعني ذلك تخلياً عن هوية النضالية، ولكون هذا الرفيق القائد محط احترام وثقة، فقد انتخب غيابياً عضواً في اللجنة المركزية للتجمع ،ووليد من الكتاب المتمرسين في المقالة السياسية،وهو من الأعلام الأسيرة التي ترهبها وتعرفها جيداً إدارات السجونالمختلفة.
اما الأسير عصمت منصور، والذي التقيته في غرفة 13 عام 2001 في سجن عسقلان،غرفة رفاق الديمقراطية،فقد شعرت أن هذا الرفيق،يبدي غيرة وحرصاً على وحدة قوى اليسار والقوى الديمقراطية، وبعيداً عن أمراض النفس التحريضي بين الفصائل، والفئوية المفرطة وكان من المبادرين والداعين الى توحد الجبهتين الشعبية والديمقراطية في السجون، حيث يرى أنهم متقاربين الى حد التماثل فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، وعدم التوحد ليس له ما يبرره الا بعض أصحاب المصالح في القيادات العليا، وهو انسان استطاع أن يطور قدراته في الجوانب السياسية والتنظيمية والفكرية،ناهيك عن سرعة تعلم اللغة العبرية وإتقانها، وكنت استفيد من طاقاته وقدراته في قراءة الجريدة العبرية، وعلاقاته ليست قصراً على هذا الفصيل أو ذاك، فلديه علاقاته اعتقالية واسعة من مختلف الوان الطيف السياسي الفلسطيني، وقد استطاع أن يشكل ويكون أحد القيادات المركزية للجبهة الديمقراطية في السجون، وهو يبدي حرصاً عالياً على مصلحة رفاقه ، ويتابع همومهم ومشاكلهم في داخل المعتقل، ويتواصل مع أهلهم وأسرهم بشكل دائم، ودوره وخبراته وموقعه هذا، جعله عرضة لحملات قمع وتنقل قسري من قبل ادارة السجون بين السجون المختلفة،وهو كذلك انسان شاعري وعاطفي،ولدية كتابات أدبيه ، ويحلم حيث أن الحلم والأمل،هما الشيئان اللذان يعيشان عليهما الأسرى، في التحرر من الأسر وبناء أسرة، يعيش أبنائها في حرية وكرامة كباقي بني البشر.
وتبقى أحلام وليد وعصمت والأمل الزاد اليومي الذي يتسلح به أبناء الحركة الأسيرة ،وهم لا يراهنون وتحديداً وليد على حسن النوايا الإسرائيلية لتحررهم من الأسر،فوليد عدا عن كونه من الأسرى الذين تصفهم إسرائيل "بالملطخة أيديهم بالدماء الإسرائيلية"، فهو من أسرى مناطق 1948 ، والذين لا يحق للسلطة الفلسطينية، حسب اتفاقيات أوسلو التي قبلها الطرف الفلسطيني ، حق التحدث باسمهم وطرح قضاياهم، ومن هنا فإن الذين يأسرون الجنود الإسرائيليين من حماس وحزب الله، بالضرورة أن تكون قضية أسرى 1948 حاضرة في أذهانهم بقوة وعلى رأس سلم أولوياتهم .


القدس – فلسطين

25/1/2008
Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: