الثلاثاء، يناير 08، 2008

شهاب اخر يهوي في سماء القدس

محمد زحايكة
رحيل الدكتور المسلماني صدمة وخسارة كبيرة للقدس والقضية الفلسطينية العادلة

فقدت مدينة القدس برحيل الدكتور احمد بدر المسلماني احد انبل واخلص واصدق عطاء من ابنائها البررة الذين يصعب تكرار امثالهم من الرجال والمناضلين الافذاذ الشجعان..! هولاء الرجال الذين عاشوا لشعبهم وقضيتهم المقدسة وقدسهم..! فهم احبوا الحياة من اجل عيون القدس ومن اجل الدفاع عنها وفك اسرها..! وارادوا الحياة من اجل ان يكونوا على خط النار الامامي في التصدي لمن يريدون تغيير معالمها والسطو على هويتها العربية وطمسها واهالة التراب عليها..!
وبصفتي احد الاعلاميين الناشطين الى حد ما ، في قلب القدس العربية...! كنت شاهدا على العديد من المواقف والفعاليات الجماهرية والنضالية للراحل الكبير.! فرأيت امامي شعلة من النشاط ومناضلا صلبا يمتلئ حيوية وعطاء..! حتى ليكاد يخيل الي انه لا يعرف طعم النوم او الراحة وان اليوم لو كان مئة ساعة لما كان كافيا لعطاء هذا المناضل المتفجر مثل شلال هادر..! لقد كان الراحل بحق "دينمو" العمل الوطني والجماهيري والمجتمعي والصحي والانساني..! وكنت اعجب لقوة اعصابه واحتماله للمهام الصعبة الجسيمة الملقاة على عاتقه..! وفوق هذا .. تجده دائم الابتسام والتفاؤل في اصعب واحلك الظروف..!
كان شهابا خاطفا وبدرا منيرا في سماء القدس..! لن نصدق انه انطفأ وغاب عنا الى الابد..! فكيف نصدق ان هذا الانسان صاحب القلب الكبير الذي كان يفيض علينا بالحب والامل والتفاؤل بالنصر وشد العزيمة وتقوية الهمة قد رحل عنا بهذه السرعة.. وفجأة بدون مقدمات..! ولا ادري لماذا يتملكني احساس ان الكثيرين من الذي يشبهون الراحل الكبير في التفاني والعطاء لا يعيشون طويلا في هذه الحياة بل يختطفهم الموت وهم في قمة عطائهم وعزهم ومجدهم النضالي والانساني..!
ربما لم اكن على تواصل كبير مع الراحل المسلماني الا انني شعرت بالغصة في قلبي مثلي مثل الالوف المؤلفة من محبيه واصدقائه ورفاق دربه فور ورود الخبرالاسود والمصاب الجلل..! شعرت بالغصة في قلبي واحسست ان قلبي سقط بين قدمي .. ! ومكثت فترة لا اريد ان اصدق هذا النبأ الحزين المفجع..! وتمنيت لو كان محض اشاعة كاذبة..! ولكن هيهات.. هيهات..! فها هم محبو الفقيد ومعارفه واصدقاؤه ورفاقه من كل شرائح المجتمع يتراكضون بهلع الى ساحات الاقصى لالقاء نظرة الوداع الاخيرة عليه..! اذن.. لا مناص من الاعتراف بالحقيقة المرة، وهي ان هذا الفارس الشجاع الشهم قد رحل وغاب عنا الى الابد..! وفي لحظة من لحظات الغضب والحزن التي المت بي.. كدت اهتف باعلي صوتي.. لماذا الان تتركنا يا احمد ونحن بامس الحاجة اليك والى امثالك من المناضلين الاقوياء ..؟ لماذا تترك حبيبتك القدس وتودعها وتجعلها تبكيك وهي ما زالت بحاجة الى المزيد من نضالاتك وافعالك الانسانية العظيمة..؟ لماذا لم يحتمل قلبك الحنون الكبير المزيد من الالم والمعاناة ..! الا تعرف ان القدس بعد غيابك قد اضحت حزينة وموحشة اكثر،لان بدرا وشهابا منيرا من انوارها المضيئة المتلألئة قد انطفأ وغاب ورحل الى عالم المجهول.!
ان رحيل الفقيد الكبير الدكتور احمد المسلماني يذكرني برحيل كوكبة من المناضلين السابقين الذين احبوا القدس وعشقوها ونذروا انفسهم لها..! يذكرني بالراحل الكبير امير القدس فيصل الحسيني ويذكرني بالراحل عمر القاسم- مانديلا فلسطين- وغيرهم الكثير الذين كانوا شموع ومنارات على طريق تحرير القدس الطويل وعودتها الى شعبها واهلها وامتها في القريب العاجل .. فلسطينية عربية حتى اعمق الجذور..! كما يذكرني ببعض رفاقه الذين قاسموه مرارة الاعتقال والتحقيق في اقبية السجون الاسرائيلية وبشكل خاص رفيقيه ناصر ابو خضير من شعفاط الحبيبة وراسم عبيدات من جبل المكبر الصامد..! هذا المثلث النضالي الثلاثي الابعاد الذي شكل حالة نضالية فريدة من نوعها في مدينة القدس..! اذ لطالما تابعنا اخبارهم ومحطات كفاحهم المجيدة..! ولا انسى ما حييت عندما هاتفني الراحل الكبير احمد المسلماني بمعية راسم عبيدات على ما أعتقد من معتقل التوقيف المسكوبية وشكرني على جهودي الاعلامية المتواضعة في تغطية جانب من حملة التضامن الاهلي والمجتمعي معهم.! وخاصة عندما ثمن عاليا دوري الاعلامي في هذا المجال.. ووصف ما اقوم به بأنه لا يقل عن دور اي مناضل اخر في مواجهة الاعتقال والاسر ومعاناته .. فسرت مزهوا في شارع صلاح الدين والزهراء من تأثير كلامه الجميل واطرائه البديع الرائع..!
وكعادتي احيانا .. قررت البارحة مساء العودة الى منزلي في جبل المكبر مشيا على الاقدام..! فانطلقت مخترقا اسواق البلدة القديمة صوب باب الخليل وطريق بيت لحم ..! فاحسست ان اسوار القدس بدت باهتة وان قطرات المطر الخفيفة المتساقطة عليها هي عبرات ودموع على غياب الفقيد العزيز..! كما خيل الي ان مصابيح الانارة الكهربائية بدورها بدت خافتة وكابية وكأنها تمارس حزنها على الراحل بطريقتها الخاصة..! اما في داخل اسواق البلدة القديمة وازقتها.. فقد سيطر علي هاجس وخاطر غريب..! هو ان الدكتور احمد لم يرحل عن هذه الدنيا.. وانه لا بد سوف يظهر لي فجأة من خلف زقاق من الازقة او منعطف من المنعطفات.. ويسلم علي ويشد على يدي بحرارة وابتسامته الجميلة ترتسم على محياه وكلماته المحببة تنساب من شفتيه..! ولكنني تجاوزت وعبرت اسواق البلدة القديمة الى الخارج دون ان تتحقق هذه الرغبة المستحيلة..! لكن صورته الباسمة ظلت مرتسمة في مخيلتي وانا سائر في الطريق..! ولاول مرة اشعر بارتخاء وتعب في ساقي..! فأجلس على احد المقاعد وانا اضع رأسي بين يدي..! محاولا ان انحي صورة الفقيد دون فائدة..! لتبقى ملازمة لي حتى بعد وصولي الى البيت. الرحمة لك يا أحمد .. والصبر على فراقك وطول البقاء لكل محبيك..! ونحن على دربك سائرون..!

ليست هناك تعليقات: