الثلاثاء، يناير 08، 2008

رحلت يا اعز الرفاق..يا"ابا وسام"..!


د. صلاح عودة الله

وآهٍ من الحرفِ لمّا يغيب،، ففيكَ تكونُ الحروفُ تحدٍ،، وفيكَ تصيرُ اللغاتُ سرابْ،،نعمٌ بحسرةْ، ففيك تكون اللغة مستحيلةْ ، وتعيشُ الحروفُ أزمةَ المعنى الجليلْ ، وبين الرجالِ يصعُب الحديثُ بنعومة، فلا تبتئسْ إن كانت الكلماتُ فيها وجعْ، وظاهرةٌ على محيّاها الدموعْ..فما هذا العذابُ يا رفيقي بل يا اعز الرفاق؟ ما أن نبدأ في فهم الحياةِ حتى نموتْ.... وما أن نستلذَ العيشَ موطناً في الأرضِ حتى يداهمنا الرحيل،، لم تتغير القصة منذ الأزلْ وماضية هي حتى الأبد...يبقى أن أناديك من شرفةِ المستحيلِ,,هيّا تعالْ،، تعالَ علّمنا مما عُلّمت وعملت،،، علّمنا مما علمتكَ الحياةُ ان تكون عظيم الوطنيين المخلصين،، وارسم لنا في زمان الضياع إتجاهٍ و رؤياْ نلوذ بها..!

في غفلة من الزمن، وموعد غير متوقع، غادرنا رجل قل نظيره في التضحية والعطاء والكفاح والنضال والوفاء،

عرفته كل ساحات الوطني، ومارس كل أشكال وأنواع النضال، وترك بصماته فيها جماهيرياً، سياسياً، كفاحياً، اعتقالياً، مجتمعياً وإنسانياً. ولد الرفيق العزيزد. احمد المسلماني في مدينة القدس في قلب بلدتها القديمة عام 1958 وتلقى تعليمه في مدارسها، واكمل تحصيله العلمي في الجامعات الرومانية حيث درسنا الطب العام وتعرفت اليه هناك وكان هذا في اواخر سبعينيات القرن الماضي، واكمل مسيرته في تأسيس وبناء وقيادة مؤسسة لجان العمل الصحي، وليصبح مديرها العام، رغم ثقل المهام والمسئوليات عليه، أكمل مشواره العلمي، بالحصول على شهادة الماجستير في الصحة العامة من جامعة بيرزيت. لا ندري لماذا في هذا الزمن الصعب، زمن الانكسار والتراجع، يغادرنا الرجال الأوفياء، المبدئيين، المخلصين، زمن نحن في أشد الحاجة فيه إليهم..!

ولكن لا بأس يا رفيقنا كن واثقاً، أننا سنبقى أوفياء لكل أهدافك ومبادئك، وسنواصل السير على هديك ودربك ونهجك، ولن نسلم الراية أو نساوم على مبادئنا وحقوق شعبنا وسنستمر في النضال والكفاح حتى يبزغ فجر الحرية وغد مشرق لأبناء شعبنا الفلسطيني. لقد كنت المناضل العنيد، والجسور في مواجهة الاحتلال، والمدافع الصلب عن حقوق شعبنا في العودة والحرية وتقرير المصير، مضيفة أنه شكل بذلك نموذجاً لحزبه ورفاقه وأبناء شعبه في الشجاعة والعطاء، ونكران الذات والثبات على المواقف والمبادئ، وفي بناء مؤسسات الوطن الصحية والمجتمعية.

ان الرفيق والزميل العزيزالراحل يعتبر أحد أعلام العمل الأهلي في فلسطين، وله دور بارز في حشد التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وتنظيم المقاومة الشعبية لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي التوسعية، والذي ترك بصمات واضحة برؤيته للعمل التنموي والأهلي في فلسطين، إضافة إلى دوره البارز في تقديم الخدمات الصحية للمحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف المواقع والتجمعات السكنية.
اليوم يضيف الموت الى رصيده انسانا وطنيا فذا ومبدعا قلما تنجب الأرحام مثله ..قدم على مدى سني عمره القصيرة

ما أثرى الساحة الوطنية والطبية الفلسطينية وأضاف أعمالاً ذات أبعاد إنسانية سامية، ستتذكر الأجيال طويلاً إسهامات د. احمد المسلماني ، وسيتعرف الناس والمتابعون من الدّارسين شخصيّته الابداعية ، وسيقفون على العمق الذي سبر به أغوار تجربته ، وهو يراكم الأحداث وينتقل بها عبر البيداء العربية المترامية الرمل الدم والعرق والدّموع. إننا إزاء خسارة تنضاف إلى ما صادر الموت من أترابنا وشخصياتنا الوطنية المخلصة ،ونحن أمام هذا الحدث الجلل ، نعزي أنفسنا بأن الحلم الذي نراهن على تحققه لا زال قائماً ، والذاهبون إليه منّا ما زالوا يوقدون جمرته ، ويحملون شموعهم في محاولة متواصلة للخروج من كهوف الظلام.

مع أنني اعلم ان لكل إنسان وقت يرحل فيه من هذه الدنيا الفانية ، وأننا نصطف في طابور الرحيل ، إلا أن الألم يملأ قلوبنا ويهيمن على عقولنا، في حالة وفاة أي صديق أو قريب او زميل عزيز، وعندما قرأنا نبأ نعي الرفيق احمد الحبيب والزميل الغالي ، شعرنا بالبؤس الشديد ، والحزن العميق، وباتت خسارتنا كبيرة وفادحة، وأصبحت الأنشطة السياسية والطبية الفلسطينية قد تأثرت باختفاء هذا المناضل المميز.

"أبو وسام" كان شعلة من العطاء والرمزية، ففي سجون الاحتلال ومعتقلاته ومراكز تحقيقه اعتقل عدة مرات بلغ مجموعها سبع سنوات، كان دائماً خلالهاً متسلحاً بالإرادة الحديدية والمعنويات المرتفعة، لم يأبه لا لمحققي الاحتلال ولا سجانيه، وكان يقدم الخدمة لأصغر شبل وبتواضع لأبعد الحدود، يعرفه كل أبناء الحركة الأسيرة التي تفخر وتعتز بدوره ونضالاته. القائد والرفيق العزيز "أبو وسام" كما كنت كبيراً في الحياة، فأنت كبير في الممات ، فالقدس التي أحببتها وولدت وترعرعت فيها، وظليت مدافعاً عن أرضها وعروبتها وإسلاميتها، ووفياً لها حتى الرمق الأخير، خرجت عن بكرة أبيها في وداعك ، حتى الذين اختلفت معهم، وكان وداعك بالحجم والقدر الذي يليق بك، وبتاريخك ووفاءك ونضالاتك، وكان وداعك عرس وطني للقدس، لم تشهده منذ كثير من سنوات خلت، والعلم الفلسطيني الذي طالمت تغنيت به ودفعت ثمنه دماً وسجون، من أجل ان يبقى خفاقاً ، ويرفرف عالياً فوق مآذن وكنائس القدس، رفرف عالياً في مسيرة وداعك، وأقسم كل الرفاق والأصدقاء والمحبين، أنهم سيستمرون في السير على نهجك ودربك ، حتى يبقى علم فلسطين ، يرفرف وللآبد فوق كل هضاب وشعاب القدس، القدس التي عشقتها واحتضنتك في جوفها..كيف لا وقد كنت احد ابرز المدافعين عنها..! وبفقدان الدكتور المسلماني، سيغيب أحد أبرز رموز العمل الأهلي في فلسطين، تاركاً خلفه إرثاً نضالياً من العمل الدؤوب والمثابر في خدمة أبناء شعبه وقضيته الوطنية...ولكن لا بأس رفيقنا كن واثقاً، أننا سنبقى أوفياء لكل أهدافك ومبادئك، وسنواصل السير على هديك ودربك ونهجك، ولن نسلم الراية أو نساوم على مبادئنا وحقوق شعبنا وسنستمر في النضال والكفاح حتى يبزغ فجر الحرية وغد مشرق لأبناء شعبنا الفلسطيني..!

سافتقدك يا رفيقي العزيز ولن انساك ما حييت..والى الاخت"ام وسام" والاولاد والعائلة المعطاءة اقول:قلوبنا معكم الى ابد الآبدين..وكما قال من قال:

سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم

و في الليلة الظلماءِ يفتقد البدر..!
القدس المحتلة

ليست هناك تعليقات: