الأربعاء، يناير 16، 2008

من ذاكرة الأسر18

راسم عبيدات
المناضلان احمد عوض كميل وفيصل أبو الرب
شموع على طريق الحرية

.... في انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى 1987- انتفاضة الحجر- ، وفي ظل اشتداد حالة القمع الإسرائيلي، ومحاولته المتكررة والمستمرة لإخماد الانتفاضة الفلسطينية،شن حرباً شعواء على نشطاء الثورة الفلسطينية بفصائلها المختلفة، وتعليمات الفصائل في هذا الجانب لأعضائها وعناصرها واضحة عدم تسليم أنفسهم والاستمرار في النشاط والعمل لأطول فترة ممكنة من خلال الاختفاء والمطاردة، وهذه المجموعات المطاردة، شكلت خلايا كفاحية للتنظيمات الفلسطينية، مثل النسر الأحمر التابعة للجبهة الشعبية، والنجم الأحمر التابعة للجبهة الديمقراطية والفهد الأسود التابعة لحركة فتح، ومجموعات الفهد الأسود في جنين كانت من أوائل الأذرع الكفاحية التي تشكلت لفتح في الأرض المحتلة، وكان أبو العوض كميل وفيصل أبو الرب من قادة تلك المجموعات، وقد كانت تلك المجموعة في الكثير من نشاطاتها ،تركز على تنظيف البيت الداخلي الفلسطيني ،بما علق به من دنس الخونة والمندسين، وكانت مجموعات الفهد الأسود في جنين رائدة في هذا المجال،ورأت أن الهزيمة تأتي دائماً من الداخل، ومن خلال بعض مرضى النفوس ، والذين يبيعون أنفسهم وشعبهم للاحتلال بثمن بخس، والاحتلال أحس وأدرك حجم الدور والخطر الذي تشكله وتمثله مثل هذه المجموعات الشابة على مصدر معلوماته وأنشطته، ولذلك وضع مجموعات الفهد الأسود في دائرة الاستهداف المباشر، وركز جهوده وطاقاته من أجل القضاء عليها ، من خلال الاغتيال والاعتقال، وبالفعل بعد أن نفذت تلك المجموعات العديد من الفعاليات والأنشطة الكفاحية،وقامت بتصفية العديد من العملاء ومرضى النفوس، نجح جهاز المخابرات الإسرائيلي"الشاباك" في اغتيال عدد من أعضاء الفهد الأسود وأعتقل عدد آخر، وكان فيصل أبو الرب من أوائل من اعتقلوا من مجموعات الفهد الأسود أيلول 1991 وتبعه أبو العوض كميل /1993، وفي السجون التي تنقل فيها فيها أبو الرب وأبو العوض كميل، كان لهم دور ريادي وقيادي أولاً في حركة فتح وثانياً على صعيد الحركة الاعتقالية، وكلاهما معروف على صعيد الحركة الاعتقالية،ففيصل كان في الكثير من المرات ، المسئول عن مالية المعتقل" مسئول الكنتين" ، وأيضاً فهو حلاق السجن،حيث يقوم بقص شعر المناضلين، واكتسب تجربة وخبرة واسعتين في هذا المجال، وكشهادة لي وكوني أحد زبائنه، فهو بعد الخروج من المعتقل يستطيع أن يمارس هذه المهنة بشكل متقن ،ولديه القدرة والقابلية العالية للتعلم ومواكبة آخر صرعات القصات للجيل الشاب، وكذلك فأبو الرب من المناضلين الذين يواظبون على ممارسة الرياضة في المعتقل، وهو من يترأس أو يقود فريقه في كرة السلة وغيرها من الألعاب الرياضية، وكذلك فهو إنسان هاديء، ومعروف عنه بأنه إنسان غير فئوي، ويبدو أن طول فترة الاعتقال تفعل فعلها عند الأسرى المناضلين، حيث يدركون أنه مهما كانت قوة التنظيم،فإنه لن يستطيع بمفرده أن يواجه سياسات أدارت قمع السجون، والتي في هجماتها على الأسرى لا تفرق بين أسير وآخر بل الجميع مستهدف، ومن هنا فإن بدا الأسرى في بدايات اعتقالاتهم يغلبون بشكل صارخ مصالحهم التنظيمية والحزبية على المصالح العامة، فهم بعد فترة وبالتجربة والممارسة، يصبحون أكثر خبرة ووعي وإدراك ،ان المصالح العامة يجب أن يكون لها الأولوية على المصالح الخاصة، وهكذا تعلم أبو الرب والكثير من المناضلين الأسرى.
اما أبو العوض كميل، فهو إنسان لديه طيبة الفلاحين، وبحكم عمله الاعتقالي، كمسئول"مردوان" يقوم بالخدمة على المناضلين، من خلال نقل الرسائل والمعلومات التي يحتاجونها من غرفة لأخرى، وهو أيضاً يهتم بصحة المناضلين وراحتهم، فأنت تراه يقف على باب غرفة من الغرف يسأل، إن كان لديهم خبز زياده أو بيض أو غير ذلك ، من أجل أن يقوم بإرساله إلى غرفة أخرى أو قسم آخر، أو يسأل من يريد أن يسجل أغراض لزيارة الأهل،او يرغب بالتسجيل او مراجعة طبيب المعتقل ، وأبو العوض هو بمثابة العين الساهرة على المناضلين، فهو إذا ما لاحظ أي تحرك غير مريح من قبل إدارة السجن فإنه يقوم بتنبيه المناضلين إلى ذلك فوراً، وأبو العوض تراه دائم الحركة من باب غرفة إلى أخرى تلبية لطلبات ونداءات المناضلين، وأشد ما كان يزعج أبو العوض إلحاحي عليه في طلب الصحف التي تحضرها الإدارة بعد مرور أسبوعين أو أكثر على صدورها لتوزيعها على المناضلين، ويقول لي دائماً تريد وتسأل عن صحف القدس وأنا "من وين أجيبلك صحيفة قدس"،الصحيفة الوحيدة المسموح بدخولها للمعتقلات، وفي إحدى الأيام تسلم أبو العوض الصحف عصراً، وكان هناك الكثير من العمل ينتظر عمال"المردوان" من توزيع الأكل على غرف المناضلين وغيرها من الأعمال الأخرى، وحتى يتلافى أبو العوض إلحاحي وإزعاجي له في السؤال المتكرر عن الصحف، قام بوضع الصحف الواردة في ثلاجة المعتقل التابعة لقسم ح، وقال لعمال "مردوان" قسمي د +ح ،إذا ما سأل أبو شادي عن الصحف، قولوا له لم تحضر الإدارة أية صحف، وبالصدفة كان في صبيحة اليوم التالي، تفتيش غرف من قبل إدارة المعتقل، وقد اكتشفت إدارة المعتقل أننا قمنا بوضع الصحف في الثلاجة، وعقب ذلك سألنا ضابط أمن السجن، لماذا تضعون الصحف في الثلاجة؟، ومنذ ذلك التاريخ وأنا عندما ألتقي بالمناضل أبو العوض، أقول له على سبيل المزاح والمداعبة، بتخفي الثقافة في الثلاجة يا أبو العوض ، وأبو العوض رغم أنه إنسان طيب ومناضل من الدرجة الأولى، فهو عصبي وحاد المزاج، وهناك من المعتقلين الصغار في السن والمعتقلين حديثاً،من يتعمد نرفزته وذلك على سبيل المزاح والدعابة، وهنا يكيل لهم أبو العوض سيلاً من الشتائم والسباب ، وأبو العوض لا يخفي امتعاضه وانتقاداته الحادة للسلطة الفلسطينية والأحزاب والفصائل على قصوراتها وإهمالها لقضية الأسرى، والكلام لأبو العوض فهو يرى أن أية عملية سلمية،لا تشتمل بالأساس على إطلاق سراح الأسرى القدماء، تحديداً المعتقلين قبل أوسلو،وكذلك الذين قضوا فترات طويلة في المعتقل،حيث أن أكثر من 350 أسير فلسطيني، قضوا خمسة عشر عاماً فما فوق، وهذه العملية سيكون محكوماً عليها بالفشل، وهو يقول بتهكم واستهتار، عن أي حسن نوايا يتحدثون، وهل قضيتنا يحلها الإرتهان إلى حسن النوايا الإسرائيلية ؟ فنحن رأينا حسن النوايا هذه، لم تخرج أي أسير فلسطيني من المحكومين أحكاماً عالية،أو من الأسرى الذين تصفهم إسرائيل ب" الملطخة أيديهم بالدماء" وحتى الأسرى الذين تحرروا بحسن النوايا من ذوي الأحكام الخفيفة، جرى اعتقال ما يعادلهم أو يزيد عنهم في تلك الفترة.
ومن هنا فأبو الرب وأبو العوض ،يريان أن حسن النوايا، لن تشكل حلاً لقضيتهم ولا لقضية الأسرى ككل، والمطلوب طرق كل السبل والوسائل الكفيلة بتحريرهم من الأسر، حتى لا يتحولوا من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين.


القدس- فلسطين

ليست هناك تعليقات: