الاثنين، يناير 21، 2008

في الشأن اللاجئ: مؤسسات اللاجئين والانقلاب الأبيض على ثقافة العودة


عطا مناع

من أنت، حدثني عن جذورك،كيف عاش أجدادك قبل النكبة وبعدها،أين سكنوا، في يافا أو حيفا..عسقلان..أم الرشراش.. عجور زكريا...علار.. بيت نتيف.. السفلة..راس أبو عمار..جراش.. المئات من القرى الفلسطينية التي تشكل قي مجموعها فلسطين المحتلة عام 1948. قرى لا زالت وبعد ستة عقود من التيه في صحراء اللجوء نابضة بالحياة رغم محاولات المحتل الحثيثة محو التاريخ بتغير معالم هذه القرى التي لا زالت تفوح منها رائحة ما زرعه جدي وجدك اللذان غادرا هذه الدنيا في حالة لا شبيه لها من الانكسار الممزوج بأمل العودة ولو جثة تدفن على مقربة من البيت المهجور ليختلط اللحم بالتراب الذي لطالما احتضن أسلافنا.

لقد كان هؤلاء بمثابة الذاكرة التي تحكي الوطن، وشكلوا حالة من التواصل والتوحد مع الأرض والتاريخ وأسباب التمسك بما أطلق علية بعضهم الفردوس المفقود، كانوا بمثابة رواد للتاريخ الشفوي الذين لم ينسوا لا شاردة ولا واردة، يصفون لك بيتك في قريتك المحتلة بدقة يعجز عنها روائي متمرس، كانوا يتوحدون مع حكاياتهم ويعودوا بالزمان ليعيشوا المكان في لحظة سكر ممزوجة بالألم والسعادة والفخر بما كان لهم ولا زال يعيش في اعماقهم ، انة الإدمان على حب المكان وسنوات الشقاء في الأرض التي أحبوا.

هؤلاء غادرونا ولم يبقي منهم في الحارة أو المخيم إلا بعدد أصابع اليد، بموتهم فقدنا الحكاية وما يعيننا على مواجهة طبيعة الإنسان التي يشكل النسيان إحدى مرتكزاتها، لم نتنبه للكنز فقدناه إلا بعد فوات الأوان، لنتوه في مخيمات اللجوء مفتقرين أسباب وجودنا، يفصلنا عن أصولنا بون شاسع من محاولات الشطب للذاكرة، ولنغرق في مقولات مسطحة خالية من المضمون، ونتحول إلى شعار ينضح كذبا وتضليلا، ولتجد بعض النخب التي أتعبها الانتظار ضالتها فينا، متسلحة بالجمل والصالونات المكندشة مع يافطة تحمل شعار العودة، أو صورة للاجئ يحمل ما استطاع ليكون له معينا في طرق الهجرة الطويل، أو طفل بشعرة المنفوش يقف في طابور التموين.

العشرات من المؤسسات التي تنشط في أوساط اللاجئين الفلسطينيين بالوطن المحتل، منها ما هو متخصص بالدفاع عن حق العودة ومنها من اتخذ اسما يوحي بأنة يعمل من اجل هذه الشريحة، الغريب أن هناك من يجاهر ليل نهار بانحيازه إلى قضية اللاجئين مدعيا بضرورة إقناع العالم بحقنا، لينئي بنفسه عن تجمعات اللاجئين تحت شعارات مختلفة، لنصطدم بحقيقة مرة تؤكد تغليب العمل المكتبي المدفوع الأجر وطبعا بالدولار على الفعاليات الميدانية التي من شأنها الإبقاء على شعلة الانتماء للذات وعدم الانجراف وراء سراب الآخر الذي لعب دورا رئيسا في نكبتنا.

المتابع لتجمعات اللاجئين وخاصة المخيمات يستطيع أن يشاهد الانقلاب الثقافي الذي احدثتة بعض المؤسسات، وحالة العجز أو الخوف من الاستحقاقات المترتبة على رفع الصوت في وجه مرحلة تتميز بتواصل المؤامرات على قضية اللاجئين وحقهم في العودة، لدرجة أن المناسبة الأم وهي إحياء ذكرى النكبة اضمحلت لتصبح مجرد مطبوعة تحتوي على بعض المقالات وطبعا يتابعها من يكتب فيها فقط، أو طبخة شعبية تدعى إليها الفعاليات ولا باس ببعض اليافطات أو المسابقات الثقافية الموسمية.

وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، وطالما أن قضية اللاجئين تشهد تراجعا ملحوظا في الوطن المحتل، حيث غياب الفعل المناهض للالتفاف على حقنا بالعودة،وصمت لجان الدفاع عن حق العودة سوى بعض البيانات أو العرائض التي يقف على رأسها بعض الغيورين، فلا باس من قراءة نقدية للواقع اللاجئ ونفض الغبار الذي تراكم على بعض المؤسسات الناشطة في الشأن اللاجئ وإعادة بنائها بعيدا عن الصنمية والاستئثار وسيطرة أشخاص أصبحوا عبثا علينا، يحرمون الحلال ويحللون الحرام، علاقتهم بقضيتنا لا تعدو مرتب في آخر الشهر، ولتتكون مصالح تتناقض مع الهدف التي وجدت من أجلة بعض مؤسساتنا ليفقد القائمون عليها مبرر بقائهم ولتشهد عملية نفض حقيقية تقود إلى النظر في السياسة المتبعة والتخلص من بعض المتسلقين وتحجيمهم خاصة أن بعضهم يتلون من تلون المرحلة، من حق اللاجئين على النخبة الوطنية الاهتمام بالبعد الثقافي وإعادة الهيبة لمشرعنا المتمثل بحقنا في العودة من خلال الممارسة الوطنية البعيدة عن أصحاب الصالونات الذي اتخذوا من قضيتنا علاقة لمصالحهم التي أسست لانقلاب على بنيتنا الثقافية .

ليست هناك تعليقات: