الخميس، يناير 31، 2008

الضمير الأسود

رولا أحوش
مشهد يتكرر كل مرة يحاول أحد التعبير عن رأيه، وتثبيت نظرية بلد الحريات، فيقطع عليه بعض الأشخاص الطريق متخطين كل الأعراف الانسانية والأخلاقية والحريات العامة والخاصة دون تخطي الأحقاد الدفينة والأيام المريرة الماضية،مقررين ومن تلقاء نفسهم وقف ما يدّعون انه شغب وغير حضاري مطلقين العنان لشرهم بطريقة اكثر حضارية وتطوراً مستعملين رصاص الغدر في ظهر اخوة لهم في الانسانية...والوطنية!

يجر البعض البلاد الى هاوية لا نهاية لها بعد ان اعتاد هذا البعض نفسه على بناء أمجاده على دماء وأحزان وأوجاع وجراح الآخرين. لن نكرّر ما ذكرته الصحف عن ذاك الأحد الأسود المشؤوم ولكننا نتساءل طبعاً عن الأسباب والأهداف. لماذا لم يقبل فريق يمثل قلة من الناس بعد فكرة التعددية الطائفية وامكانية العيش والتعايش بين حضارتين وثقافتين مختلفتين، لماذا لم تقبل هذه القلة ولم تفهم بعد ان لبنان هو للجميع وهي نفسها تتبجح امام شاشات التلفزة كلّ يوم مدّعية أن لبنان لن يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي ولكنها في لحظة طائشة متسرعة تبرز مخالبها لتطيح بكل القيم الانسانية وتعود الى قوقعتها الطائفية التي لا تدمر في النهاية الا صاحبها.

أيعتقد هؤلاء كونهم ينتمون الى السلطة الحاكمة أنهم محصّنون ومغطّون؟؟؟ ولكن من سيغطيهم ان كان الصدام كاد ليؤدي إلى توريط المؤسسة العسكرية، التي ما زلنا على الأقل نعتقتد انها المصداقية الوحيدة المتبقية ونؤمن بشفافيتها وقدرتها على كشف الأمور دون الرضوخ للضّغوط السياسية والدينية...

في السنوات الخمسة عشر الأخيرة كانت ترافق المظاهرات الاحتجاجية على الجوع والفقر والنفي والسجن خراطيم المياه واكعاب البنادق الخاصة بأجهزة وحدة المسار والمصير اما منذ سنتين تقريباً فأصبحت نيران البنادق والمسدسات توجه الى قلوب المحتجحين على سياسة خاطئة قد يؤدي تصحيحها الى استفادة البلد بأكمله وليس فريق دون سواه، كما أصبحت العصي تنهال على الرؤوس والسيارات والاملاك العامة من قبل فريق نصب نفسه حاكماً بالتنصيب بعد ان انفصل عن توأمه المساري والمصيري بالجسد اما بالروح فما زالت "توأم الروح"

من ينسى يوم ال Attack الذي حلم به بعض الصبية في الأشرفية، ومن ينسى يوم الهجوم على كنيسة مار مارون وحرق السفارة الدانماركية وكيف تمّ الصمت من قبل هذا الفريق آنذاك لا بل اسوأ، قد تم تبرير الموضوع وتمريره ولملمته.... ومن ينسى الهجوم الدائم والمستمر على العماد عون منذ عودته الى لبنان مروراً بزيارته كنيسة مار مارون وصولاً الى التفاهم مع حزب الله واحتضان جمهور المقاومة خلال حرب تموز 2006 كما ولن ننسى رصاص الصباح والظهر والمساء الذي انهال على المعارضة يوم 23 كانون الثاني 2007 خلال المظاهرات الاحتجاجية حينها كما اختلاق اشكال في الجامعة العربية بعد يومين، لنشهد القناصة بوجوههم المعروفة المكشوفة يطلقون النار على مرأى من كل القوى السياسية والأمنية ولكنهم يعرفون جيداً كيف يطمرون حقيقتهم ويخفون آثار جرائمهم متناسين ان الله كما الشعب يمهل ولا يهمل....

هذا من ناحية القادة وقواعدهم وما تسببه لهم فكرة السلام والوحدة والتعايش، اما الأغرب والأعجب هو موقف الكنيسة من هذا كله. فالبطريرك صفير عاش التجربة كاملة التي سببها موقفه في عامي 1989-1990 وها هو اليوم يتخذ الموقف نفسه بالوقوف الى جانب طرف دون آخر بالرغم من ان صور العسكريين المرميين بالرصاص عراة على الحيطان ما زالت خير شاهد ودليل، كما وآنذاك مجزرة نهر الموت لم تمّح بعد من الذاكرة بالرغم من ادّعاء البعض ان مندسين مدججين بالاسلحة تغلغلوا بين المتظاهرين واطلقوا النار، كما عرضت هذا السيناريو احدى المحطات التلفزيونية اللبنانية الشهيرة حينذاك.

كما البطريرك صفير كذلك المطران بشارة الراعي الذي ابدى رأيه السياسي المنحاز منذ اسابيع قليلة كما والمطران الياس عودة الذي جعل اللبنانيين لسنوات يتسمرون لسماعه، شبههم حين اعتصموا في ساحة الشهداء بالغنم الذي لا يعرفون ماذا يفعلون ولماذا يعتصمون؟

كنيسة تعتبر نصف شعبها أو أكثر خارج عن المسيحية كونه يؤمن بالتعايش، وكنيسة اخرى تعتبر هذا النصف او اكثر غنماً لأنه يريد المشاركة الحقيقية للمسيحيين في ادارة البلاد وذلك بتحريض من بعض المسيحيّون الدجالون التابعين للقلة الحاكمة. أوليس من الأفضل لو ان الكنيسة تعود لتصبح كدستور الايمان "واحدة و جامعة" فتعكس صورة المسيح الحقيقية لأبنائها ولغيرهم في العالم ، صورة الأب والمخلص والمعلم ومثال الحب والرجاء والحق والتسامح والتواضع والتضحية... عندها قد يتعلم من استعمل العنف والقتل بحجة الحفاظ على وجوده المسيحي ان المسيح يبرز في التصرف الذي ينتج عن الايمان الحقيقي، فلا يمكن ان يقتل الانسان اخيه الانسان وقد قرأ يوماً آية: "احبوا بعضكم بعضاً..." كما لا يمكن ان يستعمل المسيحي الحقيقي المسيح لأهداف وغايات دنيوية شهوانية حاملاً رصاص القتل من اجله وهو الذي لا يأتي بالبطش ولا بالعواصف انما بالنسيم العليل، وهو القائل: "قد يضطهدونكم ويقتلونكم لأجلي فافرحوا وابتهجوا"... ولم يقل مرة اقتلوا ودافعوا عني واسفكوا الدماء، لأنه هو وحده واهب الحباة والحاكم العادل والعين الساهرة على جميع مخلوقاته....

ان اغرب ما في الأمر وأشدّه أسفاً، ان المسيح النائم في كل الأديان يصحو أحياناً عند المسلم الشيعي من خلال استيعابه ما حصل من اطلاق رصاص عشوائي على العشرات من ابنائه، وقدرته على ضبط النفس والصلاة من أجل راحة نفوسهم مدركاً ان: "من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ"، ولا يصحو في كثير من الأحيان عند المسيحي الذي يجب الا ينام المسيح فيه أبداً لا بل يجب ان يوقظ هذا المسيح في داخله مراراً وتكراراً، كما يوقظه المسيح في لحظات غفوات الضمير صارخاً من وجع الشوك على جبينه والمسامير في يديه:

"اسهروا لانكم لا تعلمون في اية ساعة يأتي ربكم، فطوبى للذي يجده مستيقظاً اما المتغافل فغير مستحق!"

وياليت رجال الدين يتعظون أولاً!!!!

ليست هناك تعليقات: