السبت، نوفمبر 17، 2007

المشروع الصهيوني إلى أين؟

محمد داود

يمر الشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي ظروفاً قهريةً في غاية الصعوبة وتسودها حالة من التخلف والتشرذم والانقسام بفعل التدخل الأجنبي وهيمنته على مقدرات و ثروات الشعوب العربية، في ظل التقدم العلمي النوعي والمتميز في تكنولوجيا الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما دعا بعض الدول العربية بالهرولة وراء هذا الكيان المنغرس في جسم الأمة العربية، من أجل إجراء علاقات تطبيعية معه، فيما المشهد الفلسطيني باقي على أسوءا حال، حيث يرتكب الاحتلال الصهيوني بحقه عدواناً مستمراً ومنظماً يتجه نحو التصعيد المبرمج، خاصة في قطاع غزة، في ظل غياب طويل لأي أفق سياسي، قد يتحقق، رغم أننا مقبلين على مؤتمر أنابوليس والذي تعول عليه القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والمخصص لبحث المسألة الفلسطينية والوقوف على قضايا الحل النهائي كأحد ابرز مشاكل الصراع في المنطقة، بعد أن قطعت الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد وزيرة الخارجية ألأمريكية 'د . كونداليزا رايس' شوطاً من أجل إنجاحه وبالفعل حققت تقدماً في تقارب وجهات النظر بين الطرفين 'الفلسطيني والإسرائيلي' قبيل انعقاد المؤتمر المزمع عقده في السادس والعشرين من هذا الشهر الجاري '26/11/2007م'، بحضور دولي وعربي، ولا نريد أن نستبق الأحداث ونحكم عليه بالفشل لأن كافة التسويات والاتفاقيات السياسية القائمة والقادمة لن تتمكن من وضع نهاية تاريخية إستراتيجية للصراع التاريخي الوجودي مع دولة الكيان الصهيوني، وإن كانت – تلك التسويات والاتفاقيات – قد تؤجل من المواجهة الربانية أو الإستراتيجية إلى وقت أخر.
فالصهاينة كعادتهم وضعوا العراقيل والشروط الإستباقية قبل الحديث عن أعمال المؤتمر أو نجاحه، إذ تأخذ مسألة الاعتراف بإسرائيل كدول يهودية شرطاً، وهو ما رفضته القيادة الفلسطينية لأنه يعني بأن إسرائيل ستقوم بإجراءات ترحيل 'ترانسفيل' أي دولة أثنية، مما يترك انعكاسات على الشارع العربي الذي يشكل ما يزيد عن 20% من سكان إسرائيل، كما تأخذ مسألة السيطرة على قطاع غزة والتي تمت على أيدي عناصر حركة حماس المسلحة قبل أربعة أشهر '14/6/2007م' بأنها هي عقدة الحل، رغم ورود أنباء تكشف أن إسرائيل على علم بهذا المخطط قبل تنفيذه، بينما وضعت القضايا الأم المصيرية والمهمة التي هي محط خلاف والتي يسعى الجانب الفلسطيني إلى معالجتها وأهمها قضية اللاجئين الفلسطينيين والقدس والاستيطان والجدار 'وقضايا الحل النهائي'.
ليس الأمر سواداً في عيون الفلسطينيين للذهاب نحو حل عادل للقضية الفلسطينية أو الشفقة على الحال المزري عند هذا الشعب المضطهد، فالقضية الفلسطينية تشتكي وتأن منذ عشرات الأعوام على الأقل وازدادت وتيرتها في الأشهر القليلة الماضية، بل وصل الحد بأن يدفع الرئيس الفلسطيني 'ياسر عرفات' حياته قرباناً من أجل الحفاظ على الثوابت الوطنية، فيما تكرس السياسة الدولية المهيمنة على قرارات الشرعية الدولية جهدها وخدماتها لصالح الاستعمار والاحتلال على مر الأزمنة، منتهكاً الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، التي يفترض أن يغادرها أسوة بالدول التي نالت استقلالها آنذاك، فما يجري لا نسميه الهام رباني أو صحوة دولية لمعالجة القضية الفلسطينية، إنما هو مأزق سياسي تكتيكي تعاني منه المؤسسة الصهيونية أمام مشروعها المهيمن لا سيما بعد أن سقطت هيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أمام صمود المقاومة اللبنانية، واستمرار انتفاضة الأقصى والهبات الشعبية، التي تتجه إلى نوع من التنظيم والتكتيك العسكري، لكن هذا المأزق التكتيكي لن يدخل مرحلة المأزق الاستراتيجي إلا إذا تواصل واستمر على الوتيرة نفسها وبتوحد القوى الشعبية والفصائلية على الساحة الفلسطينية، وتم تجنب الهجمات المضادة التي سوف تشنها كل من الصهيونية وحلفائها الغربيين، أما الحديث عن مأزق إيديولوجي بالمعنى (البنيوي) فهو موجود منذ قيام دولة الاحتلال بشكل صارخ ، لكن ميزان القوى العالمي هو من أسعف هذا المشروع من الانكفاء أو السقوط، بدءاً من حرب عام 1948م ومساعدات الانجليز والولايات المتحدة، وعدوان عام 1956م التي شاركت فيه الدول المنتفعة مستغلة إسرائيل هذا العدوان 'البريطاني والفرنسي' للقيام بهجومها، وكذلك حرب عام 1967م التي اعتمدت إسرائيل فيها على ترويج الشائعات والحرب النفسية لكسب تعاطف المجتمع الدولي، مستذكرة الاضطهاد الذي لاقاه اليهود في شرق أوربا وخاصة في الإمبراطورية الروسية ومحارق الهولكست، والتأثير بالشأن الداخلي الديني الأمريكي، مما دفع بأمريكا وبريطانيا بدعمها، فكانت الضربة الإستباقية للمطارات العربية وبالتالي حققت الانتصار فعرفت بالنكسة، لكنها في نفس الوقت أوجدت عزيمة عند بعض القادة العرب واللجوء إلى حرب استنزاف والتي تجلت البطولات في عملية إيلات الفدائية وعمليات فردية قادتها منظمة التحرير الفلسطينية، وشاركت بها بشكل مباشر، كان التخطيط المصري والسوري يرمي إلى أبعد من ذلك في خطوة لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل أهمها 'مرتفعات الجولان السورية والقدس وشمال الضفة والتركيز على نهر الأردن ومصادر المياه، وشبه جزيرة سيناء وصولاً إلى الضفة الشرقية من قناة السويس' هذه الحرب تمكنت فيها الجبهتين السورية والمصرية من تحقيق تقدم ونجاح وربما كانت ستغير مجرى التاريخ لصالح مستقبل القضية الفلسطينية لكن المدد الجوي الأمريكي من العتاد الحديث المقدم للكيان الصهيوني حسم الحرب لصالحها، فانقلاب النصر إلى هزيمة، وخضوع مصر لاتفاقيات هدنة ومن ثم معاهدة سلام، بينما بقي الشأن السوري الذي انتهي بإبرام اتفاقية هدنة حتى الآن، وبهذا التحييد التام لمصر والأردن وسوريا، أتاح المجال بالاستفراد بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تصدت للقوات الصهيونية بالتعاون مع الجيش الأردني في معركة الكرامة التي أعادت العزة والكرامة للامتنا العربية، والخروج من حالة اليأس التي سادت ألأوساط العربية ليندحر الاحتلال جاراً أذيال الهزيمة، ليعيد حساباته من جديد أمام نصر منظمة التحرير الفلسطينية وشخصية قائدها 'ياسر عرفات' الذي أرتبط أسمه بالكفاح الثوري الفلسطيني، لتعود مرة أخرى 'م.ت.ف' إلى السطور وإلى قفص الاتهام ولكن هذه المرة على الساحة اللبنانية عام 1982م وتعرف 'بسلامة الجليل' عندما دخلت القوات الإسرائيلية بهدف تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، لنرى من جديد أطماع الحركة الصهيونية الهادفة للسيطرة على منابع ومصادر مياه الدول المحيطة ولتسويق منتجاتها في المنطقة من خلال إحداث اختراقات تجارية أمام المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية، لكن هذه الحرب أسقطت الرهان من جديد فخرجت المقاومة منتصرة، منتصبة القامة، إلا أن هذا النصر ترُجم لمأساة لن يغفر التاريخ لمرتكبيها شاء الزمان أم قصر، عندما ارُتكبت مجزرة صبرا وشاتيلاً، وقبلها أيلول الأسود في الأردن ، لكن صمود الشعب الفلسطيني رسخ صيرورة البقاء والتحدي لدى المقاتل العربي، فورثتها المقاومة اللبنانية على مختلف توجهاتها، كما انتقلت هذه السمة النضالية إلى الأراضي المحتلة التي هي ألأُخرى لها نصيب الأسد فأشعلت لهيب انتفاضة الحجارة، وجددت العهد بانتفاضة الأقصى، مقدمة مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى، مما عززت ثبات الشعوب بحقها فاندلعت حرب تموز 2006م، والتي تجسدت في المقاومة الإسلامية الباسلة التي استطاعت أن تحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، تاركةً ورائها جدليات كبرى حول مستقبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الأخذة في الانهيار أم صمود الشعوب على حقوقها، سيما وأن المعركة اندلعت ضد تنظيم لا يتجاوز مقاتليه بضع المئات، لكنه تمكن من أن يحقق عجز في ميزان القوى على طريق سقوط المؤسسة الصهيونية وفشلها وتراجعها السياسي والعسكري بعد تنامي هاجس الخوف والهلع الذي دَب في نفوس الجنود والزعماء الصهاينة والخشية على أمنهم وأمن أبنائهم باتت واضحة من نزوح مئات الألوف من قرى الشمال، وحتى المحاذية لقطاع غزة 'أسدروت وكفار عزة و..'، وفي مشهد أخر لمسنا من خلاله بعض التناقضات في سلوكهم الاجتماعي ذو النسيج المختلف بين العلمانية والتدين المفرط،، فالمعادلة باتت واضحة بأن الفكر الصهيوني أخذ في'التقلص والانكفاء على نفسه' وهذا ما ترجمه المؤتمر الصهيوني الأخير، فلا دخان من دون نار بالتالي لا يهودية مستقلة، ولا صهيونية مستقلة عن الحضارة الغربية، لأنها هي الداعمة لها منذ انطلاق الرحلة الفردية ألأولى للاستيطان في فلسطين، والتي ترجم معالمها عندما ألحَ نابليون بأهمية قيام دولة صهيونية، وبين هذه وتلك يجب على إسرائيل أن تجدد عهدها باستمرار للغرب بأن تقوم بوظيفتها المطلوبة منها، بالتالي طُلب منها سواء عبر الدول الكبرى أو من خلال الأمم المتحدة بأن تتراجع عن مشروعها الصهيوني وقد ظهر جلياً من خلال بروز اتجاهاتٍ متناقضةٍ في الكيان الصهيونيّ وأخرى في الغرب المساندة لها، فبات أحلام المشروع الصهيوني قاب قوسين، أَُسقط به نظرية غولدا مئير التي أعلنت في أكثر من موقف بأنها لا تعرف شعباً أسمهُ الشعب الفلسطينيّ، أو ما عبر عنها بنيامين نتنياهو في كتبه 'حرب الإرهاب أو مكان تحت الشمس' حول رؤيته التدميرية الاستئصالية من الشعب العربي، فهناك شتان ووجهات نظر، والأمر مختلف بين سياسي وأخر تماماً، فالمطروح اليوم انسحابات وفك ارتباط وتنازلات مؤلمة والتخلي وإعادة انتشار واعتراف وقيام دولة فلسطينية وإطلاق سراح أسرى أسقط عنهم القانون الإسرائيلي بمن أسمتهم إسرائيل 'أيدي ملطخة بالدم الإسرائيلي'، واليوم الحديث عن عودة الألوف من اللاجئين إلى من حيث نزحوا، ووقف الاستيطان وتنازلات عن أحياء في مدينة القدس التي تحدث عن الاحتلال بأنها عاصمتهم الأبدية ولا يمكن تجزئتها بأي حال من ألأحوال .. الخ من المسميات التي طرحت في ألآونة الأخيرة حول الأراضي الفلسطينية، وفي الإطار الأقليمي أيضاً جرى الحديث عن انسحابات من الجنوب اللبناني ومقولات أخرى عن مرتفعات الجولان السورية المحتلة والتي تم كشف النقاب عنها مجدداً، سيما بعد الضغوط الأوروبية والأمريكية على سوريا من أجل منع انعقاد مؤتمر الفصائل الفلسطينية الرافضة، والمناهض لمؤتمر أنابوليس أواخر الشهر الحالي، بغية تحييد سوريا، وهو ما كشفته التأكيدات بأهمية مشاركة سوريا في مؤتمر 'انابوليس' تمهيداً لضربة محتملة لمفاعلات إيران النووية.
فهذا الاختلاف والتباين ليس على مستوى إسرائيل الداخلي بل أيضاً يهود أميركا أنفسهم أصبحوا مختلفين في الفكر والسياسة والأيديولوجية, فمنهم المتزمت المتشدد ومنهم المعتدل المهادن، بالتالي المشروع الكلاسيكي قائم كله على التوسع في ( أرض الميعاد ) وهو عقيدة ومبتغى إلهياَ بالنسبة لليهود وللصهيونية فلا جدال عليه، وضع حجار أساسه في مؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا عام 1897م، لكن في المقابل يوجد توجه ثاني يرمي إلى تقسيم فلسطين من خلال مشاريع معظمها تقوم على المصالح منها / مشروع قناة البحر الميت ومشروع أخر يتحدث عن تجزئة الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما تكلم عنه شمعون بيريز في كتابه 'الشرق الأوسط الجديد' بما يعني السلام التجاري والتنموي، القائم على العلاقات الاقتصادية المتبادلة، لإنقاذ الأزمة الصهيونية من حالة الريبة والقلق التي تمر فيها بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد الذي طال رأس الهرم في المؤسسة الصهيونية بالإضافة إلى تصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية التي تلجئ للأساليب نوعية وتقنية في عملياتها الفدائية التي اعتراف بها الاحتلال مرات عدة بأنها مقاومة وجيش منظم.
فالمشروع النضالي الفلسطيني صعب أن يتحقق بدون الارتكاز إلى عمق عربي أو إسلامي، لذلك نقول مسألة التحرير هي مهمة عربية قبل أن تكون فلسطينية وإسلامية قبل أن تكون عربية وفلسطينية، بالتالي هذا الاستهتار البالغ بالحقوق الفلسطينية يقع على عاتق العرب، فهم من يتحملون المسؤولية عن النكبة والنكسة وما تلتها من هزائم وتراجعات عند كلا المشروعين العربي والإسلامي ، لأن الحاجة كانت أكبر لتوفر العزيمة وروح الشجاعة والتصدي، وهذا ما شاهدناه في الجولة ألأولى في حرب تشرين الأول 1973 التي كان فيها نوع من التضامن العربي العملي دام سنوات, ثم تعمق الانقسام العربي وزادت درجات التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، والدوران في مطاف النظام الدولي الجديد أو الشرق ألأوسط الكبير أو الجديد ... الخ من المسميات الصهيوأمريكية، والتي أخذت تنز من جدران الغرب في ألآونة الأخيرة عقب كل حرب أو عدوان تشنه ضد الشعوب العربية أو الإسلامية، بعد فشل أمريكا وحلفائها من تحقيق مأربهم فيما يسمى بنشر الديمقراطية أو الاستقرار كما تدعيه في أفغانستان أو في العراق أو عند المجتمعات العربية في محاولة لتبرير عدوانها ووجودها في المنطقة لتكرس هيمنتها على الموارد ومقدرات الأمة العربية والإسلامية وتعميق الانقسامات الداخلية، وفي نفس الوقت تبقى الحامية لأمن إسرائيل ووجودها ومصالحها في المنطقة. وما جرى في غزة- ستان اليوم هو البذرة نحو تشكيل شرق أوسط، بالانقلاب الفج على المشروع الوطني الذي كلل نجاحه بدماء مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى على طريق الحرية والاستقلال، ليشطر الجغرافية السياسية الفلسطيني إلى توأمين متنافرين تزداد وتيرته يوماً بعد يوم، فما يجري على الساحة الغزية من قتل واعتقال وملاحقة هو تدعيم للانقسام والتوجه نحو مزيد من التفتيت للنسيج الاجتماعي ، وهذا ما تدعمه وتقف خلفه أمريكا وإسرائيل، وإن كانت تدينه بشكل العلني المطروح، لأنه يخدم القضاء التام على حلم وطني فلسطيني، بقيام دولة متواصلة ومترابطة بعد أن قام الاستيطان والجدار العنصري وتقسيم المدن إلى كونتونات بدور بالغ في الحد من قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
لأن الدولة اليهودية جاءت فكرتها على أن تكون دولة وظيفية أسسها الاستعمار الغربي لتقوم على وظيفة وهدف، وللمتتبع نجد أنها بدأت أولاً بوظيفة الهجوم على القومية العربية وضد التوجهات العربية نحو الاشتراكية ، ثم ما لبثت إلى أن انتقلت إلى الهجوم على الإسلام، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ووصفهم للإسلام بالأصولية الإسلامية أو 'التنظيمات الإرهابية' تمهيداً لمحاربته، والعدوان على الشعوب، حيث غيرت إسرائيل من مضمون وظيفتها وقامت بوظيفة جديدة، بموجبها تم تصنيف المقاومة بالعنف والإرهاب ، وهذا ما نستشفه بأن الفكر الصهيوني قائم على 'ديباجات' يخدم الغرب في المقاوم ألأول، وعليه تم نقل اليهود من أصقاع العالم وترحيلهم إلى فلسطين ضمن سياسة الإحلال، لكي يقوموا بوظيفة منوطة بهم لخدمة الغرب، هذا هو الأساس، بالتالي أفرز الفكر الصهيوني ديباجات ونصوص دينية وتاريخية دعم فيها حقه بأرض فلسطين مثلاً مقولاتهم : 'لقد عدنا إلى أرض الميعاد بناء على ما جاء في التوراة والتلمود' ونحن شعب الله المختار ... إلخ.، والاستعانة بمقولتهم الشهيرة'أرض بلا شعب لشعب بلا أرض' وقد تكلل المشروع الصهيوني بالنجاح، وذلك لعقلية الصهيوني الطموحة الممزوجة بالدقة والتنظيم والأداء القائم على روح التعاون وكسب عاطفة الرؤساء وصناع القرار في الدول الكبرى والمُستعمرة، ودورها ألتأثيري في الشعوب 'جماعات الضغط والتأثير' مرتكزين على الفكر الأيديولوجي لتختلط صنيعته المثيولوجيا بالبراغماتية ليؤسس كيانهم، لكن الأزمة الصهيونية برزت في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني، ودعنا نقف عن بعض الانتقادات التي وجهها أفرهام بورغ إلى مؤسستهم العسكرية من خلال كتابه والذي يسرد فيه مدى الخلل والتراجع في فكرة الصهيونية كالعصب الذي يرتوي منه المؤسسة العسكرية قائلاً : ' لقد تحولت من دولة شابة ومفعمة بالحياة لناطقة بلسان الموتى أكثر مما تنطق بلسان الأحياء ، بل صارت الحرب عندنا دون أن نتنبه من ظاهرة شاذة لقاعدة .. إن الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة ' ، فحركتنا الصهيونية الراهنة صدامية وحبلى بالمصائب ' ، ويعلق بورغ عن مصير الدولة ألاستيطانية التي أصبحت ألان رهينة في أيدي بعض المستوطنين يسعون لزعزعة أسس الدول باسم حرية التعبير'، مما يفتح المجال أمام تفشي العنصرية، ويكشف بورغ مستقبل الصهيونية بأنها أمام مستقبل مجهول وأن لا حاجة لقيادة مستقبلية'!!. منتقداً أسلوب 'النفاق الإعلامي بهدف إخفاء ممارساتها العنيفة والعدوانية والعنصرية تجاه الآخرين!! مسترشداً ببعض المصطلحات التي تستخدمها المؤسسة لتبرير جرائمها وعدوانها المستمر.
إذاً لا جدال على سلوك السياسة الصهيونية القائمة على أساس الإحلال والتهويد والاستيلاء، وجلب المزيد من المهاجرين واستيطان الأرض بدلً من أصحابها الأصليين وهم الفلسطينيين، لذلك كانت الأزمة البنيوية الصهيونية بوصفها تاريخية، فهي تأسست على فكرة نفي الآخر(الفلسطينيين)، وطمس تاريخه الحضاري والوجودي الذي يمتد جذوره لألف السنين، عندما أسسها الكنعانيون، في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، وما قام به سينا حريب ونبوخذ نصر بالقضاء على مملكة يهودا، وكسر شوكتهم، وهو ما يعرفونه، ويخشون من تكرار الماضي، لذلك يقومون بالعدوان على الشعوب والقضاء على أي نظام يحرض ضد كيانهم.
فلما فشلت في تحقيقه لجأت إلى وسائل أخرى على سبيل لا الحصر 'التغييب الحضاري' والتي هي الأخرى سقطت كأوراق التوتِ وهو ما توقعه الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء 'طلعت مسلم' بأن مستقبل المشروع الصهيوني على شافه الانتهاء ولكن لا يجب أن نعتمد على هذا الشعار دون العمل الجاد به، لأن الدراسات البحثية التي قارنت وطرحت مسألة الفشل العربي كمشروع نهضوي يواجه المشروع الصهيوني الذي يرتبط به الأخير عضوياً بالقوى الإمبريالية التي أسهم العرب في تشييدها لربما دون علم أو دراية منها : الإخفاق والهزيمة في المواجهة قد عزز نجاح المشروع الصهيوني الذي يسعى للهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية والتشبّث بالأرضي الفلسطينية المحتلّة، والعمل على تذويب وطمس معالم الهوية الإنسان الفلسطيني وكينونتها التاريخية منذ فجر التاريخ.
فالمشروع الصهيوني مر بقفزات وإسهامات دولية ساهمت بشكل مباشر وعلني على تكوين وتعزيز وجودها ومكانتها الدولية وأهمها / 'إسقاط وتقاسم تركة الخلافة العثمانية، مروراً بتصريح بفلور المشئوم واتفاق الدول المستعمرة الكبرى والمنتصرة في حربها ألأولى في مؤتمر فرساي ومن ثم اتفاقية سايسكس بيكوا لنهب الثروات العربية وتكريس الوجود الصهيوأمريكي في فلسطين ومنطقة الشرق ألأوسط والذي توج عقب إعلان الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين وكلا الاثنين تنافسوا على خدمة الحركة الصهيونية وتجزئة الأوطان والشعوب العربية، عبر خلقها للقلاقل والنزاعات الداخلية، وتشجيع الهجرة والاستيطان والاعتراف بالكيان الصهيوني كمشروع على الأراضي الفلسطينية، فما كاد يصمد الاتحاد السوفيتي طويلاً حتى أنهار أمام المعسكر الرأسمالي الغربي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي هي الأخرى تعرضت لضربة عرفت بهجوم 'الحادي عشر من سبتمبر 11 أيلول من العام 2001م، بالتالي تبقى الحركة الثورية المقاومة أسيرة المرحلة، ومحط أنظار العالم يجب الخلاص منها، ولا يهم من المجابه ومن يمارس الغلظة فربما يكون من أبناء جلدتنا وهو بالفعل ما جرى قبل أيام في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، فالحاجة ملحة وضرورية وهناك هجمة شرسة وأعلنها بوش سابقاً بأنها حرب صليبية، يتكاتف فيها الغرب بالتعاون مع الصهيونية فيما يبقى المشروع العربي والإسلامي المزري يتجه نحو مزيد من التبعية والتمزق والفرقة، وتبقى القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الممزق ليس بحال أفضل عن حال الأمتين العربية والإسلامية، إلا أن هذا لا ينكر كما أسلفنا وجود حركات وطنية قومية أحدثت اختراقاً كبيراً لدى المؤسسة الصهيونية، واختراقاً في الفكر العربي المعاصر، نحو اعتناق حركات التحرر ودعمها كمشاريع من أجل نيل الحقوق، بما أنها ورقة ضغط، في ظل سعي بعض القوى والتنظيمات المحلية والإقليمية والدولية لامتلاك أسلحة تقليدية لا سيما صراع الوقت الذي تخوضه إيران وبعض الدول الإسلامية لامتلاك أسلحة نووية، ومجارات الحداثة في ظل التقدم التكنولوجي والعسكري.
صحفي وكاتب وباحث فلسطيني
Mhsd_20100@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: