الاثنين، نوفمبر 19، 2007

قادة إسرائيل بين الإفلاس السياسي واستجداء الهوية


تيسير خالد
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية
فجأة اكتشف زعماء اليمين كما اليسار الصهيوني في اسرائيل ، كم كانوا في غفلة من أمر هوية دولتهم ، وهم يتفاوضون مع الدول العربية ومع منظمة التحرير الفلسطينية . الصحوة سقطت على هؤلاء الزعماء دفعة واحدة من السماء ، بعد أن أعلن الرئيس الامريكي جورج بوش عن دعوته الى لقاء او مؤتمر دولي في انابوليس لتسوية الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي وعن عزمه على تحقيق رؤيته بقيام دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة تعيش جنباً الى جنب في أمن وسلام مع دولة إسرائيل .
لم تكن هوية الدولة مطروحة على جدول أعمال المفاوضات ، التي سبقت التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل في أيلول من العام 1978 او معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية في آذار من العام 1979 ، ولا هي كانت مطروحة على جدول أعمال المفاوضات التي سبقت التوقيع على معاهدة وادي عربة بين الأردن واسرائيل في تشرين أول من العام 1993 . في حينه لم يطرح المفاوض الاسرائيلي على مصر أو على الأردن شرط الاعتراف بدولة إسرائيل باعتبارها دولية يهودية أو دولة " للشعب اليهودي " ، وفي ظني أن قادة مصر والاردن كانوا سيرفضون شرطاً من هذا النوع ، باعتباره غير مألوف في العلاقات بين الدول في المبدأ والأساس.
الأمر لم يختلف في المفاوضات التي سبقت التوقيع على اتفاقية اوسلو وما تلاها ، وما أكثرها ، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، مثلما لم تتضمن رسائل الاعتراف المتبادل بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في أيلول من العام 1993 أية إشارة الى هوية الدولة ، التي يعترف بها الجانب الفلسطيني . في رسالة الاعتراف المتبادل ، التي بعثها الرئيس الراحل ياسر عرفات الى رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه اسحق رابين ، وقع الرئيس الفلسطيني نصاً مكتوباً جرى الاتفاق المسبق عليه : " أن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن وتوافق على القرارين 242و 338 لمجلس الأمن الدولي " .
هوية الدولة ، دولة يهودية أو دولة "للشعب اليهودي " أو دولة لجميع مواطنيها اليهود والعرب ، لم تكن مطروحة على جدول أعمال للقاءات او المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني ، والاسرائيلي ، إذ ليس من المألوف ان تتفاوض دولة على هويتها او دستورها او سيادتها ، الا في حالات استثنائية كأن تقع الدولة تحت احتلال أجنبي يدفعها تحت ضغط القوة الى ذلك ، كما هو الحال هذه الايام في العراق . أما الدولة المستقلة فإنها لا تقدم على ذلك ولا تبادر الى طرحه ، باعتبار ان الهوية او الدستور او السيادة شأن داخلي من شؤونها .
وفقط خلال قمة العقبة ، التي انعقدت في حزيران من العام 2003 ، والتي شارك فيها كل من رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك محمود عباس – أبو مازن ورئيس الوزراء الاسرائيلي ، أرئيل شارون والملك عبد الله الثاني والرئيس الاميركي جورج بوش ، تعرض الأخير في خطابه في القمة الى هذه المسألة ، ليس بهدف طرحها على جدول أعمال أية أجندة سياسية أو تفاوضية ، بل كتعبير عن موقف إدارة هي الأقرب الى اليمين واليمين المتطرف في اسرائيل بين جميع الادارات الامريكية السابقة . في تلك القمة أعلن الرئيس الاميركي في خطابه :" ان من شأن قيام دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش في سلام كامل مع اسرائيل أن يدفع الى الأمام أمن وازدهار دولة اسرائيل ، باعتبارها دولة يهودية " .
ما جاء في خطاب الرئيس جورج بوش في تلك القمة كان موقفاً سياسياً ولم يتبادر الى ذهن احد في حينه ان ذلك الموقف السياسي سوف يتحول على أبواب لقاء او مؤتمر انابوليس الى شرط تفاوضي يتسابق قادة الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية في إسرائيل على إشهاره في وجه المفاوض الفلسطيني ، أو على استخدامه عصا غليظة في دولاب التسوية السياسية او وسيلة من وسائل التهرب من استحقاقات التسوية .
استحضار هوية الدولة وطرحها شرطاً لانطلاق عملية سياسية ومفاوضات جادة للتوصل الى تسوية سياسية للصراع أو شرطاً للمصادقة على أي تفاق يمكن التوصل إليه حول قضايا الوضع النهائي ، هي الآن بضاعة رائجة في اسرائيل ، ملثما هي بضاعة رائجة حمى التسابق في الكنيست على مشاريع قوانين تعبر اصدق تعبير عن مدى الافلاس السياسي ، الذي انحدر إليه قادة الاحزاب الصهيونية في المجتمع الاسرائيلي وقادة الكتل البرلمانية الصهيونية في الكنيست الاسرائيلي .
في هذا الاطار يندرج مشروع القانون المعروض على الكنيست حول القدس ، والذي يشترط موافقة 80 عضوا من أعضائة على أي تعديل في وضع المدينة أو حدودها البلدية او الصلاحيات المنسوبة الى مجلسها البلدي ، والذي مر في القراءة التمهيدية بتواطؤ صريح بين الحكومة والمعارضة في الكنيست ، ومشروع القانون الجديد ، الذي تقدم به دافيد روتيم من كتلة ليبرمان ، وزير التهديدات الاستراتيجية ، حول ربط حق الحصول على المواطنة بإعلان الولاء للدولة على نحو ليس من الصعب التكهن بنتائجه . حزب ليبرمان ، يشاركه في ذلك أحزاب أخرى ، يشترط في مشروع القانون ان يتعهد المواطن بأن " يكون مخلصاً لدولة اسرائيل كدولة يهودية صهيونية ديمقراطية (!!) ولرموزها وقيمها " ، ويتعهد مع غيره من الاحزاب بقانون مماثل يشرعه الكنيست يفرض على المفاوض الفلسطيني وبالتالي على الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل دولة يهودية صهيونية ديمقراطية كشرط لاية تسوية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي . ليس هذا فحسب ، بل ان الكنيست الاسرائيلي صادق مؤخراً بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون ، لا تخفى أبعاده على احد ، يمنع من يزور دولة معادية ، مجرد زيارة ، من حقه في الترشح لعضوية الكنيست .
ايهود اولمرت وايهود باراك وقبلهما بنيامين نتنياهو ليسا بعيدين عن هذه الاجواء من الافلاس السياسي . ايهود اولمرت يعتبر اعتراف المفاوض الفلسطيني باسرائيل كدولة يهودية ، كوطن قومي للشعب اليهودي نقطة الانطلاق في المفاوضات ، أما نقطة النهاية فهي نهاية الصراع ونهاية المطالبات . ايهود باراك ، زعيم حزب العمل ووزير الجيش في الحكومة ، وجد نفسه يلعب في نفس الملعب ، اما نتنياهو زعيم الليكود فقد بدأ اتصالاته مع اسرائيل بيتينو/ ليبرمان ومع حزبي شاس وايحود ليئومي من اجل تقديم مشروع قانون الى الكنيست من اجل ربط المفاوضات مع الجانب الفلسطيني باعتراف فلسطيني باسرائيل كدولة يهودية ووطن قومي " للشعب اليهودي ".
لا يخفى على احد الهدف ، الذي يسعى إليه قادة اسرائيل من وراء حشر هوية الدولة في المفاوضات . ذلك ابتزاز سياسي بامتياز وفوق ذلك عصا غليظة في دولاب التسوية السياسية ، فضلاً عن أبعاده الاخرى وتداعياته الخطيرة . فاعتراف الجانب الفلسطيني باسرائيل دولة يهودية ، أو باسرائيل كما يراها افيغدور ليبرمان ، القادم الجديد من روسيا ، يستدعي بشكل منطقي اعتذارا لمملكة صاحبة الجلالة في بريطانيا العظمى ولروح آرثر بلفور واعتذارا مماثلاً للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية على ما بدر عن الشعب الفلسطيني من رفض ومقاومة لمشاريع الاستيطان والتهويد في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل ، ويستدعي بشكل منطقي النظر الى الفلسطينيين ، الذين واصلوا ويواصلون الحياة على ارض وطنهم في دولة إسرائيل باعتبارهم غرباء عن وطنهم وجالية مقيمة حقوقها مطروحة على بساط البحث ومصيرها معلق ومعرض لشتى المخاطر ، بما في ذلك الترانسفير الطوعي او القسري ، كما يستدعي كذلك التنكر لقرارات الشرعية الدولية بشأن حقوق اللاجئين بما فيها القرار 194 ، وربما يستدعي الشعور بعقدة ذنب ينبغي التخلص منها بتعويضات يقدمها الشعب الفلسطيني لدولة إسرائيل على الطريقة الألمانية .
الصحوة بشأن هوية الدولة وما يرافقها من مشاريع قوانين يجري الاعداد لعرضها على الكنيست ، ليس المؤشر الوحيد على مدى الإفلاس السياسي ، الذي تعيشه الحياة السياسية في إسرائيل في كل ما يتصل بالجهود ، التي تستهدف إطلاق عملية سياسية في لقاء او مؤتمر انابوليس تفضي الى مفاوضات من شأنها أن تساعد على الخروج من نفق الصراع المظلم الى آفاق أوسع تفسح المجال أمام القيادات الاسرائيلية لتحرير مجتمعها من مواصلة التخبط في حالة تناقض بين دولة تعيش في الأساطير وتتغذى عليها ودولة مدنية ديمقراطية دخلت منذ زمن مراحل متقدمة من الثورة العملية التكنولوجية ، باعتبار ذلك هو المدخل لحل يقوم على دولتين تعيشان جنباً الى جنب في أمن واستقرار دونما إجحاف بالحقوق الوطنية المشروعة ، التي تكفلها قرارات الشرعية الدولية للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقوق اللاجئين الفلسطينيين .
هوية الدولة ، التي حولتها القيادات السياسية في إسرائيل على أبواب أنابوليس الى قضية أيديولوجية ليست وحدها هي العقبة التي تعترض جهود التسوية ، فهنالك عقبات أخرى عديدة تضعها هذه القيادات بالتواطؤ مع الادارة الاميركية في طريق هذه الجهود ، كعقبة الأمن وربط تطبيق أي تفاق يتم التوصل اليه في مراحل لاحقة بتنفيذ الجانب الفلسطيني ما عليه من التزامات نصت عليها المرحلة الاولى من خارطة الطريق الدولية ، الأمر الذي يسلح اسرائيل بحق الفيتو ويمكنها في كل لحظة من تجميد أي اتفاق عند البوابات والحواجز الامنية للمرحلة الاولى من الخطة الدولية ، وهنالك كذلك عقبة الاستيطان والكتل الاستيطانية وجدار الفصل العنصري وما يصاحب ذلك من حديث حول تسويات تستند الى تبادل في الاراضي وربما كذلك تبادل في الاراضي والسكان يضع الجانب الفلسطيني أمام الممر الإجباري للقبول بدولة معازل متصلة من خلال أنفاق وجسور ولكنها بالتأكيد لن تكون دولة قابلة للحياة .
هنا كان ايهود اولمرت ، رئيس وزراء اسرائيل على صواب تماماً عندما تحدث عن علاقات متميزة للغاية قامت الادارة الاميركية الحالية برعايتها بعناية ، حيث قدمت للاسرائيليين ما اسماه اولمرت ثروة مهمة مرتين : الاولى في رسالة الرئيس جورج بوش الى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون في نيسان 2004 وقبلها خارطة الطريق في آذار 2003 . ايهود اولمرت نسي ان يضيف ثروة مهمة ثالثة وهي هوية الدولة ، التي جاء الرئيس الاميركي على ذكرها في قمة العقبة في حزيران من العام 2003 .
مع ذلك ، وقد بات الجميع على مقربة من موعد الحفل في انابوليس ، تحضرني هنا مقالة للكاتب الاسرائيلي عاموس كرمئيل قبل أيام في صحيفة "يديعوت احرونوت " وضع لها عنواناً معبراً يقول :" لا توجد دولة محترمة تستجدي هويتها " .
* * * * *

ليست هناك تعليقات: