الخميس، نوفمبر 22، 2007

العربي في نظر المجتمع الإسرائيلي!!

د. عدنان بكريه

كثيرا ما يطرح هذا السؤال ما هو دور المجتمع الإسرائيلي في التأثير على القرار السياسي الداخلي وإذا كان هذا المجتمع ينبذ ثقافة الحرب وينحو نحو الخيارات السلمية فلماذا لا يستطيع التأثير على الساسة الاسرائيلين ويجبرهم على سلوك طريق السلام كمخرج من الأزمات التي تعصف به ؟!
لقد مر المجتمع الإسرائيلي بكوارث سياسية وعسكرية واقتصادية عديدة نتيجة لتوجه قادته الحربي وتبنيهم ثقافة العربدة والاحتلال واضطهاد شعب آخر ودفع العديد من القتلى ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمر بها ، لكن والحقيقة يجب أن تقال بأن هذا المجتمع لم يعمل بما فيه الكفاية على ردع قادته عن إتباع نهج الاحتلال الذي هز مكانة إسرائيل سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وجعلها بؤرة مغذية للتزعزع الأمني في العالم ، ناهيك عن عقدة الخوف التي تلازم مجتمعها نتيجة لمنحاها العدواني ووقوفها ضد إنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه القومية .
إن العجز الشعبي الإسرائيلي هو محصلة لسياسة إعلامية رسمية تحاول زرع ثقافة الحرب في ذهن هذا المجتمع وإيهامه على إن البديل عن الحرب هو زوال الدولة !! رغم عدم وجود أي تهديد عربي أو دولي جدي على دولة إسرائيل وكيانها ووجودها، بل أن سياسة الاحتلال والقمع هي الأساس لعدم الاستقرار وعدم طمأنينة المجتمع الإسرائيلي..فمع زوال الاحتلال حتما ستزول كل دوافع اللااستقرار ولن يكون هناك تهديد لا على الشعب الإسرائيلي ولا حتى على الولايات المتحدة نفسها .
إنني أجزم بأن سياسة التضليل التي تتبعها المؤسسة الحاكمة في إسرائيل هي السبب الرئيسي لترسخ ثقافة الحرب لدى هذا المجتمع ! ناهيك عن غياب قوى السلام الإسرائيلية الحقيقية والتي تراوح ما بين التأييد لخطوات الأحزاب الحاكمة وسياستها العدوانية وبين طرح طروحات سلمية هشة لا معنى لها ولا تشكل ركيزة سلمية حقيقية ، بل على العكس تماما فان هذه الفئات والتي تسمي نفسها يسارا عفوا (يسارا صهيونيا) لم تخرج يوما من تحت مظلة العداء للحق الفلسطيني وهي تحمل ثقافة صهيونية لا تقل خطورة عن ثقافة اليمين ..وعندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني والعربي نراها تقف صفا واحدا مع اليمين المتطرف..وما تمحورها في خانة اليسار وادعاؤها اليساري إلا لحسابات انتخابية ضيقة ...وما تطرحه من أفكار وهمية إلا لحصد أصوات الناخب العربي بالتحديد ..أما وعوداتها فتتطاير بعد الانتخابات مباشرة ، فهي لا تحمل فكرا سلميا وبرنامجا متكاملا يجنب المنطقة الكوارث وإراقة الدماء ولا تحمل مفاهيمها سلمية تشكل ركيزة للخروج من حالة الحرب التي تحياها المنطقة فتجربتنا مع حزب (العمل) والذي يدعي اليسارية تجربة مريرة فمعظم الحروبات حصلت في فترة حكم حزب العمل .. حرب الأيام الستة عام 67 حرب الغفران عام 73... التصدي للانتفاضة الأولى وانتهاج رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابيين سياسة (تكسير العظام). .. احتلال الجنوب اللبناني كل هذه الاعتداءات على حقوق وأراضي الغير حصلت في فترة حكومة حزب العمل وحليفة اليساري حزب ( ميرتس)
من هنا فان من يحاول إيهامنا بان اليسار الصهيوني يختلف عن اليمين وقد يخطو خطوات سلمية يكون مخطئا فاليمين واليسار الصهيوني وجهان لعملة واحدة يوحدهما العداء للحقوق القومية العربية وللحق الفلسطيني بالتحديد.
وعودة إلى ثقافة المجتمع الإسرائيلي فانه بمجمله يحمل أفكارا عدائية للحق الفلسطيني ولا نستطيع القول انه يتقلب وفق الظروف ..وحتى لو ساد السلام في المنطقة إلا انه من الصعب جدا تغيير ثقافة ترسخت عبر عشرات السنين ومن الصعب أيضا تغيير عقلية المواطن الإسرائيلي الذي تربى في المدرسة والبيت على العداء والكراهية للعرب وحتى لو أراد حكام إسرائيل هذا الأمر فانه سيستغرق زمنا طويلا وأجيالا متعددة .
إن الإنسان العربي قابل لتغيير توجهه كونه لم يكن معاديا لليهودي ،بل كان دائما مطالبا بحقوقه داعيا إلى إنصافه ولم تترسخ في ذهنه ثقافة العداء للشعوب الأخرى ، دائما كان مناديا بضرورة التعايش المشترك ..فقنابل الإذاعي المصري أحمد سعيد وشعار تجوعي أيتها الأسماك لم تكن إلا مفرقعات والعاب شعاراتية تطايرت مع الزمن ..لم يكن هناك منهاج تعليمي عربي يحث على عداء الشعوب الأخرى وحتى الشعب اليهودي .
بالمقارنة لمسنا وعلى مدار عقود من الزمن شكلية ترسيخ الثقافة العدائية للعرب والفلسطينيين من قبل أقطاب السياسة الإسرائيلية ..ومن منا لا يذكر النماذج التي عززت العنصرية في عقلية الإنسان اليهودي –عندما صرح (موشيه ديان) والذي كان وزيرا للدفاع الإسرائيلي "العرب أمة لا تقرأ وان قرأت لا تفهم وان فهمت لا تطبق " هذه إحدى الأمثلة الواضحة على مساهمة زعماء إسرائيل في ترسيخ الثقافة العدائية للعرب ..ومن منا لا يذكر مقولة (يسرائيل كينغ)عندما قال "العرب سرطان في جسم الدولة ويجب اقتلاعه" !! ومن منا لا يذكر مقولة ( شموئيل طوليدانو )والذي عمل مستشارا لرؤساء وزراء إسرائيليين سابقين عندما قال " الذين يعيشون وراء ظهرنا على مدار عقود من الزمن ، لم يبقوا رعاة ولا سقاة، بل أصبحوا عربا وأيضا فلسطينيين " هذا جزء من النماذج المتعددة التي تدل على مدى الجهد الذي بذله القادة الإسرائيليين في ترسيخ عقلية العداء للإنسان العربي المستضعف هنا .. ونحن هنا من ندفع ثمن هذه العقلية..نحن أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل الذين نحمل الجواز الإسرائيلي .. نعم نحن الجزء النابض من امتنا العربية والجزء الحي من الشعب الفلسطيني ونحن أيضا من ندفع ثمن أي حالة قد تنشأ مستقبلا ما بين إسرائيل والعالم العربي !!نحن دافعي ضريبة الحروبات لأننا فلسطينيين شاء من شاء وأبى من أبى .. هذه حقيقة لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها .
إن أية تداعيات قد تحصل على المستوى الإسرائيلي والعربي تنعكس علينا بشكل مباشر وأي خسارة حربية إسرائيلية أمام دولة عربية تشكل وازعا لحكام إسرائيل وللمجتمع الإسرائيلي لتفريغ أحقاده على الانسان العربي الذي يعيش هنا في الداخل هذه هي الحقيقة المرة التي نحياها هنا ، من هنا فإننا نرى أن الرهان على تغيير نهج التعامل الإسرائيلي معنا فيما لو حلت القضية الفلسطينية أمر غير وارد ، كون هذا النهج تعزز في عقلية المواطن اليهودي ليصبح جزءا من كيانه الثقافي ومن سلوكه اليومي وكما أسلفت فان هذه الرؤية لا يمكن مسحها باتفاقيات سلمية قد تبرم مع الأطراف العربية ، بل إنها تحتاج إلى تغيير عقلية راسخة وقلب مفاهيم متجذرة في أذهان المواطنين الاسرائليين اليهود .

الدكتور عدنان بكريه / الجليل / فلسطين أل 48

ليست هناك تعليقات: