الجمعة، نوفمبر 23، 2007

من ذاكرة الأسر 12

راسم عبيدات
الأسيران احمد عميره والعفو شقير
شموع على طريق الحرية

........كان شعلة عطاء ونشاط قبل إعتقاله، وكان لا يترك مناشطة جماهيرية إلا ويشارك بها، أو كان داعية لها، وعندما إندلعت الإنتفاضة المجيدة الأولى، لم يتوانى عن المشاركة بها بفاعلية، وفي خضم العمل والنشاط ، كان احمد يرى ان بشائر النصر قد لاحت، وان هذه الإنتفاضة يعول عليها كثيراً في إمكانية تحقيق الحرية والإستقلال، هذا الشعار الناظم لهذه الإنتفاضة المجيدة، شعار لا صوت يعلو فوق صوت الإنتفاضة، ودخل احمد كغيره من أبناء الشعب الفلسطيني المعتقل،والإنتفاضة في عنفوانها وأوجها،والسجن زاد احمد إصراراً وقناعة بأن فجر الحرية آت لا محالة، وتتوالي سنوات السجن عاماً بعد عام ، ويرى احمد وعدد آخر من رفاقه ، ان القوى اليسارية هي تنظيمات "ستالينية" وتفتقر إلى الديمقراطية في حياتها الداخلية، وبغض النظر عن عدم صحة وزيف الإدعاءات والمبررات التي صاغها وطرحها، بل وخدع بها الكثيرين، ياسر عبدربه والذي كان يتبوأ منصب نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، لتبرير إنشقاقه عن الجبهة الديمقراطية، والذي أثبت الواقع أن تلك المبررات لم تكن إلا حجج وذرائع واهية، لتبرير سلوكه السياسي الإنهزامي لاحقاً والحفاظ على منجزات ومكتسبات شخصية،وتنفيذاً لرغبات وأجندات غير فلسطينية، وان هذا الإنشقاق لم يضف أي شيء نوعي للساحة الفلسطيسنية، لا على صعيد البرامج الإجتماعية الديمقراطية ولا على صعيد البرنامج الوطني التحرري،بل على العكس من ذلك ساهم في إضعاف اليسار وتفتيه،والمهم أن احمد وعدد من رفاقه إختاروا ان يكونوا أعضاء في هذا المولود الجديد،الإتحاد الديمقراطي الفلسطيني"فدا"، ولتأتي التطورات اللاحقة لتكشف لهم، انه شتان بين ما آمنوا به وبين ما يطرح ويترجم هذا المولود الجديد على الأرض، وأن الشعارات والبرامج المطروحة ، لم تكن أكثر من فرقعات "وهوبرات" إعلامية ، وأضيف لخيبة الأمل هذه خيبة أخرى، ألا وهي ما جلبه أوسلو على الحركة الأسيرة، من حالة واسعة من الإحباط واليأس وفقدان الثقة، حيث أن القيادة التي كان يراهنون عليها، تركتهم فريسة وتحت رحمة الشروط والإملاءات الإسرائيلية للأفراج عنهم، بل والأخطر من ذلك وزيادة وإمعاناً في إذلال المناضلين الأسرى، وكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم، فإن من يفرج عنه من الأسرى، يلزم بالتوقيع على وثيقة يلتزم فيها بما يسمى عملية السلام، وأن لا يعود لممارسة "الأرهاب"، أي التخلي عن المقاومة والنضال، بل ووصف ذلك بالإرهاب، والخيبات المتتالية والمتوالية تركت آثارها ليس عند أحمد فقط ،بل عند الكثيرين من الأسرى، وأحمد أصبح غير مكترث بالعمل السياسي والتنظيمي، وتراه يقضي معظم وقته في كتابة الرسائل للأهل والأصدقاء، حتى أنني اعتقد ان أحمد، لربما الأكثر في إرسال الرسائل وإستقبالها، والشيء المهم جداً ان احمد يحتفظ بكل الرسائل التي ترد إليه، وكذلك الرسائل التي يرسلها، وهذه بحد ذاتها ثروة ، يمكن لنا أن نستثمرها بعمل دراسات أو كتيبات أو كراسات حول رسائل الأسرى وعلاقاتهم الأسرية والإجتماعية، واحمد يقول أنه يحرص على التواصل مع الأهل والأصدقاء من أجل أن يشعر انه يعيش خارج المعتقل، وهو تربطه علاقات مميزه مع الأسرى من رفاق الجولان، وشدة وقوة هذه العلاقة دفعته، إلى أن يقدم طلباً للإنتقال من سجن عسقلان إلى سجن شطة ،حيث يتواجد ويعتقل الرفاق الجولانيين، وأحمد ليس بالإنسان المغلق ،او الذي يتحرج من حضور مسلسلات أو برامج إجتماعية، يعتبرها المعتقلين تافه أو سطحية ويحضرها العديد منهم سرأ، مثل برنامج ستار أكاديمي، والذي كان أحمد يحرص على حضوره والتفاعل معه ، وأذكر جيداً أنه كان من المتحمسين إلى درجة كبيرة لفتاة لبنانيه إسمها مايا، للفوز بلقب ستار، وكلما شاهد البرنامج ، فإنه يقول لي يا ابو شادي عشرين سنة لا تكفي" الله يحرم إللي حرمنا من الصبايا والحياة"،وأحمد من المواظبين على الرياضة ولا يأبه في علاقاته الإعتقالية والحزبية للفئوية، حيث يحتفظ بأوسع العلاقات مع مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني الإعتقالي.
أما العفو شقير، فهو يقول كنا شعلة نضال، وكنا مستعدين ان ندفع أرواحنا في سبيل الحرية والإستقلال، وكنا ندفع ونعطي للثورة، وكان هناك طعم للكفاح والنضال، حيث لم يكن النضال مأجوراً، وعندما دخل المال على النضال، خرب النضال والمناضلين، فعندما حاولت روابط القرى المرتبطة بالأحتلال عام 1979، أن تقوم بتنفيذ أعمال خدماتية في البلدة ،والمقصود بالبلدة، بلدة الزاوية مسقط رأس العفو،وهي إحدى قرى محافظات سلفيت في الشمال الفلسطيني، وتشمل هذه الأعمال شق طرق وتزويد البلدة بشبكة مياه، وقد جرى التصدي لروابط القرى المأجورة والعميلة، من قبل الحركة الوطنية في البلدة ومن الأهالي،والعفو يقول دخلنا السجن ،ونحن مشبعين بالتفاؤل ومتسلحين بالإرادة ومؤمنين بان الثورة لن تترك أو تعدم أي وسيلة، من أجل تحريرنا من المعتقلات ، ولن نمكث في المعتقل اكثر من خمس سنوات، ولنكتشف لاحقاً أننا كنا نحلم فالمشوار طويل طويل، والخمسة أضحت خمسات، فها قد مضى على وجودنا في المعتقل ربع قرن، وها هي قضيتنا رهن للإملاءات والإشتراطات الإسرائيلية، والعفو من خلال تفاعلاتي معه، صب جام غضبه على القيادات المنتفعة والمتسلقة في فتح، والتي كانت سبباً في هزيمتها وخسارتها الثقيلة في الإنتخابات التشريعية الأخيرة،ويضيف العفو ان القيادات الإعتقالية، لم تعمل بما فيه الكفاية من أجل أن يكون الأسرى جزء من القرار السياسي الفلسطيني،والقيادة لا تهتم بملاحقة ومتابعة قضايا الأسرى وإحتياجاتهم، وترى حجيج المحامين للمعتقلات، فقط عندما تتواجد فيه قيادات معتقلة ، وكأن البقية من الأسرى المناضلين، مجرد كم لا قيمة له،رغم ان الكثيرين منهم ضحوا وناضلوا وقدموا أكثر من الكثير من هذه القيادات، والعفو على الصعيد الإجتماعي ، يفخر انه ترك خلفه زوجة مناضلة ، إستطاعت بكدها وتعبها أن تقيم مشغلاً للخياطة، وهذا المشغل من خلاله علمت وتعلم أبناءها في الجامعة ، وكذلك يطعم عدد من عائلات البلدة، من خلال توفير فرص عمل لعدد من بنات ونساء القرية، والعفو في إطار إفتخاره وإعتزازه بزوجته وأبناءه، فهو يحمل صوراً للبيت الذي بنته زوجته، ويقوم بعرض هذه الصور علينا، نحن أصدقاءه المقربين من المعتقلين، هذا البيت الذي يحلم العفو، أن يتحرر من الأسر، ويشاهده على أرض الواقع، وليس من خلال الصور، والعفو كان يبدي تذمراً وإمتعاضاً، هو والعديد من الأسرى من تلفزيون فلسطين، والذي يرى ان عليه واجب،وهو أن يزور أهاليهم ويلتقي معهم ،لكي يشاهدوهم وخصوصاً الأسرى الممنوعين من الزيارة، وحتى هذا الجانب، فإن المسألة تجري في الإطار الإنتقائي،والعفو الذي يحن للأسرة والأولاد كثيراً، فهو كان يحدثنا مطولاً عن أبناءه، الذي في جامعة النجاح والآخرالذي يعمل في إسرائيل،والذي أصبح يدير المشغل لاحقاً مع والدته، وليعذرني العفو ، فأنا لا أتذكر الأسماء جيداً، والعفو يعتب كثيراً، على رفاق "البرش"والذين يتحرروا من الأسر ولا يزورون عائلات رفاقهم وإخوانهم المعتقلين.
عميره والعفو كانوا مناضلين أشداء ويتوقدون حماساً ونشاطاً وعطاءاً في مقتبل عمرهم وفي السنوات العشر الأولى من إعتقالهم ،ولم تضعف هممهم وعزائمهم، ولم يندموا على ما قدموه من نضال وتضحيات، ولكنهم أصبحوا الآن يتحدثون بالكثير من الحزن والآسى والسخط، عما آل إليه الوضع الداخلي الفلسطيني، وهل من أجل المصالح الفئوية والمراكز والإمتيازات لعلان أو فلان ضحوا وناضلوا؟ ولماذا تستغل قضيتهم فقط في القضايا الشعاراتية والخطب والمهرجانات"والهوبرات" الإعلامية والدعايات الإنتخابية ،دون أن يترافق ذلك مع ترجمات حقيقية على الأرض؟.


القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: