الخميس، نوفمبر 29، 2007

القصر الفارغ


رشا أرنست

منذ فجر يوم السبت 24 نوفمبر والقصر الرئاسي اللبناني فارغ، ليس به رئيس يذكر بعد انتهاء الفترة الرئاسية للجنرال إميل لحود ورحيله عن القصر. بالتأكيد رحيل رئيس حيّ يرزق في بلد عربي حدث كبير، وربما اللبنانيون عرفوا بعد تسع سنوات لرئاسة لحود قيمة انتهاء رئاسة لا يريدونها، وتذكروا من جديد قيمة أن يكون لهم الحق والحرية أن يختاروا رئيساً لهم. ولكن مع الأسف المعرفة شيء والتطبيق شيء أخر. أن تعرف انك حرّ أمر جيد، ليس سهلاً في أحيان كثيرة بل انه في أوضاع كثيرة يعتبر منحة إنسانية وليست إلهية كما خلقنا الله أحرار. ولكن أن تعيش حريتك تلك هي المعضلة. ولكي نكشف عنها لابد هنا أن نتطرق إلى جزئيين، الأول: هل تعرف كيف تعيش حريتك؟ والإجابة لا تكفي هنا بكلمة نعم. لأنها تحتاج إلى أكثر من ذلك، تحتاج إلى دليل. دليل انك حرّ، دليل انك لن تسجن إذا تكلمت، دليل انك تقول رأيك ويصل فعلا دون تزييف، دليل انك قادر على ممارسة حقك القانوني دون تمييز، وغيرها من الدلائل. أما الجزء الثاني فهو: أتعيش حريتك دون أن تتعدى على حرية الآخرين؟ وهذا هو الجزء الأصعب لأنه معقد جداً، وأيضاً يحتاج إلى دليل، دليل انك لا تتعدى على غيرك لأنه يمارس حريته، أو انه يفعل ما لا يرضيك، أو انه يختلف عنك في العقيدة أو التفكير، دليل انك لن تقتل أحداً إذا خالفك الرأي ومارس حريته، دليل انك لا تمارس القهر على من هو اضعف منك وتقول انك حرّ. مشكلتنا نحن العرب نريد أن نكون أحرارا ولا نعرف كيف، إذا مارسنا الحرية نختلف، وإذا قُمعنا نثور، وإذا ثورنا تكون ثورتنا همجية فيقتل احدنا الآخر. ماذا نريد وماذا ينفع لنا؟ تلك هي المعضلة الرئيسية والتي حتى الآن لا حل لها.

الحرية نعمة كبيرة ولا يدرك قيمتها إلا من جرب السجن، أو من ذاق مرارة أن يكون محدود الحركة أو التفكير بشكل إجباري. أما الآخرون لا يشعرون بها إلا عندما تُسلب منهم يوماً. اللبنانيون يتأرجحون اليوم بين إمكانية اختيار رئيس توافقي وبين عدم التوافق ووضع البلد على حافة الهاوية مع احتمال قيام حرب أهلية. مع العلم انه مهما كان هذا الرئيس لن يَرضى عنه الجميع، فلكل منا وجهة نظره في الآخرين حسب طريقة التفكير والتقييم. وظروف لبنان تجعل المسئولون يفكرون بما بقى لديهم من ضمير حيّ، أن يفكروا بشيء من المنطق، أي رئيس يحتاج له لبنان الآن؟ بعيداً عن أي طموح في الكرسي الرئاسي. فكما رأينا الكرسي الرئاسي داخل القصر الفارغ، فالقصر الفارغ أفضل بكثير من قصر لا يعرف العدل.
كل إنسان يعيش حرّ في مجتمع حرّ يكون قادر على إدارة شئونه ومسئولياته جيداً، والرئيس مهما كان لن يستطيع أن يضمن للجميع الرضا عن حياتهم أو عن آرائه وتصرفاته هو شخصياً. فليكن رئيس لبنان من يكن المهم أن يكون قادراً على اتخاذ قرار عادل لمصلحة لبنان واللبنانيون. عام 1937 قال والتر ليبمان عميد الصحفيين الأمريكيين في ذلك الوقت "في المجتمع الحر، لا تدير الدولة شؤون الناس. إنها تدير العدالة بين الناس الذين يديرون بأنفسهم أعمالهم الخاصة بهم".
لكل شيء ثمنه والحرية ثمنها غاليً جداً، ومن يُقرر أن يحيا الحرية لابد أن يكون قادراً على دفع هذا الثمن. لبنان كان دائما قادراً على دفع ثمن حريته وإرادة شعبه قادرة على الاستمرار بدفع الثمن أكثر حتى لا تتنازل عن دماء الشهداء التي راحت حتى تضمن للبنان الكرامة والتميز بين دول العرب جميعاً. ولكن ما يحتاج إليه الشعب اللبناني أن يصحو من غفلة هذا الاختيار العنيد وان يمارسوا حقهم كاملاً في الحرية. لابد أن يستيقظ الجميع على حقيقة كل مرشح دون النظر إلى المصالح الشخصية أو إلى الكلمات الحماسية التي ينطق بها المرشحون جميعاً. أمامكم الوقت لتقرروا وتختاروا من تريدون رئيساً يبذل حياته من اجل أن يعيش لبنان. تملكون الوقت الآن ولا تعرفون ماذا يحدث غداً!!

ليست هناك تعليقات: