الأحد، نوفمبر 18، 2007

من ذاكرة الأسر 10

راسم عبيدات
الأسيران إشراق إرحيمي ومحمد الريماوي
شموع على طريق الحرية

......بيت ريما، إسم لن ينسى في التاريخ الفلسطيني، وبيت ريما إحدى قرى رام الله، وهي بلدة زراعية، ووصفتها الصحافة الإسرائيلية بانها إحدى دفيئات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فعندما إغتالت الجبهة الشعبية الوزير الإسرائيلي اليمني المتطرف" رحبئام زئيفي"، تعرضت بلدة بيت ريما إلى عملية إنتقام إسرائيلية قاسية وواسعة، على إعتبار ان الخلية التي نفذت الإغتيال، هي من بلدة بيت ريما، وقد طالت عملية الإنتقام تلك، عدا عمليات الإعتقالات الواسعة لأعضاء وأنصار الجبهة الشعبية، عمليات تنكيل وقمع وهدم لبيوت الرفاق المشتبه بمشاركتهم في عملية الإغتيال، بشكل مباشر وغير مباشر، ومنهم الرفاق إشراق إرحيمي "أبو أحمد" ومحمد الريماوي"أبو اماني"، وهؤلاء الرفاق عدا عن ان عمليتهم كانت نوعية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، فهي أيضاً تكتسب دلالة وأهمية عميقتين، فلأول مرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، يجري قتل وزير إسرائيلي بهذا المستوى، فبالإضافة لكون "زئيفي" ، يميني ومتطرف ، فهو من أشد الداعين إلى طرد العرب وترحيلهم .
وبالعودة للمناضلين " أبو أحمد وأبو أماني "، "فأبو أحمد" في الثلاثينات من العمر، وينتمي إلى أسرة فلاحية، ولكن كون الفلاحة موسمية ولا تسد حاجات السكان الأساسية، إضطر "أبو أحمد" للعمل في إسرائيل " كقصير"، و"أبو أحمد" الذي إلتقيته في سجن عسقلان عام 2001 ، ومن ثم مجدداً في سجن نفحة 2002 ، ومرة أخرى في سجن عسقلان 2005، إنسان هاديء إلى أبعد الحدود، ومثابر ومجد بدرجة غير معقولة، وكذلك مبادر ومتواضع بشكل لافت للنظر، حيث نال شهادة التوجيهية وهو في المعتقل، فقد تعلم العبرية بزمن قياسي، وإلتحق بالجامعة المفتوحة، وعلى ما أذكر حتى لحظة تحرري من المعتقل في شهر تشرين أول/2006 ، كانت علاماته الجامعية جيدة جداً، والمناضل المحبوب "أبو أحمد"، تعلمت العبريبة على يديه، حيث كان يبدي طول بال وصبر علي لدرجة كبيرة، وبالمقابل كان يتصعب من حضور الجلسات معي في المادية الديالكتيكية في سجن نفحة /2002، وأسس الإقتصاد السياسي في سجن عسقلان/2006، وكذلك لا يتحرج أو يتهيب "أبو أحمد" من أن ينتقد نفسه سلباً على أي خطأ أو تقصير، ولا يجيد التبرير وفلسفة الأمور، كما يفعل الكثير من المثقفين، وهو يمل ولا يرغب في الجلسات التنظيمية والثقافية الطويلة، وهو من اول المصوتين على عدم زيادتها، وأكثر ما يكره "أبو أحمد" في المعتقل، هو الخروج إلى "الفورة"، أو ما يسمى ساحة النزهة للمعتقلين، وكم مرة أنتقد سلباً على هذه الناحية، و"أبو أحمد" يصحو باكرأ، وقبل مجيء العد الصباحي في السادسة صباحاً، ويقوم على إيقاظ الرفاق، ومن ثم يعمل كأساً من الشاي الساخن ، ويجلس يطالع بهدوء، وهو ليس من رواد السهر، حيث يخلد للنوم في العاشرة مساءاً، و"أبو أحمد" يا "أم احمد" لديه الكثير من المهارات والخبرات، التي بالضرورة أن تستفيدي منها، إذا ما شاء الله ومنّ علية بإفراج من المعتقل قريباً ، فهو معلم طبخ من الدرجة الأولى، وكذلك فنان في الأشغال اليدوية الإعتقالية، ناهيك عن ميزاته ومبادراته في الجلي والتنظيف، وأكثر ما يكره أبو أحمد ان يكون مسؤولاً في عمل تنظيمي أو ثقافي أو حتى إداري، وأكثر ما كان"أبو احمد" يتمناه ، هو أن يتغلب علي في لعبة " الدومينو" قبل أن أتحرر من المعتقل.
أما الرفيق محمد الريماوي" أبو أماني"، فهو بالأساس فلاح من بلدة بيت ريما، ولكنه كان يعيش في الأردن، ويعمل كميكانيكي، وقد تعرفت علية في سجن عسقلان /2006، وسكنا معاً في غرفة 26 ، و"أبو أماني" هو عكس إشراق تماماً، فهو دائم الحركة، ويسعى إلى تثقيف وتطوير نفسه، ويبدي غيرة وحرصاً عاليين، على أوضاع الرفاق والمعتقلين، وتراه من أشد المناصرين لتكثيف الجلسات في المواضيع المختلفة، وهو قاريء جيد، وهو لا يكتفي بالقراءة، بل ويقوم بالتلخيص والعودة للأفكار الهامة في المادة، وهو إنسان مرح، ولكنه عصبي وحاد المزاج، ولا يجامل في المسائل الحزبية والتنظيمية، وفي الكثير من المرات سببت له هذه الميزة خلافات وجفاء مع العديد من الرفاق، حيث ان البعض لربما كان يرى في وعي "أبو الأماني" وإكتسابه المهارات والمعارف والخبرات التنظيمية والإعتقالية، ما يشكل تهديداً لسلطته وصلاحياته القائمة على أساس "المخترة" وطول المدة، و"أبو اماني" كان دائم التفاعل مع الرفاق والمعتقلين، والذين يحرص على نسج العلاقات الإجتماعية معهم، وحثهم على القراءة والثقافة، وتطوير ذاتهم وملاكاتهم، وفي سياق تفاعلاتنا في الأمور الشخصية، أنا والرفيق المحرر ضرار العزة و"أبو اماني" ، وفي الحديث عن الأيام الخوالي ، قال لنا أبو أماني أنه كان يريد أن يتزوج من فتاة إسمها نجاح ، ولكن لظروف ما لم يتم هذا الزواج، و"أبو أماني" كان وهو نائم في بعض الليالي، تصدر عنه أصوات وكلمات، وبحكم أن محكوميتنا أنا والرفيق ضرار العزة، قد شارفت على الأنتهاء كان يوصينا، أن نزور الأهل ونتواصل معهم، وكنا نقول له طبعاً، هذا أقل واجب وما تمليه علينا العشرة والرفاقية، ولكن سنقول "لأم أماني"، أنك كنت تحكي وأنت نائم، وتقول نجاح ......نجاح، هل إسمك نجاح يا "أم أماني"، وهنا يقول لنا "أبو أماني" واضح إنكم ما بدكم" أم أماني" اتزورني ، وبالفعل عندما تحررنا من الأسر وذهبنا إلى بيت الرفيق أبو أماني، قلنا "لأم أماني" وبناته على سبيل الدعابة والمزاح أن أبو اماني يسلم عليكم كثيراً ومشتاق لكم كثيراً، وطوال الليل يحلم ويتكلم بصوت عالي نجاح .... نجاح، فتصوري يا "أم اماني"، كم محبة ومعزة "أبو اماني" لك ، فقالت لنا إذاً" خليه يحلم وخلي نجاح اتزوره"، وبالفعل عندما زارته "أم أماني"، قالت له حضر أبو شادي وأبو أحمد إلى البيت، وقالوا أنك دائم التذكر والهذيان باسم نجاح، و"أبو أماني" يحلف ويقول والله " يا أم أماني " مالي غيرك بركه، بس "أبو شادي وأبو أحمد "، بدهم ينكشوا رؤوسهم علينا ويشبكونا مع بعضنا، وانتي بتعرفي معزتك وغلاوتك عندي .
ويبقى الرفاق "أبو احمد وأبو أماني"، وكل أسرى شعبنا مشاعل للحرية، ونبراس لنا نسير على هديهم ونهجهم، وهؤلاء الأسرى يجب ان تكون قضاياهم والأفراج عنهم، في سلم الأولويات للسلطة ولكل القوى والأحزاب الفلسطينية، ويجب أن نتعلم من الأخطاء السابقة، وأن لا نترك قضيتهم ،كما حدث في أوسلو لحسن النوايا الإسرائيلية ، هذه النوايا التي حولت الإفراج عنهم، إلى ورقة ضغط وإبتزاز، والكثير من الشروط التعجيزية.


القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: