الاثنين، نوفمبر 26، 2007

السياسية الفلسطينية في خمسة عشر عام...؟

محمد داود ومنيب أبو سعادة
في محاولة لقراءتنا للمشهد الفلسطيني وللقضية الفلسطينية التي تمر بمنعطف خطير، نتيجة تزاحم العراقيل والصعوبات والمؤامرات التي تحدق بها، والذي لطالما كانت اليد الأمريكية الممدودة للجانب الإسرائيلي بتصفية القضية وطمس معالمها، ورسم السياسة الرامية إلى تهويد قضية الوجود والبقاء التي هي سيدة الموقف من أجل تحطيم صمود الشعب الفلسطيني وإخضاعه أمام جبروت الآلة العسكرية، التي لا تلين ولن تلين. والتي كسرت أرادة أطفال الحجارة المقولة "الجيش الذي لا يهزم" وصفحات التاريخ شاهدة على ذلك.
أحس الجانب الصهيوني أن قوة الآلة العسكرية لا تجدي بهذا الشعب الذي كان يواجهها بصدره العاري ولكن متى بدأ الجانب الإسرائيلي يفقه هذا؟! وماذا اعد من خطط وبدائل؟!
سنبدأ من أعقاب حرب الخليج الثانية، اثر اجتياح القوات العراقية للكويت، حيث أجريت العديد من الاتصالات الدولية بشان البدء بمناقشة سبل حل القضية الفلسطينية ، أسفرت عن عقد مؤتمر دولي للسلام في مدينة مدريد بأسبانيا ، شارك فيها الوفد الفلسطيني ضمن وفد مشترك أردني فلسطيني، وبعد هذا المؤتمر عقد جولات عديدة من المفاوضات في واشنطن واستمرت المفاوضات دون فائدة بسبب المماطلة الإسرائيلية.وفي عام 1990 أعلن الشهيد الفلسطيني "ياسر عرفات" عن أجراء اتصالات سرية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ، أسفرت فيما بعد عن توقيع اتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بتاريخ 13/9/1993، والتي عرفت باتفاقية غزة - أريحا أولا ، وبعدها عقدت سلسلة من الاتفاقيات منها اتفاقية أوسلو المرحلية في 28/9/1995 ، ومذكرة شرم الشيخ وطابا، وواي ريفر ، وبروتوكول باريس الاقتصادي ، وعلى اثر توقيع اتفاقية إعلان المبادئ ، انسحبت القوات الإسرائيلية من بعض المناطق في قطاع غزة مدينة أريحا، وفي 4/5/1994 دخلت أول طلائع قوات الأمن الوطني الفلسطيني إلى ارض الوطن ، لتبدأ عمل أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية يترأسها الرئيس ياسر عرفات.وفي يوم 20 كانون الثاني يناير عالم 1996، نظمت أول انتخابات فلسطينية لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي وانتخاب رئيس السلطة التي نصت عليها اتفاقات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث تم انتخاب الرئيس "ياسر عرفات" رئيسا للسلطة الفلسطينية.وفي 25 تموز يوليو عقدت قمة فلسطينية وإسرائيلية في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية برعاية أمريكية، كان "أبو عمار" رئيسا للوفد الفلسطيني، وايهود باراك رئيس وزراء إسرائيل رئيس الوفد الإسرائيلي برعاية الرئيس بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية انتهت بالفشل أمام التعنت والصلف الإسرائيلي تجاه مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم.وفي الثامن والعشرين من شهر أيلول سبتمبر عام 2000 أقدم آرئيل شارون على محاولة دخول المسجد الأقصى المبارك على الرغم من النداءات المتكررة من الرئيس ياسر عرفات بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة الخطير، ولم يأبه شارون بهذه النداءات أو غيرها التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة والزعماء العرب وغيرهم ، وأثارت هذه الخطوة مشاعر الشعب الفلسطيني الذي هب إلى مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي التي أحاطت بشارون لحمايته ، فتصدت القوات الإسرائيلية إلى جموع الفلسطينيين العزل ليسقط عددا كبيراً منهم بين شهيد وجريح ، وسرعان ما اشتعلت الشرارة إلى باقي الأراضي الفلسطينية معلنة اندلاع انتفاضة كبري مازالت مستمرة حتى ألان على الرغم من القيام بالعديد من المبادرات والمؤتمرات وأهمها تقرير لجنة ميتشل ، ووثيقة تينت ، وخطة خارطة الطريق .وفي الثالث من شهر كانون الأول ديسمبر عام 2001، قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة ارئيل شارون فرض حصار على الرئيس عرفات في مبنى المقاطعة برام الله ، ومنعته من التحرك والانتقال حتى داخل الأراضي الفلسطينية بين مدنها وبلداتها لمتابعة أمور الشعب الفلسطيني ، وهدد مرارا على الأقدام بهدم مبنى المقاطعة على رأس الرئيس ورفاقه ومعاونيه المتواجدين معه في المقاطعة ، وقامت بتدمير أجزاء كبير من المبنى .
وبدأت الإدارة الأمريكية وإسرائيل في حصارهم للقضية وللشعب وأرادوا كسر سياسة أبو عمار والحجب والتقليل من صلاحياته حيث فرض عليه أن يصدر قرارا باستحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني وهنا يبدأ المؤامرة.
حيث وافق أبو عمار ولكن الموافقة جاءت بضغط خارجي وخاصة من الرباعية لا سيما وأن ياسر عرفات أعلن سابقاًَ وفي أكثر من موقف بأنه لن يقوم بتعيين رئيس للوزراء إلا بعد أن تقام الدولة الفلسطينية ومحذراً في ذات الوقت من الاستجابة لأي ضغط خارجي أو اعتبارات أجنبية.
أعلن ياسر عرفات في خطابه أمام المجلس المركزي الفلسطيني بتاريخ (8/ 3/ 2003) قبوله استحداث منصب رئيس للوزراء وترشيحه لمحمود عباس (أبو مازن) لهذا المنصب. وعليه وافق المجلس المركزي على هذا الأمر، ومن ثم أحيل الموضوع إلى المجلس التشريعي (برلمان السلطة الفلسطينية) الذي أجرى بدوره تعديلات على نص القانون الأساس أقرت استحداث منصب رئيس للوزراء، وأعطته صلاحيات تنفيذية (في القراءة الأولى والثانية) كانت سابقاً من صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية.
وفي القراءة الثالثة والنهائية (18/3/2003م) أعيد التصويت بالأغلبية على التعديلات السابقة (القراءة الأولى والثانية) مع رفض البرلمان الفلسطيني التعديل الذي أدخله ياسر عرفات على نص القانون المعدل الرامي لإلزام رئيس الوزراء بالعودة إليه عند رغبته بالإقدام على إقالة أي وزير أو إجراء أي تعديل وزاري، وتم التصويت بالأغلبية على إبقاء هذا الأجراء من صلاحيات رئيس الوزراء.
جاءت موافقة ياسر عرفات على استحداث هذا المنصب من خلال بيان أصدره في الأسبوع الثاني من شهر شباط/ فبراير 2003 بعد أن شهد مقر المقاطعة في رام الله زيارات متعددة ومكثفة كان أهمها زيارة ثلاثة مندوبين من الرباعية (مبعوث الأمم المتحدة تيريه لارسن، ومبعوث الاتحاد الأوروبي ميغال موراتينوس، والمبعوث الروسي أندريه فيدوفين) والتقائهم بياسر عرفات قبيل إصدار البيان، هذا بالإضافة إلى رسالة أمريكية وصلت ياسر عرفات تطالبه التعجيل في الإعلان عن استحداث منصب رئيس الوزراء والإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك وهذا إن دل على شيء يدل على هذا ما يفسر ترحيب الكيان الصهيوني والرئيس الأمريكي بوش بهذا الاستحداث لمنصب رئيس الوزراء ويفسر أيضاً حرص الرئيس الأمريكي وإصراره في خطابه (14/ 3/ 2003) على ضرورة إعطاء منصب رئيس الوزراء صلاحيات كبيرة و اشتراطه وقف المقاومة والانتفاضة قبل التقدم بخارجة الطريق إلى الأطراف المعنية واستئناف المسار التفاوضي .

ولكن تأبى السياسة الصهيونية الإسرائيلية إلا وأن ترمى بكل شباكها على الراحل أبو عمار وللقضية الفلسطينية حيث حوصر بالمقاطعة ولكن الرئيس أبو عمار وكعادته ظل صامدا أمام هذه الهجمة الإسرائيلية وأثناء الاجتياح الإسرائيلي لرام الله في أواخر مارس عام 2002 قال عبارته المشهورة " يريدونني إما طريدا وإما أسيرا وإما قتيلا ، لا أنا أقول لهم شهيدا ،شهيدا ، شهيدا "، وبقى صامداً شامخاً متحدياً العالم من اجل فلسطين التي رسم معالم مُدنها ومخيماتها وقراها بكوفيته السوداء وعبر عن هموم شعبه ومعاناته بتجاعيد وجه وعيونه الحالمة والعاشقة لرؤية الأقصى والقدس الشريف، وبقى متمسكاً ومتشبثاً ببزته العسكرية التي رفض خلعها إلا بعد تحرير فلسطين.
واستمر الحال حتى ساءت صحة الرئيس ياسر عرفات ، رأى الأطباء ضرورة نقله إلى باريس للعلاج ، وغادر يوم 29/10/2004 ، أجريت له العديد من الفحوصات والتحاليل الطبية ولكن إرادة الله نفذت، واستشهد قائداً وزعيماً ومعلماً.
وبدأت الكارثة التي أحلت بالشعب وبالقضية الفلسطينية، حيث افتقدت القضية احد ثوارها التي أحبته وأحبها وأراد بها الذهاب إلى شاطئ الأمان رغم الأعاصير الصهيوأمريكية التي كانت تحدق بها.
حيث استلم روحي فتوح منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بصفته رئيس المجلس التشريعي والتي يسنده القانون الأساسي لمدة ستة شهور لتتم الانتخابات الرئاسية ليسد ثغرة الرئاسة في الساحة الفلسطينية.
وأجريت الانتخابات الرئاسية وفاز فيها الرئيس محمود عباس وأصبح رئيس لسلطة الوطنية الفلسطينية.
ولكن الفراغ في الساحة الفلسطينية أخذ يطفوا على السطح ، مما أوجد حالة من الإرباك السياسي، سيما بعد أن قام الرئيس محمود عباس باستصدار قراراً رئاسياً بإقامة انتخابات تشريعية فلسطينية جديدة، رغم الخلافات الداخلية بحركة فتح.
ولكن الجرح الفلسطيني بالكف الفلسطيني، حيث تقلدت حركة فتح مهام السلطة الوطنية لوحدها وبنت المؤسسات...الخ من مقومات الدولة الفلسطينية المنتظرة، واحتملت أعباء وأخطاء السلطة وحدها بما لها وما عليها ... وكانت الأزمة والكارثة التي أحلت بها .
في المقابل استغلت حركة حماس هذا التشرذم الحاصل في صفوف حركة فتح وأعلنت عن تقدمها للانتخابات التشريعية التي اعتبرتها في وقت سابق محرمة ولا يجوز الخوض فيها، لأنها إحدى إفرازات اتفاق أوسلو، حيث أعلنت عن قوائمها المرشحة في الانتخابات، تحت شعار "التغيير والإصلاح" ، وبالفعل أجريت الانتخابات وفازت حركة حماس بأغلبية ساحقة بمقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني.
وشكلت الحكومة الفلسطينية وحدها رغم العراقيل التي واجهت حركة حماس ولكن لم تستطع السير وحدها بهذه الحكومة، وتقبل الأخر في إطار "المشاركة السياسية" فأصبحت السلطة هنا ذو راسين وبدأت المناكفات الداخلية والتصريحات التي سرعان ما ترجمت، إلى سقوط الأبرياء.
ثم وبعد المفاوضات بين حركتي فتح وحماس رغم الصراعات المريرة اتفقوا باتفاقية مكة المكرمة وشكلت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي لاقت استحسانا من الكل.
ولكن لم تتواصل وفشلت وأصبحت الخلافات الداخلية تتغلب على طابع المشهد الفلسطيني، بعد فشل التسويق للحكومة وما تبعها من فرض حصار على الشعب الفلسطيني وحالة القطيعة الدولية لها، لا سيما بعد ألانقسام الجغرافي لشطري الوطن والذي أفرزه الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس على شريكتها في السلطة والمتمثلة بحركة "فتح"
وفي مجمل هذه التطورات المتصارعة لابد لنا من موقف ورؤية لنعى وندرك حجم هذه المؤامرة الصهيوامريكية
والتي تراودنا كثير من الأسئلة التي تحتاج إلى الإجابة عليها..؟!
*ضغوطات الجانب الأمريكي والإسرائيلي واللجنة الرباعية وبعض الدول العربية المتآمرة بدون علمها بسياتهم باستحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني هل هي وضع اللمسات الأخيرة على القضية الفلسطينية بماضيها وحاضرها ومستقيها؟!
*الجانب الأمريكي والصهيوني يعلم علم اليقين ان ياسر عرفات رجل ثوري لن يتنازل على أي شبر من فلسطين هل هذا المخطط هو استبدال لياسر عرفات ومحي تاريخ القضية الثوري؟!
*الجانب الأمريكي والصهيوني يعلم علم اليقين أن حركة حماس ستحصل على الأغلبية في الانتخابات التشريعية هل أرادوا أن تكف حركة حماس عن المقاومة وتتربع على كراسي السلطة وتلهث من أجلها؟!
وفى الختام نقول إن استحداث مجلس الوزراء الفلسطيني هو نقطة التحول للنظام السياسي الفلسطيني لجره نحو الفخ المستقبلي لسلطة برأسين والقطبين المتناحرين، وللأسف وقعت به حركة حماس... وللأسف طبقنا الخطة بحذافيرها دون وعينا وإدراكنا واعدنا صياغتها لتكون اشد واقوي... وأصبحنا تحت سيادة حكومتين حكومة غزة وحكومة الضفة ... حكومة فتح ... وحكومة حماس... شرعية وغير شرعية و.. وأصبحت الفرقة وسفك الدماء وتكفير بعضنا و ولائنا الحزبي والفئوي الضيق أهم واجباتنا نحو الوطن.....
فمتى نعي؟! ومتى ندرك؟! ومتى نقيم ؟!ومتى نعيد مواقفنا؟! من ألفها ليائها اتجاه الوطن؟!
وهل نقول تشتت معالم الدولة المنتظرة؟!
(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) سورة هود

ليست هناك تعليقات: