السبت، نوفمبر 10، 2007

العُرس الديمقراطي الأردني


يوسف فضل

الإحجام المختلفة والألوان المتعددة للوحات واللافتات والملصقات (البوسترات) والمعلقات الانتخابية لعضوية المجلس التشريعي الاردني (مجلس النواب ) تملأ الشوارع الاردنية وكل مرشح ومرشحة يظهر صورته الشخصية في اجمل وضع للنصف الاعلى من الجسم مع ابتسامة التفائل بالفوز في الأيام القليلة القادمة . لا تسمع من يناقش البرامج الانتخابية أو صفات المرشح أو لمن سيرشح المرء صوته إلا نادرا .

صدقا لم اجد ممن اعرفهم شخصا واحدا يؤمن بصدقية هذه الانتخابات مع أن العملية لانتخابية ستجري أو من يعتقد بتنفيذ أي شعار لأي مرشح .فهم (من اعرفهم ) حانقون على اوضاعهم الاقتصادية فلم يعد لديهم الوقت ليصرفوه على نتائج لن تغير من اوضاعهم واساليب معيشتهم .وهم يعتقدون أن انتخابات مجلس النواب ما هي إلا مناسبة لنمو الفطر السياسي المؤقت ، عبر إقامة الولائم والمناسف والتجمعات في خيم انتخابية وأمور ما تحت الطاولة وتوزيع النظارات الشخصية وتوزيع قطع القماش وتوزيع عشرة دنانير قبل الانتخاب وخمسة عشر دينارا بعد الفوز ، سرعان ما تنتهي نتائج الانتخابات لصالح المرشح الذي يستثمر فترة نيابته على اكمل وجه لأنه قطع الوعود التي لن يف بها المرشح الفائز إما لأنه لا يرغب بذلك أو انه يدرك في قرارة نفسه أنه لا يستطيع ذلك .. وهو الصواب . وصدقا مرة اخرى ،هذا ما لم اكن اتمناه .لكن قناعات الافراد تأتي من واقعهم الملموس بصورة اوضح واجلى مما ينشر في الصحف المزخرفة للاقوال والافعال لأن المواطن يعيش واقعا لا يستطيع لا عضو النواب ولا عضو الأعيان تغييره . والأردن جزء من واقع عربي لا يحتاج مني لوصفه او توصيفه للقاريء مما يعانية كدولة ومواطن . وما ينطبق على الأردن فيما يخص انتخابات مجلس النواب ينسحب على الانتخابات البرلمانية العربية كافة .

توقفت كثيرا امام الشعارات التي يطالب بها كل مرشح لعلها ( المرجح ) تعكس تملق النفس الصريح أو تدغدغ أحلام الناخب والمرشح معا .وكل شعار هو مطلب يعاني منه الواقع المعيشي للمواطن .بل ان كل شعار هو سؤال يحتاج الى اجابة والاجابة مفقودة . وقد دونت بعض الشعارات وكانت قراءتي لها على النحو التالي :
جاء شعار"الصحة والتعليم حق لكل مواطن " وشعار " معا لتأمين صحي للجميع" لان التأمين الصحي غير متاح للمواطن العادي ( غير موظف الحكومة ) مع ان الملك عبد الله اصدر الامر الملكي بمعالجة كل طفل اردني يحمل رقم وطني من سن الولادة لعمر ست سنوات على حساب الدولة في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية فقط وكل طاعن بالسن فوق عمر الستين ايضا . والشريحة العمرية الواقعة بين عمر ست سنوات وستون سنة عليها ان تدبر امرها . لكن متى يأتي الدور على المريض لتلقي العلاج في المرافق الطبية الحكومية ؟ ا عتقد انه أسلم للمريض أن يبتعد عن ممارسة هواية المرض ( أسأل الله لكل مواطن السلامة البدنية والاقتصادية ) حتى لا يدخل في مشكلات الانتظار بالدور للمعالجة المجانية ويكمل هذا الشعار شعار" معا لنمحو خط الفقر" ولا اعلم ما هي خطط هذا المرشح او الكيفية التي سيتبعها لمحو الفقر في بلد محدود الامكانيات وشرائح ما دون خط الفقر بازدياد . لعل شعار " معا لتوزيع عادل للخدمات " هو الاجابة المناسبة في التخفيف من حالة فقر المجتمع أو ان شعار " نعم لايجاد فرص عمل " هو الاجابة الرديفة ايضا للتخفيف من الفقر . وماذا عن شعار " العدل والمساواة هما الاساس "؟ أهو الحل الامثل؟ لكنه سيبقى بعيدا عن التطبيق لان الحكومة الأردنية لا تشارك صاحب الشعار هذه الرؤية للعدل والمساواة في التعامل . فمثلا كل معاملة حكومية تضم خانة للإجابة على سؤال " البلد الأصلي ؟" أي قد يكون المواطن أردنيا لكن بلد الأصل " حيفا " فتظهر علامة استفهام كبيرة بحجم شاشة الكمبيوتر . هل أن شعار " فقراء لكن شرفاء " هو الشعار الاقرب الى الواقع في التخفيف من حالة الفقر بتربية ضمير الفرد بالدعوة للصبر وترك الوضع الاقتصادي لعوامل مناكفة السوق الحر ؟

أثار دهشتي الشعار القائل "المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تبدأ وتنتهي بالمرأة" . فهل صاحب الشعار قلق على حياته أم سإم من ممارسة اليوغا البيتية ؟ وهل هذا الشعار مع أو ضد المرأة ؟ إذ يمكن تفسيره على أن الرجل هو شخص متفرج في حياته على ما يجري له ومن حوله ولا حول له ولا قوة بسبب ذكاء المرأة . أو قد يفسر الشعار ضد المرأة بأنها أس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية باستهلاكها الاقتصادي غير العقلاني وأنها من يبتسم لها الشيطان في الحياة الاجتماعية . وهذا غير صحيح لأنه ابتعاد غير مبرر عن اسباب هموم المواطن الحقيقية . فإذا كان رب الأسرة مطحون بارتهانه للقمة العيش فكيف يكون حال المرأة الخاضعة للمُضطَهَد المُضطهِد .

ومثال حي على ذلك إذ كنت وزوجتي مرافقين لمريض في المستشفى الإسلامي في العاصمة عمان وكنت ضمن الصف الواقف أمام مكتب أمين الصندوق لدفع رسوم العلاج . وهناك لوحة معلقة خلف أمين الصندوق تقول " اشغل وقت انتظارك بالتسبيح " . جاء دور رجل في الأربعين من عمره ومعه زوجته المحجبه وبدأ الرجل يشرح لامين الصندوق انه دفع له مبلغ خمسة دنانير البارحة وان أمين الصندوق وعده أن يخصم المبلغ من فاتورة اليوم عند المراجعة . لكن أمين الصندوق لم يتذكر ذلك . حاول الرجل بالشرح المطول والتوضيح لأمين الصندوق لاسترداد الخمسة دنانير لكن باءت جهوده بالفشل بالإقناع . تدخلت زوجة الرجل قائله لامين الصندوق :" يا خوي تذكر البارحة كان في ........" فقاطعها زوجها بغضب وطيش عفوي غير مبرر صارخا :" وبتحكي معاه .. هسه بلفخك ( بصفعك ) ميت ( مائة ) تشف (كف ) وبلزكك ( الصقك ) بالحيطان . روحي اقعدي عند النسوان " . انتابتني حالة من دوامة أمواج الانكسار الداخلي متبوعة بالبلاهة والأسف والفراغ . أرسلت إلى زوجتي التي كانت شاهدا على الحادث مثل الآخرين نظرة تساؤل واندهاش فهمست بأذني :" أي هذا زوج بنقنا " أي ( أن هذا زوج لا يمكن للمرأة العيش معه ) . فهمت من جوابها أن علاقتنا الزوجية على ما يرام . وبدوري ابعث بجواب زوجتي المتواري بالرومانسية للمرشح الذي طرح شعار " المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تبدأ وتنتهي بالمرأة ".

مرشح متفائل يطرح شعار " إعادة النظر بقانون الضريبة " هذا التفاؤل لحظيا مع قناعتي أن المرشح لن يفعل شيئا بشان الضريبة . إذ أن الحكومة الأردنية من حبها لمصدر رزقها ( المواطن ) فهي لصيقة به حتى أنها تفرض الضريبة على الطعام يعني لو كان شخص لوحده يتناول طعامه في مطعم فيبدو ظاهريا انه لوحده لكنه في الواقع فهو الداعي الرسمي المجبر عليه بالقانون للضيف غير المرئي والمتمثل بالحكومة لأنه يدفع لها على الطالعة والنازلة 16% . ومالك البيت ليس مالكا لبيته واقعيا من كثرة الضرائب التي يدفعها فيشعر انه مستأجر البيت من الحكومة مع أن طابو أو الصك (أوراق الملكية ) البيت باسمه . مطلوب مواطن لكل مسكن !

أما شعار " من اجل تحكيم الشريعة الإسلامية" فالمرشح يستشعر ويستنهض ضعف الوازع وبعد الناصح مع أن هذا الشعار هو تهمة واضحة بالدعوة والحض على الإرهاب كما تفهمه أمريكا .

أما شعار "القضية الفلسطينية قضية شعب ومصير امة" و شعار " نعم للدولة الفلسطينية المستقلة " فهما استجداء لصوت الناخب الذي شاءت الأقدار(السعيدة ) أن يكون بلده الأصلي فلسطين . هذه الشعارات تصلح لمؤتمر التنزيلات السياسية القادم في انابوليس !

"معا نحو الأفضل" و " معا من اجل أردن متطور " و " الوطن للجميع " و " خدمة المواطن دعامة للوطن " و " قضاء حوائج الناس عبادة " و كلنا شركاء في بناء المستقبل " و " كلنا للأردن عهد ووفاء " لن تكلف المرشحين غير الوعد بالمحاولة وهي شعارات محايدة لن توقع صاحبها تحت أي مسؤولية . وهي شعارات محفزة وتغريني بأن أتمنى الخير للأردن مثل المرشحين.

أما الشعارات التي تحتاج إلى ثلاثة إضعاف ميزانية الحكومة الأردنية لتنفيذها فهي :" أخاطب باسم الفقراء بمجانية التعليم " و" معا الجامعات للجميع" و " تأهيل الفقراء للكسب الشريف " و " معا لحماية المستهلك من غول الأسعار " و" محاربة البطالة واجب " و " تحسين أوضاع المواطنين والمتقاعدين " .

أما الشعارات العقلانية الرؤية ذات البعد الإنساني والبعيدة عن التعصب وتحترم الإنسان والبيئة والتي أكن لها كثيرا من التقدير فهي شعارات : " إنسان ، تنمية ، بيئة " و " عدل ، مساواة ، صدق " .

ولأن الحياة قصيرة ولا تحتمل الصراع يتغاضى المواطن عن المطالبة بمعظم الحقوق الأساسية تفاديا للهزيمة الأخلاقية وطلبا للسلامة الجسدية حتى لو قرأ شعار " أعاهدكم أن اصدح بالحق " فهو صرخة في واد. دامت الأفراح في ديارنا العربية العامرة !!!

editor@grenc.com

ليست هناك تعليقات: