السبت، نوفمبر 24، 2007

إسرائيل.. شَرعنه وَقَََََْْونَنَة الإحتلال ...


د. عدنان بكريه
لم يكن من الصعب على أبناء شعبنا المشردين في أصقاع الأرض احتمال الأوضاع المزرية التي يعيشونها منذ عام 48... ولم يكن من الصعب عليهم تحمل وطأة التشرد والبؤس والغربة الممجوجة بالحرمان ... فحلم العودة كان مخفضا للألم ومسكنا للحسرة التي تنتابهم في المنافي ... نعم انه الحلم الذي سيتحقق عاجلا أم آجلا رغم الألم والبؤس والحرمان الذي يعيشونه... ورغم كل شيء... إلا أنهم ما زالوا يحلمون بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي هُجروا عنها عام 48 وبرغم تبدل الأوضاع وتقلب الأحوال السياسية ولاجتماعية إلا أن الحلم أصبح هاجسهم الوحيد للتخلص من المنفى ألقسري الذي فرضته الحالة السياسية عام 48 ...ولا يمكن لأي كان أن ينسف هذا الحق لا القوانين الصهيونية ولا القوة العسكرية.. فحق العودة حق مقدس لا يمحى بالقوانين ولا بالتقادم.
أما السؤال المطروح وفي ظل محاولات حكام إسرائيل تشريع قوانين هدفها نسف الحق الفلسطيني وشرعنه هذا النسف... وبالتالي تبرير تنصلهم من دفع الاستحقاق السياسي من خلال رمي الطابة في ملعب الكنيست أي السلطة التشريعية وذالك باستحداث قوانين عنصرية كقانون ينوي اليمين الإسرائيلي طرحه على الكنيست لتشريعه ... ملخصه.. تجريم ومعاقبة من ينادي بحق العودة والتنازل عن القدس كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل !! بهذا القانون المخالف لكل الاتفاقات الدولية وقرارات الأمم المتحد تحاول إسرائيل إيجاد منفذا للتهرب من الاستحقاق وبالتالي ضرب أسس الخيار السلمي الذي يصبو إليه شعبنا الفلسطيني.
إن تزامن هذه الدعوات مع انعقاد لقاء أنابوليس ماهي إلا محاولات إسرائيلية تهدف إلى تركيع المفاوض الفلسطيني وبالتالي إجباره على القبول بأنصاف الحلول المطروحة وإذا لم يكن لها ما تريد فإنها لن تتورع عن نسف هذا اللقاء وبالتالي تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن انهيار اللقاء !
هكذا كانت وما زالت عقلية المؤسسة الحاكمة في إسرائيل والتي ترى بأنابوليس مجرد لقاء تجميلي للنوايا الإسرائيلية الغير جدية بتاتا !! إن المشادات التي حصلت بيت وزير الدفاع ( إيهود براك ) وبين ( حاييم رامون ) أحد قادة حزب العمل وكشف الأخير عن أن حكومة ( أولمرت ) لن تطرح على الشعب الفلسطيني ثلث ما َطرح على ياسر عرفات في كامب ديفيد يكشف النوايا الإسرائيلية المبيتة .... وهي أنها ذاهبة إلى اللقاء الدولي بدون اقتراحات جدية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ... وما تحمله مجرد أفكار عفى عليها الدهر وشرب تهدف الى طمأنة العالم العربي وجره إلى حظيرة التطبيع معها .
قادة إسرائيل لا يخفون هذه الحقيقة وقد صرح بها أكثر من مسؤول إسرائيلي وبكل وقاحة من أن إيجابيات أنابوليس ستكون أكثر بكثير من سلبياته .. فباعتقادهم أن أنابوليس قد يشكل نقطة انطلاق نحو تطبيع العلاقات مع العالم العربي وبالتحديد السعودية التي لها قوتها السياسية والاقتصادية في العالم العربي .
إسرائيل ذاهبة إلى اللقاء حاملة في جعبتها اللاءات الثلاث ... لا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة... لا للقدس... لا لحق العودة.. وباعتباراتها بأن إقامة الدولة الفلسطينية مرهون باجتثاث الإرهاب الفلسطيني !! وهذا مشروط بمقدرة الطرف الفلسطيني على محاربة الإرهاب ! وهذه الشروط التعجيزية التي تطرحها إسرائيل ما هي إلا شروط لتبرير تهربها من دفع استحقاقات العملية السلمية ... فهي تعلم أن العمليات التي تطول إسرائيل تأتي دائما كردة فعل على الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وكردة فعل على موبقات الاحتلال .. ولا يمكن منع هذه العمليات إلا إذا تقدمت إسرائيل بحلول تنهي الاحتلال وتكنسه عن الأراضي الفلسطينية والعربية.
إسرائيل لم تتعامل بجدية مع أي اقتراح عربي يضمن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بل تناولت هذه الاقتراحات بتهكم ولامبالاة.. تعاملت مع المبادرة العربية التي وضع أسسها العاهل السعودي الملك عبد الله بالاستهتار واللامبالاة رغم أن مبادرة قمة بيروت كانت الأساس المتين لإنهاء الصراع كونها قوبلت بموافقة الأطراف العربية كلها وتناولت أيضا سبل العلاقة المستقبلية مع إسرائيل ورغم ذالك فقد رفضها الطرف الإسرائيلي لأنه يريد سلام وتطبيع دون أن يدفع مقابل هذا السلام .
العقلية الإسرائيلية لم تتبدل ولم تتغير ، بل أنها ما زالت تراوح مكانها معتمدة رفض أية مبادرة عربية ودولية تحت حجج واهية وأسباب غير واقعية ... فالشعب الفلسطيني لا يشكل خطرا على إسرائيل ، بل أن إسرائيل هي التي تشكل خطرا على الشعب الفلسطيني وعلى امن واستقرار المنطقة من خلال تمسكها باحتلال الأراضي العربية والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ... وهي تعيش الآن حالة تخبط وتلبك على المستوى السياسي، كونها لا تملك الإجابات حول أسئلة سوف يطرحها المجتمع الدولي والعالم العربي... وهي تقف محرجة أمام العالم حين لا تستطيع الإجابة على التساؤلات وفي مقدمتها... إلى أي مدى هي على استعداد لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ؟! وهل هي مستعدة لتبني مبدأ الأرض مقابل السلام ... هذه هي الأسئلة التي يتوجب على الأطراف العربية طرحها والإصرار على تلقي الإجابات عليها وقبل الذهاب إلى أنابوليس .
إنني متيقن من أن الطرف الإسرائيلي لا يملك إجابات على هذه الأسئلة وإجاباته لا تتعدى التأتأة ومحاولة طرح شروط بعيدة عن جوهر الطرح .
اقتراح مشاريع قوانين متعددة وفي هذه الظروف بالتحديد يهدف إلى إعفاء الحكومة من مسؤوليتها عن أي انهيار في المفاوضات وتحميل المسؤولية للكنيست والقانون الإسرائيلي ... هذا إذا لم تنجح بتحميل الأطراف العربية المسؤولية عن انهيار المؤتمر أو اللقاء سموه كيفما شئتم ... أما الهدف الآخر محاولة استغلال هذه القوانين للضغط على الأطراف العربية وبالتحديد الطرف الفلسطيني للقبول بما تطرحه هي..ملوحة مهددة بعصى القوانين الرافضة للثوابت الفلسطينية .فإسرائيل تحاول شرعنه الهروب من الاستحقاق من خلال خلق وضع قانوني ُيجَرِم ويعاقب من يتناول مسألة حق العودة والتنازل عن القدس... مطالبة الأطراف العربية الاعتراف بيهودية الدولة !! وكما قال أحد المحللين الاسرائيلين " لا يوجد دولة في العالم تحترم نفسها .. تطالب الاعتراف بجنسيتها !! لقد صدق هذا المحلل .. فإسرائيل هي التي تسعى لمحو صبغة يهودية الدولة من خلال إبقائها على الاحتلال وانتهاك حقوق شعوب أخرى ..إنها تضع مستقبلها على كف العفريت وتهدد نفسها بنفسها . وحتى لو استغلت إسرائيل قوانينها الملزمة فهل ستستطيع إقناع العالم بهذه القوانين التي برمجتها وشرّعتها عقلية الاحتلال ؟ والى متى ستستطيع الاختباء خلف ستار هذه القوانين التي تكرس الاحتلال وترسخه في عقلية المواطن الإسرائيلي.
لا يوجد دولة في العالم تكرس الاحتلال من خلال سن قوانين !! والتاريخ لم يشهد هذه الظاهرة لكن كما يبدو فإننا دخلنا نهج جديد ومرحلة تاريخية عنوانها ( قوننة وشرعنه الاحتلال )
الدكتور عدنان بكريه / الجليل / فلسطين

ليست هناك تعليقات: