الثلاثاء، نوفمبر 27، 2007

أنابوليس وحسابات "أولمرت" الإنتخابية


د. عدنان بكريه
ليس لدينا أدنى شك من أن الوفود العربية ستعود من "مهرجان التهريج "في أنابوليس بخفي حنين ،فالمؤتمر المنعقد في الولايات المتحدة يفتقر إلى أدنى مقومات المؤتمر الذي من شأنه أن يبحث في القضايا الجوهرية التي تخص الصراع العربي الاسرائلي وحتى إن طبيعة الوفد الإسرائيلي لا تمكنه من طرح وتناول الحلول وإبرام الاتفاقيات ... فهذا الوفد وقبل مغادرته إلى انابوليس أكد أنه ذاهب إلى هناك لجس نبض الأطراف العربية وفحص إمكانيات الحل ! أي أنه لا ينوي طرح الحلول بل أن مهمته تتلخص بسماع وجهة نظر الوفود العربية ومن ثم العودة إلى المجلس الوزاري لبحث كافة الاقتراحات !
نعم .. هذه هي النوايا الإسرائيلية المعلنة ... إسرائيل ذاهبة إلى أنابوليس مسلحة بالدعم الأمريكي اللامحدود
غير آبهة بفشل اللقاء مراهنة على حصد مكاسب من الأطراف العربية من خلال فتح نوافذ التطبيع مع العالم العربي كشرط أساسي للتقدم في الحوار والمضي في بحث القضايا العالقة !
إسرائيل ذاهبة إلى اللقاء بدون امتلاك توجه جدي لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وذهابها لا يتعدى كونه نزهة تعارفية ومحاولة بائسة لابتزاز الأطراف العربية وبالتحديد الطرف الفلسطيني وإيهامه بأنها عازمة على حل القضية الفلسطينية وفق خارطة الطريق .. فلقد أعلن المسؤولون الإسرائيليين مرارا وتكرارا على إن تنفيذ خارطة الطريق منوط ببدء الطرف الفلسطيني ترجمة ما هو مطلوب منه على أرض الواقع أي محاربة (الإرهاب الفلسطيني )!! وبالتحديد حركة حماس .
وأضافوا إن شرط التقدم بالعملية السلمية ستحدده خطوات الطرف الفلسطيني ونجاعتها ! بمعنى آخر تفجير الوضع الفلسطيني المتأزم وإدخال الشعب إلى حالة اقتتال داخلي لا تحمد عقباه .
إن مثل هذه الاشتراطات الإسرائيلية من شأنها أن تضع الوضع الفلسطيني على فوهة بركان ومن شأنها أيضا أن تقضي على فرص الحوار بين الأخوة الفلسطينيين وتنسف إمكانيات الحوار والتقارب بين حركتي فتح وحماس ولا نعتقد بأن هذا الشرط سيكون مقبولا على الرئاسة الفلسطينية بل إن رفضه واجب وطني من الدرجة الأولى ... وإذا كانت إسرائيل تظن بأن السلام يبنى على جثث ضحايا الاقتتال الداخلي تكون مخطأة وواهمة .. فشعبنا الذي قدم الغالي والرخيص على مذبح التضحية الوطنية .. لن يقبل بأن يحول حلم التحرر والاستقلال إلى حرب أهلية ولا يمكنه القبول بدولة تبنى بمداميك من الجثث !
إن الشروط التعجيزية التي تطرحها إسرائيل يكشف خبث النوايا الإسرائيلية ومحاولاتها الدائمة بالبحث عن ذرائع تعفيها من الالتزام تجاه الشعب الفلسطيني والعالم العربي .. هي ذاهبة إلى انابوليس للبحث عن منفذ للهروب من دفع استحقاقات العملية السلمية وتتمنى فشل المؤتمر .. لأن نجاح أعماله يعني إلزام إسرائيل بدفع ثمن هذا النجاح .. ونجاحه سيترك انعكاسات سلبية على الوضع السياسي داخل إسرائيل وبالتحديد على ائتلاف (اولمرت) الحكومي فأي تنازل وحتى طرح وتناول لثوابت الحق الفلسطيني سيضع حكومة اولمرت على كف عفريت وهذا ما هدد به زعيم حزب يسرائيل بيتينو ( ليبرمان ) بأنه سينسحب من الائتلاف الحكومي فيما لو جازف ( أولمرت ) وتناول الثلاث قضايا .. القدس.دة.. القدس .. وإقامة الدولة الفلسطينية !
من هنا نلمس أن انابوليس مقيد بسلاسل اليمين الإسرائيلي ولا يمكن لليمين فك هذه القيود وإذا حاول اولمرت فكها فإنه سيدفع مستقبله السياسي ثمنا لذالك ..
اولمرت الذي تلاحقه ملفات الفساد وقرارات لجنة (فينوغراد) لا يمكنه كسر قيود اليمين حتى لو أراد .. فهو ذاهب إلى المؤتمر ليعود بقرارات ترفع أسهمه المنهارة داخل إسرائيل وتزيل كابوس الانهيار السياسي الذي يلاحق شخصه ومنذ فشل حربه الأخيرة على لبنان..إن الفشل العسكري الذي لحق به وجعله ضعيفا مطاردا من قبل لجان التحقيق ومن قبل خصومه السياسيين أجبره على البحث عن حصد ولو مكسب سلمي صغير لحفظ ماء وجهه ورفع أسهمه المنهارة في الشارع الإسرائيلي.. وهو يظن بأن أي تنازل عربي ولو كان بسيطا سيترجمه إلى مكسب سياسي أمام خصومه السياسيين وقد يحفظ له مستقبله السياسي الذي يتداعى يوما بعد يوم.
إن الضعف الداخلي لرئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت يقوده نحو تعويض هذا الضعف على مستويات عربية وإقليمية ... وتهديداته المتتالية باجتياح قطاع غزة دليل واضح على مدى تهوره واستعداده لشن حرب على قطاع غزة تحت حجة القضاء على بؤر الإرهاب.. وهو ينطلق من حسابات انتخابية خالصة ويظن بان اجتياح القطاع قد يمنحه القوة الجنرلاتية ويغطي فشله في الحرب ضد حزب الله وقد ينسف توصيات ( لجنة فينوغراد ) التي حملته المسؤولية عن الفشل الذريع في لبنان .
من هنا فإننا متخوفين من أن مرحلة ما بعد أنابوليس ستكون مرحلة حساسة وقد يصل التهور الإسرائيلي الأمريكي إلى حدود شن هجمات ضد أهداف سورية وإيرانية إضافة إلى اجتياح قطاع غزة وإشعال المنطقة
لا نستبعد أن يكون انابوليس مرحلة تحضيرية لعدوان عسكري بالطيران الأمريكي والإسرائيلي على إيران وسوريا واجتياح قطاع غزة وتفجير حرب أهلية في لبنان لحسم الصراع اللبناني الداخلي وخلق توازن بين أطراف الصراع ..إن الأجواء الداخلية في إسرائيل ترجح احتمال إشعال المنطقة وقادة الدولة العبرية معنيين باندلاع حرب خاطفة والعودة بنتائج مرضية لترجيح كفة ميزانهم الانتخابي.. إن التاريخ الإسرائيلي وحساباته الانتخابية بني على هذه القاعدة .. قاعدة أن الانتصار بالحرب كفيل بخلق إمكانيات النصر السياسي الانتخابي!!
وحسابات بوش تنطلق من قاعدة فشله في العراق ودخوله إلى أوحال بات من الصعب الخروج منها بسهولة فهو لن ينهي حياته السياسية بالخسائر التي تلاحقه في العراق وأفغانستان.. لذا سيجهد في سبيل إنهائها بنصر عسكري إذا فشل بفرض سلام مرفوض من قبل كافة الأطراف... لذا لن يتورع عن إنهاء حياته السياسية بضربة موجهة ضد إيران من اجل القضاء على المشروع النووي الإيراني دون إجراء حسابات دقيقة لتداعيات هذه الخطوة على الأمن والاستقرار العالمي .
إن سيناريو الحرب قائم ... لا يمكن نفيه أو تأكيده فالأيام وربما الأشهر القادمة ستكشف العديد من التوجهات والنوايا والتساؤلات الملحة... ما هو بديل انابوليس
الدكتور عدنان بكريه / الجليل / فلسطين أل 48

ليست هناك تعليقات: